تحقيقات - ملفات

حتّى نتجنّب الأمن الذّاتي بالأمن الزَّيتي

 

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

مقتل جوزف بجّاني يوازي بوسطة عين الرمّانة. ليس للتخويف إنما لاستذكار ظروف حرب بدأت مع توقّع انتهائها في غضون أسبوع فاستَعَرَت خمسَ عشرَةَ سَنَة. إنه موت مجّاني لا يُصرَف في السياسَة الداخليّة. موت لا يقدّم ولا يؤخِّر في انتصار محور على محور وخطّ على خَط. هدفه الوحيد إشعال الساحة الداخليّة تحسّباً لأي صحوة ضمير بين المكونات الوطنية. لم يُطلق سراح لبنان بعد. المطلوب أضاحي مثل الشهيد جوزف بجّاني. القاتل على معرفة مسبقة بالتداعيات والإجتهادات. يعرف أن التحليلات ستدور حول جريمة المرفأ. يعرف تداعياتها على المقاومة. المطلوب ارتفاع منسوب الأحقاد الطائفية وتعطيل أي لغة أخرى.

في الآونة الأخيرة توالت دعاوى قدّمها حزب الله عبر نواب من كتلة الوفاء للمقاومة. يعرف الحزب أن التّشهير في هذا الظرف مقدّمة للفوضى ويريد تفاديها بأي ثمن. يجهد لإيقاف مسار البوسطة الجديدة من طراز فوضى خلاقة. جوزف بجّاني يُحدثُ اليوم إقفال طرقات. غيره في المستقبل لا سمح الله سيثيرُ خيارات الأمن الذاتي. أمن ذاتي بأمن زَيتي شبيه بحماة الشوارع والأزقة على ما كان يُعرَف بِخطوط التماس وقت الحرب.

لبنان في ثلاجَة لستة أشهر على الأقل. ريثما يتفحّص بايدن أوراقه في المكتب البيضاوي ويقرأ من جديد الإتفاقيّة النووية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانيَّة. لا حكومة في المدى المنظور. لا أحد من اللاعبين الكبار يودّ راهناً إعطاء هدية في لبنان من دون مقابل. لعبة الثلث المعطّل ولعبة المعايير ولعب أخرى تُمارَس في وطننا في الوقت الذي بات فيه الفقير أفقَر والغني فقيراً. الساحة الداخليّة تنذرُ بالمزيد من الإنفجارات. جوزف بجّاني في مطلع عمره. ترك وراءه أرملة وطفلَتَين. لو كنا أمام إغتيال سياسي لربطناه بعضِّ الأصابع الدولي والإقليمي. إغتيال شاب في مقتبل العمر في هذه المنطقة بالذات واضح المرامي والأهداف. جرّ المقاومة إلى حروب صغيرة. إنهاكها في بيئتها الحاضنة. زجّ الجيش في متاهات وإلهاؤه عن أقدس مهمّة ملقاة على عاتقه. من هذه الزاوية يجب مقاربة الجريمة.

ليس هناك من مكوّن داخلي يريد الحرب في لبنان. ليس هناك من مكوّن جاهز لتحمّل تبعاتِها. كل ما في الأمر أن هناك حرباً إسرائيليّة تُشَنُّ ضدّنا بالمنظار. الحرب المرتقبة على لبنان حرب درونات وهجومات سيبرانيّة واغتيالات تثير النّعرات الطائفيّة. الخوف أن نعطي للعدو ما يريده. اليوم أكثر من أي وقت مضى اللبنانيون مدعوون لعاميّة وطنيّة من الكحّالة بالذات. الكحّالة الجريحة التي قدّمت شهداء ما زال ذووهم يبكون أمام صورِهِم. تماماً مثل صور شهداء المقاومة الذين يبكيهم أحبّاؤهم.

زجُّ الجيش في المؤامرة مدروس أيضاً. إقحامه في المَحاوِر. زرع الشّكوك حول مؤسسة وطنية بحجم الجيش يخدم إسرائيل. لدى العدو أجهزة رصد وتخطيط إستراتيجي من المؤكد أنها تستهدف أيضاً وحدة الجيش. كل ما يحدث يجعلنا نقرأ مرحلة قد تكون أخطر من كل مراحل الحرب. التطبيع جرّافة تطبيعيّة بمقود إسرائيلي. تدمير لبنان هو الهدف الإستراتيجي إذا كان ذلك ممكناً لإنجاز خضوغ دولته وشعبه ومقاومته. إذا أخفقت مرحلة إغتيال الشهيد جوزف بجّاني ستعمد الجرّافة إلى إغتيالات جديدة.

ليس مسموحاً في هذا الزمن الذي سيمتد إلى النصف الثاني من السنة المقبلة تشكيل حكومة. إنجازها معجزة لبنانية نتمنّى اجتراحها من الفرقاء. الحكومة عامل إستقرار رغم هشاشة وضعنا. إستقرار سيسرّع من تدفّق المساعدات والقروض. الأخطر كانَ إقرار رفع السرية المصرفية منذ يومين. إسرائيل ستضع خططاً جديدة للفوضى على خلفيّة الإنجاز هذا. فوضى تعطّل التدقيق واجتهادات داخليّة تصوّب الإتهام على فاسدين في الدّاخل. نتّهم بعضنا بعضاً فيما المتّهم إسرائيل. في موازاة ذلك أصوات في الداخل صار صوتها جهورياً تجاهر بتسريع التطبيع لتسريع الإستقرار. هذا المنحى تدميري بالكامل وهو ما تريده الجرّافة. حبّذا لو مشى لبنان كلّه في جنازة جوزف بجّاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى