الحدث

صدمة في مصر: ما هكذا يكون التطبيع!

بينما تواصل القاهرة تسهيل التطبيع، تشدد حصارها على غزة ولا تفتح «رفح» سوى أيام محدودة (أ ف ب )
القاهرة | مع أن القاهرة كانت على علم بالاتفاقات الخليجية ــــ الإسرائيلية للتطبيع برعاية أميركية، وقد وصلت درجة تحرّكاتها إلى الوساطة أحياناً وتقريب وجهات النظر في شأن بعض الآليات أحياناً أخرى (راجع: القاهرة في قلب جهود التطبيع، في عدد الثلاثاء 18 آب)، فإن ما حدث بعد ذلك لم تتوقّعه، وخاصة بعدما «انقلبت» أبو ظبي على الدور المصري في الوساطة ردّاً على تدخلات المسؤولين المصريين، التي جاءت على نحو يشبه الوصاية على التحرّكات الإماراتية، سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
تكشف مصادر مطّلعة على الملف، في حديث إلى «الأخبار»، أن المسؤولين الإماراتيين «ضاقوا ذرعاً بالتحرّكات المصرية ومحاولة فرض وصاية على الإمارات وعلاقاتها مع الإسرائيليين»، ومن ذلك انتقاد ظهور الإماراتيين مثل الراكضين وراء التطبيع كأنه حلم كان صعب المنال وتَحقّق أخيراً، وهي النقطة التي أثارت اعتراض المسؤولين المصريين. وكانت نظرة هؤلاء أن ما تفعله أبو ظبي من شأنه ليس الإضرار بالمشهد العربي وملف العلاقات العربية ــــ الإسرائيلية فقط، بل بالدور المصري في المنطقة، وخاصة أن الوساطة المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي حصراً بين القاهرة وعمّان.
ويرى المصريون الآن أن التطبيع بهذه الوتيرة سوف يتسبّب في تحويل القاهرة إلى محطّة هامشية في الملف الفلسطيني، لمصلحة دور متزايد للخليج. كما أنه سيزيد من أرصدة الخليجيين لدى الولايات المتحدة في الملف الفلسطيني وغيره، ولا سيما مع القدرة الإماراتية على إنفاق مليارات الدولارات، ليس في جيب رام الله فقط (تحت عنوان المشاريع الإنمائية)، بل أيضاً في جيب تل أبيب في صورة فرص عمل كبيرة للإسرائيليين، ما يدعم حكومة بنيامين نتنياهو بقوة. وعلى سبيل التندّر، تقول المصادر: “كادت سرعة قطار التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب تدهس القاهرة”، وهذا ما يجبر الأخيرة على إجراء مراجعة فورية. صحيح أن مصر رَحّبت سريعاً بالاتفاقين، سواء الإماراتي أو البحراني، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن متفقاً عليه، وخاصة أن الهرولة الإماراتية نحو الإسرائيليين أزعجت السلطات المصرية التي قَدّمت نصائح بالتروّي قبل الخوض في تفاصيل أيّ اتفاقات اقتصادية أو مشاريع متبادلة. وتقوم وجهة النظر المصرية على أن التطبيع التدريجي هو الأفضل، ولا سيما أن الاتفاقات الأخيرة كان هدفها سياسياً للأنظمة ومن دون تطبيع شعبي، وهو ما تعمل عليه الإمارات التي تسعى بوضوح إلى استغلال التقدّم العلمي الإسرائيلي سريعاً ونقله إليها، فضلاً عن رغبتها في صفقات أميركية تزيد تفوّقها، مثل شراء طائرات «إف – 35» بقيمة 23 مليار دولار، وهي الطائرات التي لم تحصل عليها مصر.

وبما أن الحجّة الأميركية في حرمان مصر هذا النوع من الطائرات كانت الحفاظ على التفوّق النوعي للجيش الإسرائيلي في المنطقة، فإن سرعة الموافقة الأميركية والتراجع الإسرائيلي عن الاعتراض على بيعها للإمارات جعلت القاهرة تشعر بما يشبه “الطعنة من الخلف”، وخاصة أن نتنياهو سحب اعتراضه لدى واشنطن، وأبو ظبي سعت إلى إمرار الصفقة سريعاً في ظلّ حكم ترامب، في الوقت الذي صارت فيه القيادة العسكرية المصرية في موقف محرج لعجزها عن الحصول على هذه الطائرات، على رغم مرور عقود على التطبيع وانتهاء الحرب. ومع أن مصادر الجيش المصري في شراء الطائرات متنوّعة (الفرنسية ثم الروسية)، يشعر الجيش والرئاسة بالإحراج من إتمام الصفقة للإمارات، وخصوصاً أنه لا تزال بعض صفقات المعونة العسكرية بموجب اتفاق «كامب ديفيد» مُعلّقة لأسباب تراها القاهرة «غير منطقية».
أيضاً، تنقل مصادر أن جزءاً من الغضب المصري تجاه الإمارات يعود إلى مناقشة الخطّ المحتمل إنشاؤه لنقل الغاز الإماراتي بمسارات أرضية بديلة من قناة السويس، وهو ما يهدد عائدات الملاحة بالفعل، على رغم نفي المسؤولين ذلك رسمياً. لكن الانعكاسات المتوسطة المدى ستكون كارثية على عائدات القناة التي تُشكّل أهم مصدر للدخل القومي. ومع ما سبق، لم يفلح التواصل المباشر وغير المعلن بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في احتواء الأزمة على مختلف المستويات، وخاصة في ظلّ توقف التواصل في الأيام الأخيرة، إلى درجة دفعت السيسي إلى الغياب عن الاجتماع التنسيقي في أبو ظبي الأسبوع الماضي، فيما تسود حالة من الترقب لموقف إدارة جو بايدن من التعامل مع مصر وباقي دول الخليج. في هذا الشأن، تلفت المصادر إلى أن قنوات التواصل بين القاهرة والإدارة الأميركية الجديدة تسير على نحو جيد، وهو ما يدّعيه النظام، لكن أزمة توقيف ثلاثة من الحقوقيين أخيراً (راجع: «المبادرة المصرية للحقوق الشخصيّة» تحت مقصلة السيسي، في عدد السبت 21 تشرين الثاني) جمّدت هذه الاتصالات وعرقلت اتصالاً كان مفترضاً بين بايدن والسيسي.
في هذا الوقت، استغلّ المسؤولون المصريون أزمة التقاط صور للفنان المصري، محمد رمضان، مع إسرائيليين خلال حفلة خاصة لرجل أعمال إماراتي، للتعبير عن غضبهم بوضوح، وذلك بدعمهم الحملة الشعبية المناهضة له وتأكيدهم رفض صور التطبيع. والمفارقة أن تحرّك الدولة المصرية (في حادثة رمضان) جاء في صورة تعليمات مباشرة إلى النقابات المعنيّة، إلى درجة دفعت «نقابة الصحافيين» إلى الخروج عن صمتها السابق وإصدار بيان يدين التطبيع، علماً بأنه منذ توقيع «كامب ديفيد» وجميع النقابات المهنية المصرية لديها قرارات داخلية بحظر التطبيع مع العدو الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى