الحديث عن شنّ هجوم عسكري على إيران، محبّذ لذاته في إسرائيل، سواءٌ قيل إنّ المهاجم المحتمَل هو إسرائيل نفسها، أو الولايات المتحدة، أو حتى فصيل من فصائل التكفيريين. يُعدُّ تداول وتناقل أي خبر أو تحليل أو تعليق من هذا النوع، أداة قتالية إسرائيلية استخدمتها تل أبيب بإفراط في العقدين الأخيرين ضدّ أعدائها، وفي مقدمتهم إيران.

وعلى غرار ما يَرِد لمناسبة المتغيّرات في المنطقة والعالم، يعاود الحديث عن الحرب ضد إيران إيجاد نفسه، وإن كان هذه المرّة لمناسبة خسارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانتخابات، ورحيل إدارته عن البيت الأبيض. السؤال الذي أوجد نفسه، أو أوجده مستغلّو المتغيّر الدولي الأميركي، هو الآتي: هل يشنّ ترامب حرباً ضد إيران في خلال ما تَبقّى من ولايته؟
الواقع أنّ شخصيّة ترامب حمّالة فرضيات متطرّفة يستعصي أن تكون مقبولة، وهو ما جعل فرضية الضربة العسكرية لإيران متداولة أكثر، وربّما مع قدرٍ من الصدقيّة لا يرفضها الوعي العام لدى الجمهور في الإقليم والعالم. الأكثر من ذلك، هو الحديث عن إمكان أن تستغلّ إسرائيل – وهنا يتعلّق الأمر بشخص رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو – الفترة المتبقية من ولاية ترامب، كي تشنّ هجوماً عسكرياً على المنشآت النووية الإيرانية. وهي فرضية تأتي في سياق الفرضية الأولى ومصاحبة لها.
الفرضية الأولى – وهي جنون ترامب وشنُّه حرباً على إيران أو غيرها من الساحات الدولية – منشؤها الإعلام الأميركي وتسريبات المصادر الأميركية عن إدارة ترامب نفسها. إذ ورد، نقلاً عن مصادر في الإدارة، «خشيتها» مِن أن يُقدم الرئيس المنتهية ولايته على عملٍ متطرّف، مستغلّاً الفترة المتبقية له. هدف التسريب، كما اتضح في حينه، مرتبط بالسجال الذي دار، وما زال، حول نتائج الانتخابات بين رفضٍ وقبول، جمهوري وديمقراطي وانقسام جماهيري واسع حولها. في الأساس، التسريب وغيره ممّا يتساوق معه، مرتبط، كما يبدو، مِن التقديرات الأكثر ترجيحاً، بمحاولةٍ لإخافة الطرف الآخر، ومنعه من اتخاذ إجراءات ضدّ ترامب لدى انتهاء ولايته، ما يدفع خصومه تبعاً لذلك، إلى إجراء تسوية ما تعطيه حصانةً قانونية لاحقة كانت لتكون على خلفية التهرّب الضريبي الذي يُعدُّ من الجرائم الكبيرة في الولايات المتحدة، ما يتيح له الترشّح لانتخابات عام 2024.هل شنُّ حرب ضدّ إيران يعزِّز من فرص ترامب في الانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات؟ وهل تتماشى هذه الحرب مع سياسة إبعاد أميركا عن النزاعات المسلّحة التي يشدّد عليها كي يختم ولايته بها، إضافة إلى السؤال الأهم: ما الذي منع ترامب من شنّ حرب على إيران، وكانت متاحة له وتوفّرت لديه أسبابها وذرائعها، وهو الآن لم يجد مانعاً لها؟ وهل هذه الحرب تعزّز من فرص منع ملاحقته قضائياً أو الترشّح عام 2024 للانتخابات الرئاسية، وهل تعزّز فرص الفوز بها؟
في الفرضية الثانية المصاحبة للأولى، وهي أن يستغل نتنياهو ما تَبقّى من ولاية ترامب لشنّ حرب على إيران، هي فرضية إسرائيلية المنشأ، ووجدت نفسها في سياق الأولى ونتيجةً لها. فالتهويل بالحرب أداة قتالية إسرائيلية لا تغادر تل أبيب، سواء كان الحديث والتهويل مبنيّاً على أساسات متينة أو واهية، وهي جزء لا يتجزّأ من الاستراتيجيات الإسرائيلية المتّبعة منذ نشأة الكيان، سواءٌ كان المخاطبُ بالتهويل والتخويف بالحرب هم أعداءَ إسرائيل أو حلفاءَها، بما يشمل كذلك الراعي الأميركي للدولة العبرية.
وعلى غرار الفرضية الأولى، يأتي السؤال الذي يحمل في طيّاته إجابات على الفرضية نفسها: هل كان ترامب يمنع إسرائيل، إن كانت قادرة على شنّ حرب ضدّ إيران لتدمير منشآتها العسكرية، كي يسمح لها الآن بشنّ حربها؟ وفي الأساس، هل إسرائيل قادرة على ذلك، وعلى تحمّل التبعات؟ وهل هي قادرة أيضاً على تحقيق النتيحة الموضوعة لحرب كهذه؟ هي ثلاثة أسئلة يجب أن تكون إجاباتها واضحة قبل الحديث عن قبولٍ أو لا قبولٍ أميركي بالحرب.
يجري الحديث عن هذه الفرضية، بشكل بات اعتيادياً وتلقائياً من جانب إسرائيل وإعلامها، وإن كان للتهويل وظيفة وهدف إسرائيليّان يتجاوزان السياقات التي قد تتراءى ابتداءً لتقارير «تخويفية» كهذه.
من ناحية إسرائيل، للعودة إلى حديث الحرب والهجمات العسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، متعلّق آخر غير إيران، وهي الإدارة الأميركية المقبلة التي يقدَّر أنها ستكون في موقع مختلف في مقاربتها للساحة الإيرانية قياساً بمقاربة ترامب، مع حديث عن إمكان اللجوء إلى التفاوض والتسويات على غرار اتفاق عام 2015، الذي انسحب منه ترامب وشدّد في أعقابه الضغط الاقتصادي على الجمهورية الإسلامية.
حديث الحرب هو إجراء وقائي – استباقي لأي خطوة تسووية قد تقدم عليها الإدارة الأميركية الجديدة، سواء كانت بهدف فرملة الاندفاعة التسووية نفسها من دون الالتفات إلى إسرائيل ومطالبها، أو سواء تعلّقت بضرورة التشديد على شروط التسوية المقبلة، كي لا تكون مشابهة لاتفاق عام 2015، مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. والتهويل، هنا، بالخيار العسكري، ضرورة وواجب وفقاً للاستراتيجيات الإسرائيلية، في الضغط المسبق ولاحقاً المصاحب، لخطوات التسوية مع إيران من قِبَل الحليف الأميركي.
على ذلك، يجب التروّي في إطلاق التحليلات والتقديرات المبنيّة على الظروف الآنية فقط للتصريحات والتسريبات الهادفة، من هذه الجهة أو تلك، وتحديداً الجانب الإسرائيلي الذي يمتهن التهديد والتهويل إلى الحدّ الذي بات عادة متبعة لديه في مواجهة الفرضيات والمخاوف والسيناريوات على اختلافها، سواء كانت من الصديق والحليف، أو من جانب الأعداء.