على رغم الضجيج المرتفع، يدرك الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، أن الانتخابات انتهت وأن الحظّ لم يكن حليفه، وهو، وإن عاند وكابر وادّعى حدوث تزوير، لا يمكنه الهروب من مصير تسليم السلطة في موعدها المحُدَّد ظهر العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل. ضجيجٌ يتساوق مع تطوّرات تشي بانفضاض بعض الجمهوريين من حول رئيسهم، بعدما تتالت مواقف تطالبه بالاعتراف بالهزيمة، فيما تخلّى عنه محامون انتدبَهم للطعن في النتائج.

وقرّر ثلاثة محامين، يمثّلون حملة الرئيس الأميركي، الانسحاب من الدعاوى المرفوعة في ولاية بنسلفانيا، ما أدّى إلى زعزعة فريقه القانوني. وجاء انسحاب هؤلاء غداة انسحاب شركة المحاماة الشهيرة “بورتر رايت موريس آند آرثر” من القضية. وحتى يوم أمس، بلغ عدد القضايا التي رفعها فريق ترامب بدعوى حدوث تزوير في الانتخابات التي جرت قَبل أسبوعين 8 في بنسلفانيا، سُحبت إحداها، فيما وصلت أخرى إلى المحكمة الاتحادية العليا، وثلاث في جورجيا حيث رفُضت واحدة وسُحبت أخرى، وخمس في ميشيغان، ودعوى واحدة تمّ سحبها في نيفادا، وأخرى لاقت المصير نفسه في ولاية ويسكونسن.
إصرار ترامب على التمسُّك برواية التزوير، ورفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات “المسروقة”، لا يبدوان مجرّدَين من أيّ أسس. فالرئيس المهزوم يسعى إلى نزع الشرعية عن الإدارة المقبلة، واستثارة استياء قاعدته، لتوطيدها، وللاستفادة منها سياسيّاً وماليّاً (لتمويل الطعون القضائيّة وتوازياً سداد ديون حملته لانتخابات 2020)، فيما لو عقد العزم على خوض انتخابات 2024. وثمّة من يضع تعنّت ترامب في إطار محاولاته عقد صفقة تُجنّبه الملاحقات القضائية، بعد رفع الحصانة عنه، ولا سيّما أن الإدارة الديموقراطية قد تتّجه إلى الانتقام من الرئيس الجمهوري الذي سلبها الرئاسة في الدورة الماضية. وفي هذا الإطار، يُحتمل أن يعاد فتح ملفّ “التحقيق الروسي”، على رغم فشل المدّعي العام المستقلّ، روبرت مولر، في إثبات وجود تواطؤ بين حملة ترامب والروس، أو حتى إثبات أن الرئيس أعاق سير العدالة. وبعد مسارعة وزارة العدل، حينها، إلى إسقاط التُّهم عن ترامب لعدم كفاية الأدلة، عاد مولر، بعد شهرين من إصدار تقريره في نيسان/ أبريل 2019، ليحكي عمّا قال إنها “جهود منهجية لإيذاء” الديموقراطية هيلاري كلينتون.يضاف إلى ما سبق، احتمال أن يواجه الرئيس تهماً تتعلّق بانتهاك قانون “هاتش” لعام 1939، والذي يحظر على أيّ موظف فدرالي الانخراط في أنشطة حزبية. وفي هذا السياق، يؤكد تنظيم “مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق” لمراقبة الحياة السياسية في واشنطن وجود ما لا يقلّ عن 15 انتهاكاً للقانون المذكور أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في آب/ أغسطس الماضي. وهناك احتمال كبير لأن يواجه ترامب مشاكل قانونية على صلة بالضرائب، بعد الكشف عن أن رجل الأعمال الثري دفع حوالى 750 دولاراً فقط، ضرائب فدرالية في عام 2016، كما أنه لم يدفع ضريبة الدخل لمدّة 10 سنوات من السنوات الـ 15 الأخيرة. هذه الحالات المذكورة تتعلّق بالجرائم الفدرالية، في حين أن ترامب متورّط أيضاً في سلسلة من القضايا على مستوى الولاية. ففي نيويورك، ينتظره تحقيقان قضائيّان يمكن أن يؤدّي كلّ منهما إلى ملاحقته: الأول جنائي بدأه المدّعي العام في مانهاتن، سايروس فانس، ويستهدف أعمال الاحتيال الضريبي المحتملة والاحتيال في مجال التأمين والتلاعب في الحسابات، والثاني مدني بدأته المدّعية العامة لولاية نيويورك، ليتيتيا جيمس، ويسعى إلى تحديد إذا ما كانت مجموعة ترامب كذبت في شأن حجم أصولها للحصول على قروض ومزايا ضريبية.
وفي انتظار أن يحين موعد تسلّم الإدارة الديموقراطية مهمّاتها، سيبقى ترامب في منصبه، حيث يمكنه استغلال الوقت المتبقّي لمنح نفسه عفواً رئاسياً، ولا سيما أن سلطات الرئيس واسعة جداً في الولايات المتحدة، وأن العفو الرئاسي، بحسب “سي إن إن”، “يُعدُّ عصاً سحرية قانونية قادرة على توفير حصانة كاملة ضدّ جميع الجرائم الفدرالية الماضية والحالية”. لذلك، يمكن ترامب أن يعفو عن أصدقائه أو عائلته، كما فعل مع روجر ستون في التحقيق المتعلّق بالتدخل الروسي، لكن المشكلة تكمن في أن هذا العفو لا يشمل سوى الجرائم الفدرالية، ولا يتطرّق إلى التهم المرفوعة في محاكم الولايات. وبما أنه لا توجد سابقة عفا فيها الرئيس عن نفسه في تاريخ الولايات المتحدة، يبقى الأمر متروكاً إلى تقدير إحدى المحاكم أو المحكمة العليا، وخصوصاً أن بعض الخبراء القانونيين يَرون أنه غير دستوري. إزاء ذلك، يمكن ترامب التنحّي قبل انتهاء ولايته وتسليم السلطة إلى نائبه مايك بنس، تاركاً له منح العفو الرئاسي، في ما يشبه عفو جيرالد فورد عن ريتشارد نيكسون بعد فضيحة “ووترغيت” في عام 1974.