بعد نحو شهرين على موافقته على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حاز السودان جائزة الترضية الخاصة به، برفع اسمه من «القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب». بهذا القرار، ينتهي تصنيف ظالم استمرّ منذ عام 1993، وشكّل ضغطاً هائلاً على اقتصاد هذا البلد واحتمالات نموّه، فيما تركه معزولاً عن العالم نزولاً عند رغبة الولايات المتحدة. قرارٌ أتى بعد فترة مراجعة في الكونغرس استمرّت 45 يوماً عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتزامه إزالة الخرطوم من القائمة، بعد الضغط عليها لتحذو حذو أبو ظبي والمنامة في تطبيع العلاقات مع الكيان العبري. الإشارات إلى التطبيع كانت تتوالى تباعاً، إذ بدأت باكراً في لقاء جمع رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أوغندا، في شباط/ فبراير الماضي، ليتوَّج بإعلان السلطات الجديدة تطبيع العلاقات مع إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر.
في الشهر ذاته، وعلى مسافة أيام قليلة سبقت إعلان انضمام السودان إلى ركب المطبّعين، كان الرئيس الأميركي يتحدّث عن عزمه على شطب اسم الخرطوم من القائمة التي أُدرجت فيها قبل 27 عاماً بحجّة إيوائها «متطرّفين»، من بينهم زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل، أسامة بن لادن. لتلك الغاية، أرسل، في الـ26 منه، إخطاراً إلى الكونغرس الذي لم يُبدِ أيّ اعتراض خلال الفترة المحدّدة بـ45 يوماً، ما أدّى، بصورة تلقائية، إلى رفع اسم السودان. وفيما جاء الإعلان أولاً على لسان السفارة الأميركية في الخرطوم، أكّد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في وقت لاحق، أمس، أنه «تمّ رسمياً إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب»، عادّاً ذلك بمثابة «تحوّل جذري في علاقاتنا الثنائية في اتّجاه مزيد من التعاون والدعم لانتقال السودان التاريخي إلى الديموقراطية». قرارٌ وصفه عبد الفتاح البرهان بأنه «عظيم»، و»نتاج جهد بذله أبناء بلادي وهو تمّ بذات الروح التكاملية لجماهير ثورة ديسمبر الشعبية والرسمية». كما رحّب رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، بالخطوة الأميركية، قائلاً: «اليوم، وبعد أكثر من عقدين، أعلن لشعبنا (…) انعتاقنا من الحصار الدولي والعالمي الذي أقحمنا فيه سلوك النظام المخلوع». ويسهم هذا «الإنجاز»، بحسب حمدوك، في «إصلاح الاقتصاد وجذب الاستثمارات وتحويلات مواطنينا في الخارج عبر القنوات الرسمية، وخلق فرص عمل جديدة للشباب، والكثير من الإيجابيات الأخرى». في هذا السياق، أكّدت وزارة الخزانة الأميركية أنها تعتزم العمل مع السودان «للمساعدة في سداد متأخّراته في المؤسسات المالية الدولية وتعزيز جهوده لتأمين تخفيف الديون في عام 2021»، والبالغة 60 مليار دولار.

ويندرج القرار المشروط أصلاً، ضمن اتّفاق ينصّ على دفع السودان 335 مليون دولار تعويضات لعائلات ضحايا الهجمات التي ارتكبها تنظيم «القاعدة» في عام 1998 واستهدفت سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وأيضاً الهجوم الذي نفّذه التنظيم عام 2000 واستهدف المدمّرة الأميركية «يو إس إس كول» قبالَة اليمن. وكان من ضمن المتطلّبات، تعاون الخرطوم في مجال «مكافحة الإرهاب»، و»زيادة الحريات الدينية»، وتعزيز القدرة على إدخال المساعدات الإنسانية، ودفع التعويضات عن هجمات تقول الولايات المتحدة إن الخرطوم لها صلة بها. وفي شباط/ فبراير، تمّ التوصل إلى اتفاق على الدفع لعائلات 17 من البحارة الأميركيين الذين قتلوا على متن المدّمرة «كول»، لكن دفع تعويضات عن هجمات السفارتين أصبح نقطة شائكة، إلى أن وافقت الخرطوم على إيداع المبلغ المذكور في سبيل التسوية، على أن لا يُصرف إلّا عندما تمنح الولايات المتحدة السودان حصانة سيادية، أي حمايته من رفع دعاوى قضائية ضدّه في المحاكم الأميركية. وعرقل عضوان في مجلس الشيوخ، هما روبرت مينينديز من نيوجيرسي وتشاك شومر من نيويورك، تشريعاً لإعادة الحصانة السيادية، قائلين إنهما قلقان في شأن تقييد الدعاوى التي يمكن أن ترفعها أسر ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر على السودان في المستقبل.