تحقيقات - ملفات

سجالات في الجماعة الإسلامية: مسؤولها في بيروت وكيل يهود لبنان

أحمد الأيوبي -أساس ميديا

شهدت الأوساط القيادية في “الجماعة الإسلامية” سجالات حادّة خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية ظهور المسؤول السياسي للجماعة في بيروت، المختار باسم الحوت، في جولة داخل الكنيس اليهودي في وادي أبو جميل، خلال افتتاحه شبه الرسمي. ما أدّى إلى صدور مواقف وتعليقات من قياديين في الجماعة ترفض وتستهجن هذا الظهور، وتستغرب كيف تكون القيادة منخرطة في حملة ضدّ التطبيع، ويشارك أعضاؤها في نشاط يحمل هذا الحجم من الالتباس، الأمر الذي استدعى تدخلاً مباشراً من الأمين العام الشيخ عزام الأيوبي، فأصدر تعميماً داخلياً وجد طريقه إلى وسائل التواصل وانتشر خارج الدوائر المغلقة للجماعة.

بحسب مصدر في الجماعة لـ”أساس”، فإنّ الحوت برّر حضوره بكونه وكيلاً للأوقاف اليهودية في لبنان ومشرفاً على الترميم بعد أن تعرّض الكنيس للأضرار بسبب انفجار المرفأ وللسرقة في وقت لاحق. وحسب المعلومات المتوافرة، فإن المتبرّع بالترميم هو  ريتشارد ألبير هيكل، صاحب مستشفى هيكل في الكورة، وهذا الأخير يتابع ترميم بعض الأوقاف اليهودية في الزاهرية بطرابلس.

أثار هذا الموقف اعتراضات بين قيادات الجماعة، طالبت بتخيير الحوت بين مسؤولية العمل السياسي وبين التوكّل عن اليهود. وصدرت سلسلة مواقف، أبرزها ما قاله القيادي في الجماعة الشيخ سامي الخطيب الذي اعتبر أنّه “بعيداً عن الصهيونية واليهودية، وموقفنا من هؤلاء وهولاء، ونوعية يهود بيروت، غير أنّ تجديد القوم كنيسهم أمر يدعو إلى الريبة. فليس الأمر مجرّد حدث عابر. ومن جهة أخرى: حضور مسؤول الجماعة السياسي في بيروت حفل الافتتاح ليس طبيعياً ولا مقبولاً”ً.

أما القيادي الآخر في الجماعة الشيخ حسين عطوي، فذكر أنّ “موضوع الكنيس هذا ليس وليد اليوم، ويكرّس قاعدة متقدّمة للعدو في قلب العاصمة. وإلا كيف نفسّر السعي الأميركي والإسرائيلي الحثيث لإعادته إلى العمل. أيّ حجة مقنعة هذه التي تتحدّث عن التعايش؟”.

الشيخ محمد الحاج (“رابطة علماء فلسطين في الخارج”) قال: “نحن لسنا ضد اليهود في أداء طقوسهم، ولكن لماذا اليوم؟ وكم عدد اليهود في لبنان؟ هذا يتزامن مع ترسيم الحدود ومع الضغوط السياسية والاقتصادية على لبنان، فيما لا يزال لبنان يرفض إعطاء الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين”.

أمام تفاعل الاعتراضات التي تحوّلت إلى ما يشبه الحملة داخل الجماعة وخارجها، تدخل الأمين العام للجماعة وأصدر تعميماً داخلياً، ما لبث أن انتشر عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي، تضمّن دفاعاً واضحاً عن المختار باسم الحوت ملمّحاً إلى دور بعض معارضيه في إثارة هذه الحملة، نورد أهمّ ما جاء فيه:

“حضور الأستاذ باسم كان بصفته محامياً ووكيلاً رسمياً لأوقاف الطائفة اليهودية في لبنان منذ ما يقارب الخمس عشرة سنة، وهو مختار محلة ميناء الحصن التي تضم ما يقارب خمسة آلاف يهودي لبناني منذ العام 1998، وبالتالي هو من يرعى شؤونهم كباقي أبناء المحلة المذكورة.

– إن من نشر الخبر على الخلفية التي ذكرناها في البداية لا يعدو أن يكون واحداً من اثنين: إما ضحلاً لا يدرك الفارق بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كمشروع سياسي مغتصب لأراض عربية، وإما خبيثاً يريد أن يثير بين صفوفنا نقاشات وشقاقاً على خلفيات عاطفية بعيداً عن الواقع والشرع والمنطق (..)”.

بعد صدور التعميم، انتشر ردٌّ عليه لم يحمل توقيعاً، لكنه لاقى انتشاراً واسعاً جاء فيه: “غريب اعتبار حضور الأستاذ باسم الحوت المسؤول السياسي للجماعة الاسلامية في بيروت بصفته محامي الأوقاف اليهودية منذ عام 1998 قضية بسيطة لم تسترعِ اهتمامكم وبقيت مجهولة عندكم حتى تاريخه ولم تُعرّض صاحبها إلى المساءلة حول أسباب اختيار الأوقاف اليهودية لحضرته وهو القيادي في أعلى مجالس الجماعة.. وهل يندرج التوكيل فقط ضمن الحدود المهنية، أوَ ليس بين اليهود اللبنانيين محامٍ من طائفتهم يتوكّل بشؤونها حتّى يختاروا محامياً من الجماعة الاسلامية وشخصية سياسية معروفة؟”.

وختم الردّ بالقول: “إنّ تصوير المشكلة على أنّها مشكلة نقل خبر لشقّ الصفّ والتعمية على الخبر بذاته أمرٌ يثير الاشمئزاز لأنّه يدلّ على استخفاف بالعقول. فإخواننا يبحثون عن إنجاز لكم فقدوه في ظلّ قيادتكم، وما سمعوا سوى أنّ هناك مؤامرة كونية تستهدف قيادتكم. وها نحن نقرأ محاضرة تبريرية حول الفرق بين اليهودية والصهيونية، فهل لك أن تخبرنا إن كان يهود لبنان صهاينة أم لا؟”.

مصدر في الجماعة الإسلامية، تساءل: “إذا كان الأمر بالبساطة التي طرحها تعميم الأمين العام، فلماذا قامت كلّ هذه الضجة، ولماذا اضطرّ أساساً إلى إصدار التعميم، وهل القيادات التي اعترضت من داخل الجماعة ساذجة ويسهل تضليلها؟

ولماذا بقي توكيل المختار الحوت عن اليهود الخمسة آلاف طيّ الكتمان إذا كان أمراً طبيعياً، أم أنّه يندرج في إطار “ما حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس”، ولماذا حصل هذا التدخل من العيار الثقيل من شخص الأمين العام، في قضية يفترض أن تكون عادية؟”.

أسئلة كثيرة ربما ستبقى بدون إجابات لأنّ الفصل في ملف كهذا شبه مستحيل، وسيبقى الغموض سيد الموقف إلى أن ينجلي غبار المنطقة وتحوّلاتها الكبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى