لماذا اصرار باحثين، ومعلقين، مقربين من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة على أن لبنان لا بد ماض، بخطى حثيثة، نحوعقد معاهدة سلام مع اسرائيل؟

مستشار سابق في وزارة الخارجية الأميركية، وهو من أصل لبناني، كشف لنا أن بنيامين نتنياهو الذي يستشعر أن صواريخ «حزب الله» تحت وسادته، دعا دونالد ترامب الى توقيع العقوبات على كبار أهل السلطة في لبنان لارغامهم على الالتحاق بالبلدان العربية التي بادرت الى كسر التابو مع الدولة العبرية.

الدعوة الغبية التي أثارت اللوثة التوراتية لدى جاريد كوشنر وزوجته ايفانكا كانت ستشق الطريق الى التنفيذ لولا تحذير البنتاغون، وبعض الجهات المؤثرة في «الدولة العميقة»، من أن تكون للخطوة تداعياتها الدراماتيكية على الأرض. كان ثمة خشية حقيقية من انفجار الخط الأزرق ما يمكن أن يفضي الى احداث فوضى سياسية، وعسكرية، رهيبة في الشرق الأوسط.

المستشار اياه، وهو ليس من طراز طوم حرب أو وليد فارس، بل انه يعتبر أن حلم دافيد بن غوريون وموشي شاريت كان ابتلاع لبنان كتركيبة هجينة غير قابلة للحياة، قال ان كوشنر، بالضربات التوراتية على الرأس، يعتقد أن لبنان لا يستطيع البقاء الا بحماية اسرائيل.

انه شديد التأثر بهنري كيسنجر الذي يرى أنه حتى ولو مضى قرن على قيام «دولة لبنان الكبير»، فان السوريين، وأياً كان شكل الحكم، لا يمكن أن يعودوا عن قناعتهم بأن لبنان، أو الجزء الأكبر منه، اقتطع عنوة من سوريا بتلك «الاتفاقية الملعونة»، اتفاقية سايكس ـ بيكو.

في رأي المعلقين، ومن بينهم روجر كوهين، وجنيفر روبن، وتشارلز كرواتهامر، أن من السخرية بمكان أن يعلو صوت بعض كبار الساسة في لبنان بأنهم آخر من يمدون اليد الى اسرائيل. هؤلاء الذين قادوا بلادهم الى الخراب، أظهروا عجزاً مريعاً حتى في معالجة أزمة مثل أزمة القمامة التي طالما تكدست على أرصفة المدن. بالكثير من التعالي قال كوهين «لندعهم الآن يتعايشون، احتفالياً، مع الجرذان» !

اللافت أن الجالية اللبنانية (أو الجاليات اللبنانية) التي مضى على استقرارها هناك أكثر من مائة عام، وباستثناء هيلين توماس، لم تنتج صحافياً لامعاً يستطيع التأثير ولو بقسم من الرأي العام الأميركي، دون أن يكون متواطئاً مع مراكز القوى هناك.

ثمة من يقول أن تلك الجالية أعطت الأمبراطورية أدمغة فذة في العديد من القطاعات الحساسة، دون أن يعوزها الابداع. لكن الواقع الاعلامي الأميركي محكوم من الأصابع الغليظة وحيث يتم «اخفاء» أي صحافي يحاول مجرد التشكيك بالسياسات الاسرائيلية.

المعلقون لا يشاطرون الكثير من الخبراء رأيهم أن باستطاعة لبنان التخلص من الاعتلال السياسي، والاعتلال الاقتصادي، والاعتلال المالي، في غضون سنوات قليلة. الأزمات ستبقى تتراكم، ومن تعثر الى تعثر، بسبب التصدع السوسيولوجي الذي يزداد حدة بالتأجيج المذهبي. أيضاً بالثقافة الزبائنية لدى الطبقة السياسية وحيث التقاطع بين صراع الذئاب وصراع الديكة…

في نظرهم أن لبنان سيكتشف، عاجلاً أم آجلاً، أن مشهداً سياسياً، ومشهداً اقتصادياً، وحتى مشهداً استراتيجياً، آخر قد تشكل في المنطقة، بفعل التحولات الأخيرة.

لا مكان لدولة مزدهرة، أو لدولة مستقرة، أو حتى لدولة لا تلهث وراء أكياس الطحين، الا اذا التحقت بالقافلة واتجهت الى «حيثما ينتظرها المستقبل لا الى حيثما ينتظرها الماضي»، تبعاً لما يقوله كرواتهامر. لاحظوا، من فضلكم، أي ازدهار في مصر، وفي الأردن، بعد تلك العقود من السلام…

انهم يتحدثون في التفاصيل. من العبء الكارثي للدين العام، الى التراجع في الدور الاقليمي لمرفأ بيروت، وصولاً الى القطاع المصرفي، والقطاع الصحي حيث هواء النقب هو الهواء العليل لا هواء صنين.

صراع الهواء بين لبنان واسرائيل… صراع البقاء!!