أواخر الأسبوع الماضي، حلّ قائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، ضيفاً في العاصمة العراقية بغداد. لقاءاتٌ عديدة جمعته بالمسؤولين العراقيّين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي ناقش معه ملفّات عديدة. لكن الضيف أراد، وفق المعلومات، تثبيت نقطتين أساسيتين: رفض أي اتهامٍ يحمّل طهران مسؤوليّة استهداف السفارة الأميركيّة في بغداد أولاً؛ وحثّ الأحزاب والقوى السياسية المنضوية في «تحالف الفتح» (تكتّل برلماني يضم الكتل المؤيّدة لخيار «الحشد الشعبي»)، على إنجاز «ورقة التفاهم»، ثانياً.

عن النقطة الأولى، يُنقل عن قاآني رفضه القاطع للاستهدافات المتكرّرة للبعثات الدبلوماسية، وخاصّةً تلك التابعة للولايات المتحدة. فهو رفع أيضاً «الغطاء عن المخرّبين» الذين يطلقون صواريخهم، غير آبهين بالنتائج «العكسية» لهذه الأفعال من جهة، أو غير مكترثين لسقوط الضحايا المدنيين من جهةٍ أخرى، في وقتٍ تطلب فيه طهران من حلفائها العراقيّين «ضبط النفس»، وعدم الانجرار وراء الرغبة الأميركية في وقوع مواجهةٍ قبل الـ 20 من كانون الثاني/ يناير المقبل. وعن النقطة الثانية، يُنقل عن قاآني تشجيعه لمكوّنات «الفتح» على ضرورة صياغة «ورقة التفاهم الانتخابي»، في أسرع وقتٍ ممكن. وبعد ساعات على اللقاء، بدا لافتاً إعلان «التحالف» المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة ضمن قائمةٍ واحدة، ما عُدَّ بمثابة ترجمة سريعة لما جرى من نقاشٍ بين قائد «قوّة القدس» ومضيفيه. وفي هذا السياق، تشير المعطيات إلى أن «الورقة»، المرجّح أن تبصر النور في الأيام القليلة المقبلة، تحتوي على نقاطٍ عديدة أبرزها:
1- تخوض المكوّنات الغمار الانتخابي باسم «الفتح»، بعيداً عن المسميات الحزبيّة والتنظيمية.
2- لن يترشّح الزعيم الحالي لـ«التحالف»، هادي العامري، لخوض المعركة الانتخابية، لكنّه يبقى زعيماً له.
3- تتعهّد المكوّنات بتصويت قواعدها الجماهيريّة، في كل محافظة، لصالح مرشح «التحالف».
4- يمنع على أي مكوّنٍ المضي بقرارٍ/ موقفٍ سياسي بمعزلٍ عن إجماع مكوّنات «التحالف».
ومع مغادرة الضيف «عاصمة الرشيد»، سارعت القوّات الأمنية العراقية إلى اعتقال أحد المنتسبين لـ«حركة عصائب أهل الحق» (بزعامة قيس الخزعلي)، بحجّة مشاركته في إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء. هذا الفعل، أدّى إلى توتّر مضبوط بين الحكومة الاتحاديّة و«العصائب» في الدرجة الأولى، وفصائل المقاومة من جهةٍ أخرى. مصادر مقرّبة من الخزعلي نفت، في حديثها إلى «الأخبار»، هذا الاتهام، مؤكّدة أن «سبب الاعتقال مردّه إلى دعوةٍ جنائية»، ومشيرةً إلى أن «قيادة الحركة رفضت بادئ الأمر التدخل، لكنّها – وبعد الاتهام الباطل – سارعت إلى التدخل، وتوجيه رسالةً قاسية اللهجة إلى الكاظمي وحكومته». بدورها، وجّهت «كتائب حزب الله – العراق» رسالةً علنية مماثلة، لكنّها تجاوزت حدود «الأعراف»، بتعبير مصادر حكوميّة، وهذا ما دفع بغداد إلى إرسال موفدٍ إلى العاصمة الإيرانيّة طهران، لضبط «التفلّت» الحاصل. ودخل زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، على خط الأزمة، داعياً إلى تحييد العراق عن الصراع الإيراني – الأميركي، ومعلناً جاهزيّته لاتخاذ موقفٍ مناسب إن عجز الجميع عن ضبط المشهد.الكاظمي قرأ «الرسائل» بعنايةٍ فائقة، وانتدب محمد الهاشمي (أبو جهاد)، مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، لإيصال رسالةٍ «محدّدة» إلى القيادة الإيرانيّة، ودوائر القرار فيها. الهاشمي، المعروف بعلاقاته مع عدد من الجهات الإيرانيّة المعنية، يُعدّ من أبرز داعمي الكاظمي، وقد حرص على إيصال الرسالة التالية، وفق مصدرٍ حكوميٍّ مطلع:
1- لا يوجد أي نيّة أو قرار أو فكرة لتأجيل الانتخابات التشريعيّة المبكرة.
2- ثمة حاجة ضروريّة إلى التفاهم والاتفاق على آلية ضبط الفصائل المحسوبة على طهران.
3- المشهد الميداني والسياسي معقّدٌ للغاية حتى الـ 20 من كانون الثاني/ يناير المقبل.
4- قد يؤدي أي تصرّف غير محسوب إلى كارثة على العراق وإيران.
5- أُبلغت بغداد أن ترامب جاهزٌ لأي عمل عسكري إن تكرّر استهداف بعثاتهم أو قواعدهم.
6- ترى بغداد أن التهدئة مطلوبة، حتى موعد تسلّم جو بايدن الرئاسة من ترامب.
في الساعات القليلة الماضية، أصدر القضاء العراقي مذكرة اعتقالٍ بحقّ أحد مسؤولي «الكتائب»، وهذا ما فسّره البعض «قبولاً إيرانيّاً بالقرار العراقي، ودعوةً إلى ضبط المشهد». فالتوتّر القائم يشي بصعوبة تقدير الموقف. وثمة محاولات لضبط الانفعالات من مختلف الأطراف والفاعلين، لتمرير الوقت المتبقّي على ولاية ترامب، وهذا ما يرجّح، في الوقت عينه، احتماليّة الانفجار، من جرّاء تصّرفٍ محسوبٍ كان أو غير محسوب.