لم يكُن مفاجئاً القرار الأميركي الذي صدر بموجب قانون «ماغنيتسكي»، وقضى بفرض عقوبات على رئيس تكتّل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، بعد تهديد دام لأكثر من عام. إلا أن ما يجب أن يؤخذ في الحسبان، استناداً إلى تفاصيل المفاوضات التي أجراها الأميركيون مع وزير الخارجية السابق، أن الولايات المتحدة الأميركية وصلت إلى مرحلة تخيير الجميع في لبنان: إما معها وضد حزب الله بالمطلق، أو مع حزب الله وضد مصالحها، ولا مجال لأي منطقة في الوسط تسمح بالتمايز عن الحزب، من دون خدمة الأجندة الأميركية. فباسيل، رغم كل الإشارات الإيجابية التي قدّمها للأميركيين في ملفات عدّة منذ بدء التهديد بالعقوبات، لم ينجُ. إشارات لم يبالِ الأميركيون بها بدرجة كبيرة، لأن المنُتظر والمطلوب كان فكّ التحالف مع حزب الله نهائياً، ثم الانتقال حتماً إلى العداء مع الحزب، الأمر الذي رفضه باسيل، فأتته العقوبات رداً على ذلِك.
وإن كانت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس متوقعة، علماً بأنها كانت المرة الأولى التي تطال الدائرة الضيقة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، غير أن ما يجري التحضير له حالياً في الكونغرس الأميركي، يُظهر دليلاً قوياً على رغبة بعض الجهات داخل أميركا في توسيع دائرة العقوبات، والشطط في استعمالها لفرز الداخل اللبناني، والضغط أكثر ليس على حزب الله أو حلفائه، بل حتى على جهات ليست على عداوة مع الأميركيين، لكنها لا تعمل وفق أجندتهم، إذ بات مطلوباً وضعها على لائحة العقوبات من خلال مشروع قانون ينتظر الموافقة عليه. فمشروع القانون الذي تقدّم به رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في مجلس النواب الأميركي النائب جو ويلسون بعنوان The Hezbollah Money Laundering Prevention Act of 2020 (راجع «الأخبار» ــــ الأربعاء 7 تشرين الأول 2020)، والذي يهدِف إلى «وقف أنشطة غسيل الأموال التي يقوم بها الحزب في جميع أنحاء العالم»، محدداً المثلث الحدودي في أميركا اللاتينية، بين البرازيل والباراغواي والأرجنتين، وجنوب لبنان، حيث يُمنع على المصارف أن توجد فيها وإلا ستكون مهددة بالعقوبات، يطالب ــــ بحسب ما هو منشور على موقع الكونغرس الإلكتروني ــــ بوضع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على لائحة العقوبات.
ومع أن هذا الاقتراح الذي يدعمه 12 نائباً أميركياً من الحزب الجمهوري لا يزال قيد الانتظار، إلا أنه يؤشّر إلى اتجاه خطير في الولايات المتحدة، وهو أن هناك جهات أميركية لم تعُد تريد استهداف حزب الله وحسب، بل بات واضحاً أنها ترفض أي حلّ وسط، كما ترفض أن تكون هناك جهات في الدولة اللبنانية تتعامل مع الولايات المتحدة وفق علاقات طبيعية بين جهة رسمية في الدولة اللبنانية وبينها. وهذا الاقتراح هو أكبر دليل على أن المطلوب أميركياً هو تطويع الجميع ليكونوا في خدمة الأجندة الأميركية وملبّين لمطالبها، وإلا ستكون العقوبات من نصيبهم.
ولعلّ أهم ما يظهره هذا الاقتراح، هو ذكر اللواء إبراهيم، حيث إن اقتراحات القوانين التي تقدّم في الكونغرس عادةً، تضع الإطار العام وتترك للإدارة الأميركية حق تحديد الأسماء والأفراد والكيانات، بينما اقتراح ويلسون يطالب بمعاقبة المدير العام للأمن العام بالاسم. وبالتالي، إذا جرت الموافقة على الاقتراح وأصبح قانوناً (هذه العملية ربما تستغرق سنة كاملة على الأقل)، فستكون الإدارة الأميركية ملزمة بوضع إبراهيم على لائحة العقوبات.

وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة إن «هناك انقساماً في داخل الإدارة الأميركية في ما يتعلّق بتصنيف الأفراد»، مؤكّدة أن إبراهيم «خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية أخيراً، لم يسمع أي كلام من هذا النوع، والاقتراح لم يسلك بعد طريقه وقد يأخذ سنوات». فيما اعتبرته مصادر أخرى بأنه «رسالة لإبراهيم قد تكون مرتبطة بأدوار مستقبلية يُمكن أن يقوم بها»، وخاصة أن «العديد من المشرّعين الأميركيين يعتبرون أنه يستخدم دوره كوسيط دولي لشرعنة حزب الله وتلميع سمعته ومكانته، وهو مقرّب من مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا» بحسب ما نقلت عنهم صحيفة «واشنطن بوست» قبل أسابيع.