تحقيقات - ملفات

مخازن الخوف والتفجير (2): الحزب يفرض “السيادة المطلقة”

“صواريخنا مخبأة. قد تفاجئهم في أي يوم من الأيام، لا يعرفون عددها ولا مكانها ولا مكان تموضعها”.

الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله

 

 

يسعى “حزب الله” جاهداً إلى الظهور بمظهر الهادئ المطمئِنّ إلى ما يتخذه من إجراءاتٍ ومواقفَ حول قضية مخازن سلاحه وانتشارها في المدن والبلدات وسط المساحات المأهولة بالسكان. لكنّ عودة التهديدات الإسرائيلية وكشف المزيد من المعلومات حول هذه المستودعات في ضاحية بيروت الجنوبية، يجعل مهمّة الحزب شاقة في تغطية هذه المشكلة ببعض التصريحات والجولات. فتتابع الانفجارات، من مرفأ بيروت إلى عين قانا، أدخلت هذا الملف مرحلةً جديدة من التسخين، بالتوازي مع الانتشار المشهود للقوات الدولية في مرفأ بيروت وعلى تخوم الضاحية الجنوبية.

وقد رفعت مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مستوى المواجهة، حين دعا السلطات اللبنانية إلى “دهم كلّ مخابئ السلاح والمتفجرات ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي بين الأحياء السكنية”، في عظة 23 آب 2020.

يتعاطى الحزب مع هذا الملف وفق قاعدة الإنكار التام لوجود مخازن للصواريخ والذخائر في المناطق السكنية، لكن في الوقت نفسه، وبكثير من التفاخر، أعلن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في 20 أيلول 2018 أنّه “مهما فعلت إسرائيل في قطع الطريق، فقد انتهى الأمر. والمقاومة باتت تمتلك  من الصواريخ الدقيقة وغيرها وهي كفيلة بأن تواجه إسرائيل مصيراً وواقعاً لم تتوقّعه في يوم من الأيام”.

من الناحية العملية، تؤكد الوقائع أنّ الحزب قام بنقل كميات من الصواريخ خارج بيروت وتوجّه بها جنوباً، لكنّ تفجير عين قانا يؤكّد أنّه أينما ذهب بها، فهي تشكّل خطراً مستطيراً

 

وبتاريخ 20 حزيران 2020 كان موقع “الإعلام الحربي” التابع لحزب الله قد نشر فيديو بعنوان “أُنجز الأمر”، يتضمّن مشاهدَ عن إحداثياتٍ لمواقعَ حيويّة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، مرفقاً بمقطع صوتيّ لنصرالله يقول فيه: “إننا قادرون على ضرب أهداف محدّدة جداً في تل أبيب، بل في أيّ مكان من فلسطين المحتلة”، مع تكرار عبارتي “انتهى الأمر” و”أُنجز الأمر”.

يسلك “حزب الله” مسلك التبسيط المبالغ فيه للأزمة، فهو يؤكد وجود صواريخ دقيقة، وهو يعلم أنّها عنوان مستفزّ وجالبة للمخاطر، وكان في إمكانه أن يبقيها في إطار السرية والتحفّظ، بدل تحويلها إلى معركة مفتوحة لا تحمل نقاط قوّة أمام عيون المجتمع الدولي. فهذا الملف منفصل عن السلاح التقليدي للحزب، وهناك إجماع دولي على منع وجوده بيد الحزب.

ينظّم “حزب الله” جولاتٍ سطحية للإعلاميين، ليقول إنّ الأماكن التي يحدِّدها العدو لا تحوي صواريخ ولا مصانع للصواريخ، كما سبق أن فعل عندما دفع بجبران باسيل، حين كان وزيراً للخارجية، إلى تنظيم جولة إعلامية في ملعب العهد وخارجه، بتاريخ تشرين الأول 2018، بحضور عدد من السفراء والدبلوماسيين المعتمدين في لبنان، ليصرّح بعدها أنّ” إسرائيل تسعى لشنّ عدوان جديد على لبنان، وتبريره بمزاعم عن وجود مواقع صواريخ لحزب الله”.

من الناحية العملية، تؤكد الوقائع أنّ الحزب قام بنقل كميات من الصواريخ خارج بيروت وتوجّه بها جنوباً، لكنّ تفجير عين قانا يؤكّد أنّه أينما ذهب بها، فهي تشكّل خطراً مستطيراً.

يمارس حزب الله “السيادةَ (الحزبية) المُطْلَقة” في المناطق التي يسيطر عليها، فهو يسمح ويمنع، وهذا ما عبّر عنه نصرالله في خطابه الأخير عندما قال: “سنسمح لوسائل الإعلام بالدخول إلى المنشأة التي تحدّث عنها نتنياهو ليكتشف العالم كذبه”، لكنه أشار إلى أنّ هذا الإجراء لن يتكرّر كلما تحدّث رئيس وزراء العدو.

“السيادة (الحزبية) المُطْلَقة” مارسها الحزب أيضاً في عين قانا بعد التفجير الذي وقع في 22 أيلول وأدّى إلى نسف منشأة عائدة له، قال إنّها كانت مركزاً لتجميع مخلّفات حرب تموز 2006، مانعاً وسائل الإعلام والجيش من الدخول إلى نقطة الانفجار في عين قانا الجنوبية، وغير مكترثٍ لكلّ الاستنكارات التي صدرت يومها “على الهواء” التلفزيوني، أمام حظر وصول أجهزة الدولة إلى عين المكان، وعدم إجابة إعلام الحزب عن سبب الاحتفاظ بهذه المتفجرات منذ 14 عاماً، إذا صحّت رواية التخزين التي تشبه رواية تخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت.

مع البدء بترسيم الحدود ترتسم أسئلة كثيرة حول جدوى مئات آلاف الصواريخ خارج نطاق الدولة، التي يسيطر “حزب الله” عليها، وهنا مكامن العجب: أن يكون الحزب ممسكاً بالدولة، ولا يثق بها، أم هو النموذج الإيراني الذي يعتمد الثنائية فالميليشيا للتهديد والدولة للحماية الشرعية

 

ما يظهر الآن من معطيات حول مستودعات حزب الله ليس سوى رأس جبل الجليد. وبحسب خبراء يتابعون حركة الحزب، فإنّه وضع استراتيجية شاملة لعمليات التخزين هذه، وقسمها إلى جزأين:

ــ التخزين في المواقع ذات الخصوصية الأمنية والواقعة تحت السيطرة المباشرة والتامة للحزب وفي مناطقه: وهي أشبه بقواعد عسكرية مصغرة أو متوسطة في المدن، وموسعة تحتوي أنفاقاً ومنشآت كبرى في البلدات والقرى، وهذه المواقع بات عدد منها مكشوفاً، كما يبدو من التسريبات الإعلامية.

ــ التخزين في البيئات غير الموالية للحزب: يعتبر مخزون هذه المستودعات رصيداً مجمّداً لا تمتدّ إليه اليد، إلاّ في حال خسارة المخزون الاستراتيجي. ويجري التخزين في هذه المناطق لإبعاد الشبهات وتوقع عدم انكشافها، نظراً للميزة الجغرافية التي تتمتع بها، ويقوم بحمايتها أشخاص من البيئات نفسها. لكن يبدو أنّ هذه الميزات آخذة في التلاشي مع توارد المعلومات عن وجود أزمة صيانة للصواريخ والأسلحة الثقيلة، وعن نشوء موجات وعي ويقظة بين الأهالي تتصدّى للأمر الواقع، كما حصل في بعبدا وكفرشيما وغيرها.

مع البدء بترسيم الحدود ترتسم أسئلة كثيرة حول جدوى مئات آلاف الصواريخ خارج نطاق الدولة، التي يسيطر “حزب الله” عليها، وهنا مكامن العجب: أن يكون الحزب ممسكاً بالدولة، ولا يثق بها، أم هو النموذج الإيراني الذي يعتمد الثنائية فالميليشيا للتهديد والدولة للحماية الشرعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى