تحقيقات - ملفات

بومبيو والجولان.. جنون الخسارة

الوقت- لم يشهد العالم فوضى كالفوضى التي جاء بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العالم. ترامب الذي يهوى الاستعراض ساهم في تأجيج الفوضى والصراع داخل الشرق الاوسط، ولم يقدم أي حل ولم يُقدم على أي خطوة ايجابية في أي دولة من دول العالم، واليوم هو يعيش لحظاته الأخيرة في سدة الرئاسة، لذلك سيستغل عنجهيته واجرامه وارهابه حتى آخر لحظة، ولذلك أرسل بهلوانه مايك بومبيو إلى “الكيان الاسرائيلي” ليقدم العرض الأخير قبل أن يسدل الستار على فترة ولايته. من هذا المنطلق قدم ترامب دعمه المطلق لكيان العدو، عندما أرسل وزير خارجيته إلى الجولان المحتل ليعلن أحقية “اسرائيل” في السيطرة عليه واعتباره ملكاً لها بما يخالف جميع القرارات الدولية.

انتهاك القانون الدولي جاء في البداية من قبل ترامب الذي وقّع في 25 آذار من العام الماضي، أمراً تنفيذياً ينصّ على اعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. وسبق ذلك بأيام، تغريد ترامب عبر تويتر قائلاً إنه “بعد 52 عاماً، حان الوقت لأمريكا أن تعترف بكامل سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تتسم بأهمية استراتيجية وأمنية بالغة لها وللاستقرار الإقليمي”. وجاء كل ذلك عقب صدور التقرير السنوي للخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العالم، والذي نزع للمرة الأولى صفة الاحتلال عن الأراضي التي تحتلها إسرائيل في الضفة الغربية والجولان.

كان من المفترض بعد كل هذا أن يتحرك المجتمع الدولي، وخاصة ان اعلان الجولان جزءاً من كيان العدو هو انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن رقم 497، فهناك اجماع دولي من قبل أكثر من 70 دولة بأن الجولان ارض سورية محتلة وعلى كيان العدو اعادتها لسوريا.

دلالات زيارة بومبيو للجولان

أولاً: تعد زيارة بومبيو للجولان هي الأولى من نوعها لوزير خارجية أمريكي، وخاصة أن القانون الدولي يجرم أي زيارة لأرض محتلة من قبل دولة أخرى، وعوضا عن ذلك أكمل بومبيو بوقاحته التي ظهرت من خلال تصريحاته التي شدد فيها على تبعية هذه المنطقة لإسرائيل، وانتقد بشدة الدعوات الدولية لإعادة الجولان إلى سوريا، وقال بومبيو من الجولان: “لا يمكنك أن تقف هنا وتنظر إلى ما هو في الجانب المقابل من الحدود وإنكار الأمر المحوري الذي اعترف به الرئيس دونالد ترامب… هذا جزء من إسرائيل”، وأعرب بومبيو عن إدانته للدعوات الصادرة عن “الصالونات في أوروبا ومؤسسات النخبة في أمريكا” التي تطالب إسرائيل بإعادة الجولان المحتل منذ عام 1967 إلى سوريا.

في الحقيقة بومبيو يصارع في الوقت الضائع، ويمكن اعتبار ما يقوم به “رقصة النهاية” على اعتبار انه ورئيسه خسروا الانتخابات الأمريكية، وهم يريدون تقديم المزيد من الدعم للاسرائيلي لكسب حماية ورضى اللوبي الصهيوني في محاولة للمساهمة في تعديل نتيجة الانتخابات التي لم يقبل فيها ترامب الهزيمة، وهو اليوم يعمل على تحريك قضايا تتهم الديمقراطيين بتزوير الانتخابات وهو أمر لايوافقه عليه أحد سوى هو نفسه وبعض المقربين منه والذين بدؤوا هم أيضاً يقتنعون بالخسارة ويحضون ترامب على قبولها.

ثانياً: ترامب يحاول الانتقام من القانون الدولي ومن العالم أجمع، ولا نستبعد أن يزج أمريكا في حرب جديدة قبل انتهاء ولايته، لكن الجميع يرفض ما يقوم به ولا نعتقد ان الكونغرس سيقبل أي حماقة جديدة يقدم عليها، ولكن الواضح أنه لا يتحمل قبول الخسارة، لذلك يوجه الاتهامات لجميع الاطراف ويحملهم مسؤولية الخسارة، فتارة يتهم الديمقراطيين وتارة اخرى يتهم الاعلام وكأنه لايعلم أنه سبب الفشل في ادارة ازمات أمريكا، وزيادة العنصرية وزيادة تفشي فيروس كورونا وعدم القدرة على ادارة هذه الازمة التي شلت الحياة في أمريكا.

ثالثاً: ترامب الذي يتجه نحو فقدان الشرعية يحاول ان يعطي الشرعية لكيان العدو في احتلال الجولان، وما هذه الا محاولة فاشلة واستعراض رخيص، لتأكيد الفشل وعدم القدرة على احداث اي فارق في الحرب السورية التي أصبحت فيها الكلمة العليا للجيش السوري، والنتائج واضحة من خلال تغيير الخطاب الاعلامي للعديد من الدول العربية تجاه سوريا، واعادة فتح سفارات العديد من الدول في العاصمة السورية “دمشق”.

رابعاً: استعراض ترامب وتابعه بومبيو لم يتوقف عند اعتبار الجولان جزءا من كيان العدو، بل تعدى ذلك لمحاربة “حركة مقاطعة اسرائيل” وأعلن ان بلاده تعتزم تصنيفها على أنها “معادية للسامية”، وذلك في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في خطوة من شأنها أن تؤثر على الجهود المبذولة داخل أمريكا لمقاطعة إسرائيل على المستويات الاقتصادية والأكاديمية، والتي شهدت تجاوباً ملموساً في السنوات الأخيرة، وقال بومبيو مخاطباً نتنياهو “أريدك أن تعلم أننا سنتخذ خطوات على الفور لتحديد المنظمات التي تشارك في سلوك المقاطعة البغيض، وسحب دعم الحكومة الأمريكية لمثل هذه الجماعات”، واصفاً حركة مقاطعة إسرائيل بـ”السرطان”.

الجولان سيبقى سورياً والدولة السورية لن تفرط به تحت اي ظرف، ويمكن اعتبار زيارة بومبيو مجرد زيارة استعراضية خبيثة لتأجيج الأجواء والدفع بها نحو الهاوية بعد الخسارات المتلاحقة التي تعرضت لها الادارة الامريكية في الشرق الاوسط، ان كان في سوريا او لبنان او العراق وحتى ايران، وبالتالي ما يقوم به بومبيو لن يغيير من حقيقة احتلال اسرائيل للجولان وأن الجولان ارض سورية محتلة، وفي حال لم يتحرك المجتمع الدولي ومجلس الامن لحل هذه الأزمة، سنجد الدبابات السورية قريبا على حدود الجولان والأيام ستكون شاهدة على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى