الحدث

غضبة أکراد العراق مجدداً… أين جذور الأزمة؟

الوقت – تتواصل الاحتجاجات الشعبية الواسعة في مناطق متفرقة من محافظة “السليمانية” شمال العراق، والتي بدأت قبل عشرة أيام بسبب التأخر في دفع الرواتب أربعة أشهر، وسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والفساد.

وفي هذه الجولة من الاحتجاجات، قام المتظاهرون، إضافة إلى ترديد الشعارات المناهضة لقادة الأحزاب والسياسيين في إقليم كردستان العراق، بالهجوم على مكاتب الأحزاب وبعض المباني الحكومية وإحراقها، للتعبير عن غضبهم واشمئزازهم من حالة الحكم في شمال العراق.

كما أفادت وسائل الإعلام العراقية بإحراق مباني الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، في ناحية “تكية” بمحافظة السليمانية، وكذلك مباني “إدارة التربية التعليم” و”مديرية المرور” في ناحية “شهرزور” شرقي السليمانية.

کما أضرم المحتجون الغاضبون النار في مكاتب الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني والجماعة الإسلامية في مدينة “خورمال”. کذلك، قاموا بإحراق مبني مديرية “خورمال” و”مرزباني”.

لكن إصرار المتظاهرين على استمرار الاحتجاجات ونزول المزيد من الناس إلى الشوارع، وهو ما سمح بامتداد الاحتجاجات إلى مناطق أخرى من الإقليم، بما في ذلك محافظتي أربيل ودهوك، يأتي ذلك فيما أصدرت اللجنة الأمنية العليا لإقليم كردستان العراق الخميس، بياناً يحظر التظاهرات أو التجمعات غير المصرح بها ويمنع حدوث أي مظاهرات.

وفي محاولة لتفريق المحتجين وأثناء الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في الأيام الأخيرة، أفادت مصادر إخبارية عراقية بمقتل تسعة أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين، وهذا بدوره أثار غضب معظم سكان المنطقة من العنف ضد المتظاهرين، الذين يريدون فقط أن يتقاضوا رواتبهم ويطالبوا بتحسين ظروفهم المعيشية.

الأزمة الاقتصادية الکبری هي نتيجة الفساد وعدم الكفاءة

يعاني إقليم كردستان العراق من أزمة اقتصادية كبيرة منذ سنوات، وقد أدى انخفاض أسعار النفط، وبالتالي انخفاض عائداته، وهو أهم مصدر لإيرادات حكومة الإقليم، إلى جانب قطع الميزانية السنوية من قبل بغداد بسبب الخلافات مع الحكومة المركزية، إلى حدوث أزمة مالية في هذه المنطقة.

تقدِّر حكومة إقليم كردستان الإنفاق الشهري للحكومة بنحو 755 مليون دولار، بينما تبلغ عائدات النفط نحو 450 مليون دولار.

وكان أحد أسباب ذلك هو تعيين عدد کبير جداً من الموظفين، وإيجاد مجموعة واسعة منهم من خلال إنشاء مسميات وظيفية عديدة، حيث يعمل في الإقليم حالياً 127 ألف موظف، أي ربع سكان إقليم كردستان العراق.

ومن ناحية أخرى، أدى انتشار الفساد الإداري وعدم تخطيط الحكام لتقوية البنية التحتية الاقتصادية في هذه المنطقة على مدى العقدين الماضيين، إلى تحوُّل دفع الرواتب إلى أزمة مستمرة في أربيل. کما لدی أربيل أيضاً ديون مالية خارجية كبيرة بنحو 27 مليار دولار.

الاحتجاجات في إقليم كردستان العراق تندلع من حين لآخر منذ عام 2007، بسبب التأخير في دفع الرواتب، وقد اعتقلت السلطات الكردية 200 شخص، من بينهم 100 موظف وثمانية صحفيين، في “دهوك” في مايو وأغسطس من هذا العام، وذلك في إجراء صارم لمنع المزيد من الاحتجاجات.

ووصفت السلطات هذه الاحتجاجات السلمية، والتي کان معظم المشارکين فيها من المعلمين، بالتخريبية. کما اندلعت احتجاجات مماثلة في شتاء 2017، حيث طالب المتظاهرون بتحسين ظروف المعيشة والأجور.

حكومة إقليم كردستان ليست قادرةً مالياً أو مادياً على تلبية مطالب المحتجين، على الرغم من خفض رواتب الموظفين بنسبة 21 في المئة، وقد تفاقمت الأزمة في كردستان بسبب القيود الجديدة التي فرضتها بغداد، على تحويل الأموال من الميزانية الحكومية إلى الإقليم.

تطلب بغداد حالياً من أربيل تسليم مبيعاتها من النفط الخام إلى المنطقة، قبل دفع الرواتب، كما دعت المسؤولين الأكراد إلى إثبات وصول رواتب موظفي القطاع العام إلى من يتلقَّونها، وأن بعض الأموال لن يتم تحويلها إلى موظفين وهميين.

إن الأزمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة، قد تركت الرأي العام الكردي في حالة ارتياب شديد تجاه النظام القائم في هذه المنطقة، بحيث أنهم ينظرون إلى الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني، اللذين يسيطران على جزء من شمال العراق بشكل حصري، على أنهما حزبان عائليان: البارزانيون والطالبانيون.

ويقول معارضو العائلتين إن عائلتي البارزاني وطالبان تسيطران على موارد المنطقة وكأنها ممتلكاتهما الخاصة، متهمين إياهما بالفساد وبسبب سوء الحالة الاجتماعية والاقتصادية للشعب.

على سبيل المثال، يقال إن الأشخاص المنتسبين إلی الأحزاب يطلبون من الشركات الخاصة الحصول على حصة تتراوح بين 30 و50 في المئة، كشرط مسبق للحصول على إذن للعمل.

وفي ظل هذه الظروف، ومن أجل التستُّر على عدم الكفاءة والفساد المستشري ومقاومة الإصلاحات الحقيقية، توجِّه أربيل اتهامات للحكومة المركزية، ومن ناحية أخرى وكما في الماضي، تصف المتظاهرين بالمخربين وتعتبر الاحتجاجات نتيجة مؤامرة خارجية، وهي خدعة لم تعد تنطلي على أحد وقد انتهت صلاحيتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى