الحدث

الحريري “يرجع” إلى مصطفى أديب!

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

قضى رئيس تيّار المستقبل النائب سعد الحريري مبدئياً على إحتمال تشكيل حكومة تكنو-سياسية، وفي ذهنه أن هذا الاسقاط من جانب واحد سيحمله على تأليف حكومة من الاختصاصيين بالاكراه وتحت وطأة التهديد بتطيير المبادرة الفرنسية.

خلال لقائه برئيس الجمهورية ميشال عون ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري لاحقاً، ابلغهما أن مبادرته “التي جاءت متممة للمبادرة الفرنسية”، تقوم على محاولة تأليف حكومة مستقلة من إختصاصيين ومن دون دسم سياسي ومدة صلاحيتها لا تتجاوز ٦ أشهر، طبقاً لما عرض على السياسيين بالخط العريض حين أمَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معشر أهل السياسة على الطاولة البيضاوية في قصر الصنوبر. ما يحمل على الاستغراب أن الحريري، أخذ من المبادرة ما يراه يتطابق وشروطه السياسية، وترك ما غير ذلك دون اي إهتمام يذكر، الأمر الذي لن يقود إلى تشكيل حكومة.

فمثلاً، لم يلتفت الى أن مبادرة ماكرون قامت على تشكيل حكومة كاملة من اختصاصيين، من رأسها وحتى أخمص قدميها، ولم يدرج في مسودة مبادرته أي إشارة تذكر إلى كلمة مستقلة، وإذا صح ما يدّعيه الحريري أنه “فوّض نفسه” إنقاذ المبادرة الفرنسية بعلم ودراية كاملة من الاليزيه، يصبح من الواجب استفسار الإدارة الفرنسية حول مدى علمها بالتعديلات الجوهرية التي أدخلها رئيس تيار المستقبل بشكل أحادي ومن دون الرجوع إلى أحد وبطريقة شكّلت التباساً على النص، وهذا الفعل إنما يطرح إشكالية أخرى عنوانها مشروعية إدخال تعديلات موازية على تعديلات الحريري.

لكنّ المعضلة لا تنحصر فيما تقدّم، بل في الإطار الذي رسمه الحريري لتحرّكه. تقول مصادر في الأكثرية لـ”ليبانون ديبايت” أن ما افتعله رئيس تيار المستقبل بحق الاستشارات النيابية الملزمة والتي استدعيَ النواب بموجبها من قبل رئاسة الجمهورية، بفتح باب إستشارات سياسية قبل إستشارات التكليف بمهمة محصورة في تأمين عناصر التأليف، لا يمكن إغفاله بوصفه زرعاً لاعراف جديدة تنتقص من قيمة الدعوة الأساس ومن صلاحيات النواب وتجعلها هامشية، وهنا لا يمكن للحريري لاحقاً أن ينتقد إرساء رئاسة الجمهورية لعرف ربط التأليف بدعوة إستشارات التكليف.

ببساطة، ما يقدم الحريري على فعله الآن، هو تخيير الطبقة السياسية التي ينتمي اليها، بين ما يطرحه هو كحلّ وبين مواجهة الاحتمالات الناتجة عن انهيار المبادرة الفرنسية، اي عملياً يلوح مهدداً بعصا فرنسية غليظة وبأثمان عدم الفوز بدعم المجتمع الدولي، في استنساخ واضح للتهديدات الاميركية الفرنسية: الإصلاح أو العقوبات!

أسلوب الحريري، يوحي بأنه منصّب كمتعهد وظيفته تسيير أعمال التهديدات الاميركية – الفرنسية في بيروت. إن صح ذلك، فإنه ومن الخطأ أن يظن الحريري أن ما لم يستطع أخذه في السياسة بوكالته عن السفير مصطفى أديب يستطيع وبالاصالة عن نفسه أن يأخذه عبر تجميع سلسلة تخويفات ونشرها كـ”فزاعات” في الحقل السياسي بذريعة أن البديل سيكون عقوبات وإفلاس، أي عملياً مزيد من الانهيار.

هذا الفعل لن تستسيغه قوى سياسية وازنة، باتت تشعر أن المطلوب منها فرنسياً (طبقاً لما يقوله الحريري)، محصور فقط بتأمين غطاء سياسي لحكومة “أمر واقع” مجهولة الأهداف والمهمة وليس الاتفاق على شراكة معها، وهذه نقطة خلافية جوهرية ستعرقل تشكيل أي حكومة في المدى المنظور.

من هذا المنطلق، تقول مصادر الاكثرية لـ”ليبانون ديبايت” أن رئيس تيار المستقبل يظن أن إمساكه بالعصا الفرنسية سيقوده إلى تطويع المجموعة السياسية وسوقها بالاتجاه الذي يريده. يسقط من باله أن تطبيق مثل هذه الفرضية محكوم بإستنفار مفاعيل رجعية تستند الى تصفية حسابات من نتائجها أنها ستأتي على وضعية الحريري السياسية أولاً.

واصلاً، وضع الحريري الهش داخل بنيته السياسية والطائفية وفي محيطه الاجتماعي لا يخوله فرض الشروط. وفي زمن الازمة المالية وافتتاح بوابة التفاوض غير المباشر برعاية أميركية مع العدو الاسرائيلي لتثبيت حقوق لبنان المغتصبة لا معنى لحكومة اختصاصيين “مش معروفة قرعة ابوهم” بل المطلوب حكومة سياسية تواكب التطورات التي يغفلها الحريري عمداً، بحسب خلاصة قول المصادر.

هذا الجو إنعكس على مجمل القوى السياسية، خاصة تلك الدائرة في صف الاكثرية، التي وجدت أن “مبادرة الحريري” ما هي إلا استكمال لما بدأه مصطفى أديب سابقاً. شيء من هذا لا تستسيغه هذه القوى التي باتت تجد فيه امتداداً لمشروع عزلها وإزالة نتائج الانتخابات النيابية من الفهرس السياسي. هنا مربط الفرس اذاً، الحريري يجدد هجمته الذي دشنها ايام مصطفى أديب ويريد فرض ما لم ينجح بفرضه بالوكالة ان يفرضه بالاصالة. هنا، سيجد حكما ان الخطاب المقابل له لم يجر ادخال اي تعديل عليه، فما سمع أيام اديب سيعاد تكراره اليوم على مسمع الحريري: لا حكومة من دون تمثيل سياسي واضح وصريح ونقطة انتهى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى