أخبار عاجلة

«لا يمكن العودة للماضي».. أميركا بعد ترامب

لقد جعل الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ” العودة للحياة الطبيعية ” من الأفكار التي هيمنت على حملته الانتخابية فبعد اربع سنوات من أكاذيب الرئيس دونالد ترامب المكشوفة والتنمر الصبياني والقسوة غير المبررة والتقلبات الخطيرة ، فإن من المؤكد ان وعد بايدن كان وعدا يحظى بالقبول ولكن وكما اعترف بايدن نفسه فإن العالم اليوم لا يشبه الوضع الذي كان عليه العالم في يناير 2017 عندما خرجت إدارة باراك أوباما – والتي عمل فيها بايدن كنائب للرئيس- من السلطة فإذن ما هو الوضع الذي يخطط بايدن للعودة اليه على وجه التحديد؟

إن من المؤكد ان بإمكان بايدن ان يعيد حس اللياقة والتهذيب للرئاسة الامريكية ولكن فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية المرتبطة بالسياسات -وخاصة قضايا السياسة الخارجية-سيكون من الصعب جدا ان لم يكن من المستحيل العودة للمرحلة التي سبقت الوضع الراهن.

لقد تعهد بايدن بإعادة الالتزام ببعض من الاتفاقيات الدولية من حقبة أوباما والتي تنصل منها ترامب وذلك ابتداءا باتفاقية باريس للمناخ وخطة العمل الشاملة المشتركة ( والتي تعرف باسم الاتفاق النووي الإيراني )وبالإضافة الى ذلك ينوي بايدن تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة لسنة 2010 ( ستارت الجديدة) مع روسيا وإعادة الانضمام لمنظمة الصحة العالمية والتواصل مجددا مع كوبا كما قد ينضم أيضا الى الاتفاقية التي حلت مكان اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء وهي اتفاقية تجارية إقليمية ضخمة والتي تفاوض أوباما بشأنها ورفضها ترامب.

ان إعادة الالتزام باتفاقية باريس قد يكون التعهد الأسهل من بين تلك التعهدات فالاتفاقية لم تكتسب قط وضعية المعاهدة وهذا يعود الى حد كبير الى ان أوباما كان يدرك بإن مجلس الشيوخ الذي يتحكم به الجمهوريون لن يوافق على الاطلاق على تلك الاتفاقية ولهذا السبب تمكن ترامب من الانسحاب منها بدون تصويت الكونغرس حيث توجب عليه وبكل بساطة التقيد بفترة الانتظار ومدتها عام واحد والمذكورة في النص وبالمثل فإن بإمكان بايدن إعادة الانضمام اليها بدون موافقة الكونغرس بعد انتهاء فترة الانتظار ومدتها 30 يوما.

أما باقي تلك الجهود فسوف تكون محفوفة بالصعوبات ومن الأمثلة على ذلك خطة العمل الشاملة المشتركة وعلى الرغم من ان تلك الاتفاقية لم يصادق عليها مجلس الشيوخ كذلك، الا ان رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من جانب واحد (وخاصة على مبيعات النفط) سوف يؤدي الى احتجاجات غاضبة من قبل الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس والذين يحتاجهم بايدن للوفاء بوعود أخرى كما ان إسرائيل كذلك سوف تشعر بالغضب الشديد علما ان مثل هذه الخطوة قد تؤدي الى انزعاج البعض كذلك في أوروبا.

يجادل منتقدو خطة العمل الشاملة المشتركة بإن تلك الخطة تفرض حدودا غير كافية على قدرات ايران المتعلقة بالتخصيب النووي وتتجاهل قضايا حيوية وخاصة صواريخ ايران البالستية والاهم من ذلك دعم ايران للقوى المعادية لإسرائيل وامريكا في المنطقة (مثل حزب الله ) أو أنظمة (مثل سوريا) علما انه بدون بعض التغييرات فإن من المرجح ان تبقى تلك الخطة في حالة احتضار.

ان أي جهود لاستئناف سياسة أوباما للتطبيع مع كوبا سوف تواجه تحديات مماثلة. ان هذه المقاربة توحي بوجود سفارة أمريكية بعدد كاف من الموظفين في هافانا وعدم وجود قيود على السفر أو التحويلات واستئناف زيارات السفن السياحية ورحلات شركات الطيران للجزيرة كما ان هذه المقاربة تتطلب أيضا أكبر قدر ممكن من الاستثمار والتجارة في ظل الحظر الأمريكي المفروض منذ 1961 (والذي لن ترفعه إدارة بايدن).

ان من المفترض ان بايدن لن يطلب من كوبا أي شيء بالمقابل فأوباما توصل لاتفاقية مع نظام كاسترو سنة 2015 فقط لإنه لم يشير في الاتفاقية لشروط ملموسة تتعلق بحقوق الانسان او الديمقراطية او الإصلاح الاقتصادي او تعاون كوبي كبير في أمريكا اللاتينية.

ولكن وكما أظهرت الخمس سنوات السابقة فإن كوبا لن تتعامل مع تلك القضايا من تلقاء نفسها ففي مقابلة اجراها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري مؤخرا بالنيابة عن بايدن اعترف جون كيري بإن التقدم الذي أحرزته كوبا فيما يتعلق بحقوق الانسان والإصلاح الاقتصادي منذ سنة 2015 كان “مخيبا للامال ” وفي واقع الأمر فإن ظروف حقوق الإنسان قد تدهورت وزاد عدد السجناء السياسيين وفي الوقت نفسه فإن الازمة الإنسانية في فنزويلا والتي تتمتع كوبا فيها بنفوذ كبير قد ساءت بشكل كبير بدون وجود حل في الأفق.

إذا اخذنا بعين الاعتبار هذه الخلفية فإن محاولة تطبيع العلاقات مع كوبا ستنطوي على مخاطر سياسية وفي الانتخابات كان أداء بايدن أسوأ بكثير بين الأمريكيين من اصل كوبي في ميامي والتي تشكل اكثر من 10% من القوة التصويتية لفلوريدا مقارنة بأداء هيلاري كلينتون سنة 2016 وبالإضافة الى ذلك فإن بايدن قد يحتاج لدعم الجمهوريين في فلوريدا مثل عضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو من اجل الوفاء بوعده في إنشاء مسار للحصول على الجنسية ل 11-12 مليون مهاجر غير شرعي.

بالإضافة الى ذلك وعلى الرغم من ان بايدن لم يقدم أي وعود فيما يتعلق بفنزويلا فإنه سيتوجب عليه إتخاذ عدة قرارات حاسمة بالنسبة لهذا الموضوع مباشرة بعد تنصيبه فهل سيبقي على العقوبات الاقتصادية ضد فنزويلا وشركة النفط التابعة لها بيتروليوس دي فنزويلا س أ؟ هل سيعترف بخوان غوايدو، زعيم المعارضة الذي أعلن نفسه كرئيس مؤقت في 2019 رئيسا شرعيا للدولة؟ هل سيتجاهل نتائج انتخابات مجلس الأمة الهزلية التي جرت في 6 ديسمبر؟

بعبارة أخرى، هل سيقوم بايدن بالالتزام بشكل عام بسياسة ترامب المتعلقة بفنزويلا (باستثناء المخططات الانقلابية الغبية التي ابتكرها رعاة البقر الأمريكيون والمحليون)؟ أو هل سوف يسعى الى إيجاد طريقة أخرى للتعامل مع الازمة الإنسانية الحادة في ذلك البلد؟ ان العودة الى سياسة أوباما القائمة على أساس ” الإهمال الحميد”- وهو موقف منطقي في ذلك الوقت- سينطوي على مشاكل اليوم.

أخيرا، هناك مسألة تجارة آسيا والمحيط الهادئ علما ان بايدن لم يتعهد بالانضمام للاتفاقية التي حلت مكان اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء وهي الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادىء والتي تم انشاؤها بعد انسحاب ترامب من قبل 11 دولة تفاوضت على الاتفاقية الاصلية مع أوباما كما لم يعلن بايدن عن أي خطط لإعادة التفاوض بشأنها.

لكن بايدن ذكر بالفعل انه اعتقد ان اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء لم تكن صفقة سيئة بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية وإن كان قد يطلب المزيد من الأحكام المتعلقة بالعمالة والبيئة. لو أراد بايدن احياء سياسة أوباما المتعلقة “بمحور آسيا؟ والعمل مع الحلفاء لاحتواء الصين في المنطقة فإن الانضمام الى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادىء سيكون بداية طيبة ولكن يجب التعامل مع هذا ليس على أساس العودة للماضي بل كخطوة الى المستقبل.

وهنا يكمن التحدي الأساسي لبايدن وهو كيفية إعادة احياء الاتفاقيات المفيدة متعددة الأطراف او السياسات الخارجية مع الإقرار بالتغيير الكبير الذي حصل للعالم – وسمعة أمريكا- في السنوات الأربع الماضية. لا يمكن العودة للماضي ولكن فقط يمكن تطويع اهداف الولايات المتحدة الامريكية واستراتيجيتها لجعلها تتأقلم مع الظروف الحالية وكلما أسرع فريق بايدن للسياسة الخارجية بالإقرار بذلك، كلما كان ذلك أفضل.

project syndicate: المصدر

 

عن newsadmin

شاهد أيضاً

انه ( الكورنيت)

  ليس بجديد علينا اسم وكسم وفعل هذا الصاروخ المضاد للدروع الذي فتك بفخر الدبابات …