أخبار عاجلة

للفرحين بالعقوبات.. أصابتكم ولم تصب حزب الله

سرّعت العقوبات الاميركية الاحادية التي فرضت على حزب الله الانهيار الإقتصادي والمالي في لبنان وافقار اللبنانيين واغناء الحزب المستهدف نفسه!.

يفرّق خبراء علم العلاقات الدولية بين العقوبات الدولية التي يفرضها مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، واخرى احادية تفرضها دول خدمة لمصالحها الاستراتيجية.

العقوبات الدولية هي قرارات سياسية واقتصادية ضد دول أو منظمات لحماية القانون الدولي او أي إستهداف للسلم والأمن الدوليين. تتضمن هذه القرارات بشكل أساسي الفرض المؤقت على اهداف اقتصادية أو تجارية أو دبلوماسية أو ثقافية، على أن يتم رفعها عندما تغيب المخاوف الأمنية أو عندما لا تظهر تهديدات جديدة. ويمكن لمجلس الامن، إذا لم تؤد العقوبات إلى تسوية دبلوماسية للنزاع، أن يأذن باستخدام القوة في مرحلة لاحقة.

اما العقوبات الاحادية فهي موجهة ضد دولة او منظمة او اشخاص معينين في تلك الدولة. تكون على شاكلة عقوبات اقتصادية ومالية او قطع علاقات دبلوماسية، أو حرب اقتصادية، أو توطئة لحرب. ويمكن ان تكون العقوبات على الدولة المعنية ثنائية او متعددة الاطراف.

أولاً، العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن على بعض الدول:

١.  جنوب افريقيا: بدأ النقاش في الجمعية العامة للامم المتحدة حول التمييز العنصري في جنوب افريقيا عام ١٩٦٠، لكن العقوبات على هذا النظام العنصري اتخذت فعلياً في العام ١٩٨٢ وادت الى تغيير النظام واستبداله بآخر ديموقراطي عام ١٩٩٣. وللجمعية العامة للامم المتحدة مواقف واعلانات تتعلق بحقوق الانسان والقضاء على الاستعمار والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري وغيرها. تجهد اجهزة ومنظمات الامم المتحدة إلى تحقيق تدريجي لتلك الأهداف.

٢.  العراق: اعتبر اجتياح العراق لدولة الكويت في آب/اغسطس ١٩٩٠ تهديدا للسلام والامن الدوليين. قام مجلس الامن بفرض عقوبات دولية على العراق وسمح لاحقا باستخدام القوة عند رفض الانسحاب. كما فرض مجلس الامن على العراق، بعد الانسحاب القسري من الكويت عقوبات اقتصادية واخرى ركزت على تجريد الدولة العراقية من أسلحة الدمار الشامل. اثبت الاجتياح الاميركي للعراق، من دون موافقة مجلس الامن، في ربيع عام ٢٠٠٣ نجاح تلك الاجراءات الدولية، إذ ان الولايات المتحدة لم تجد سلاح الدمار الشامل، الذي كان هو السبب الرئيسي للاجتياح الأميركي.

٣.  ايران: بدأت العقوبات الدولية على ايران في اواخر عام ٢٠٠٦ بعد ان تجاهلت ايران قرار مجلس الامن الذي دعاها إلى بدء حوار مع مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن + المانيا، او دول الـ(5+1)، بشأن برنامجها النووي. وافقت ايران عام ٢٠١٣ على الحوار وتوصل الطرفان الى اتفاق انهى العقوبات الدولية عليها فور اقراره من مجلس الامن في صيف ٢٠١٥.

٤.  كوريا الشمالية: فشلت العقوبات الدولية على كوريا الشمالية في منعها من امتلاك سلاح نووي وصواريخ عابرة القارات. قرار مجلس الامن اتخذ بعد ان اجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الاولى عام ٢٠٠٦. تلقي الولايات المتحدة اللوم على الصين وروسيا لانتهاكهما القرارات الدولية.

٥.   فلسطين: برغم القرارات العديدة التي اتخذها مجلس الامن بشأن القضية الفلسطينية، الا انه لم يتخذ مرة قرارا بفرض عقوبات على اسرائيل. كذلك، لم تقدم ايّ من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن أي مشروع قرار لفرض عقوبات على اسرائيل لعدم تنفيذها القرارات الدولية.

ثانياً، العقوبات الاحادية ومعظمها فُرض من الولايات المتحدة بمشاركة دول غربية في بعض الأحيان. استهدفت مثل هذه العقوبات دولا كثيرة منها الصين وروسيا وكوبا وفنزويلا. لكن التركيز هنا هو على العقوبات التي فرضت على بعض دول المنطقة ومنظماتها ومدى نجاحها أو فشلها. وهذه بعض الأمثلة:

-إيران: تاريخ العقوبات الاميركية الاحادية على ايران طويل وبدأ بعد احتجاز ايران في خريف ١٩٧٩ دبلوماسيين اميركيين منتدبين لديها. لم تحل العقوبات تلك دون استمرار طهران بما تريد القيام به، ولم تمنعها من دعم انشطة معادية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط وحول العالم. كذلك، لم تنجح العقوبات الاميركية الأحادية الهادفة إلى منع ايران من تخصيب اليورانيوم، ولذلك قررت واشنطن التعاون مع المجتمع الدولي من خلال مجلس الامن.

عادت العقوبات الاميركية الاحادية على ايران بعد انسحاب الولايات المتحدة في ايار/مايو ٢٠١٨ من الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الخمس زائداً واحد مع ايران، وفاقت تلك التي فرضتها ادارة الرئيس باراك اوباما. رفضت الصين وروسيا، وفي البداية بريطانيا وفرنسا والمانيا، التقيد بالعقوبات الاميركية. لكن الدول الاوروبية الثلاث رضخت لاحقاً لتلك الضغوط ولكنها لم تشارك في فرض عقوبات. كذلك، فشلت ادارة ترامب في اقناع مجلس الامن باعادة العقوبات على ايران الى ما كانت عليه قبل اتفاق ٢٠١٥.

وبالرغم من أن العقوبات الاميركية أضرت إيران بشكل كبير، لكنها رفضت الدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة، او مع مجموعة الخمسة + واحد، بشأن برنامجها النووي قبل العودة الى الاتفاق الاساسي، وبالفعل خرجت ايران من الاتفاق وقررت إعتماد مجموعة خطوات متدحرجة متصلة بنسب التخصيب وأجهزة الطرد وغيرها.

– سوريا: لم يستطع مجلس الامن فرض عقوبات على النظام السوري بسبب حق النقض الذي مارسته روسيا والصين، ولذلك تم فرض عقوبات احادية من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا بالاضافة الى اليابان وكندا وأستراليا وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. برغم التأثير الكبير لرزمة العقوبات على الاقتصاد السوري، الا انها لم تنجح في تحقيق الهدف الرئيسي، أي تغيير النظام.

– لبنان: على مدى عقدين من الزمن، خضعت المصارف اللبنانية لمراقبة دقيقة من وزارة الخزانة الأمريكية لاحتمال غسل الأموال أو تمويل المنظمات الإرهابية حسب توصيف الولايات المتحدة. لم تفرض واشنطن هكذا تدابير واجراءات على دول اقليمية مماثلة للوضع اللبناني. وبرغم التزام المصارف اللبنانية بالاجراءات الاميركية، الا ان التدابير التي اتخذتها وزارة الخزانة الاميركية ادت الى اقفال مصرفين لبنانيين.

كذلك، فرضت واشنطن مراقبة دقيقة على حزب الله منذ تأسيسه في بداية ثمانينيات القرن الماضي بعد تفجير مركز لقوات المارينز قرب مطار بيروت. العقوبات المباشرة على الحزب ومؤسساته واعضائه ومناصريه وحاليا حلفائه، بدأت في منتصف العقد الماضي من قبل الكونغرس الاميركي. العقوبات هي بمثابة إجراءات عقابية بشكل متزايد.

كان للعقوبات الاميركية على حزب الله تاثيرها الكبير على وضع لبنان الاقتصادي والمالي. اخافت كثيرين في داخل لبنان وخارجه. شجعت الخائفين في الداخل على تهريب اموالهم وفي الخارج على تقليل ارسال اموالهم الى لبنان. كانت العقوبات سبباً مهماً للانخفاض التدريجي للفائض في ميزان المدفوعات الذي زاد عام ٢٠١٠ عن ١١ مليار دولار.

وبالعودة الى حزب الله، يعرف القاصي والداني ان حزب الله واعضائه ومحازبيه حتى، لا يتعاملون مع القطاع المصرفي اللبناني او الدولي، ولا يسافرون الى اوروبا او غيرها للسياحة او للاعمال. كل المصاريف التشغيلية للحزب ومدخراته مكدسة بالسيولة النقدية (بالعملة الصعبة) في أماكن آمنة، وقد فتح الحزب منذ مدة مراكز مالية محلية ومنها ماكينات الصرف الآلي لتسهيل معاملات قاعدته وبيئته.

ومن المضحك المبكي ان التدهور الاقتصادي الذي بدأ منذ أكثر من عام وأفقر معظم اللبنانيين، ربما اغنى حزب الله. ومن المؤكد ان الحزب ومناصريه لم يتعرضوا إلى اذى كبير من جراء التدهور الاقتصادي لانهم، وبسبب العقوبات لا يملكون دولارات في المصارف وهم حالياً يملكون الدولارات المتاحة في البلد وتأثيرهم على سعر صرف الدولار بات كبيراً جداً.

بإختصار، من حسن حظ المجتمع الدولي ان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سيعيد الولايات المتحدة الى دور قيادي في ادارة المنظمات الدولية، ويتوقع المراقبون ان يعطي ذلك بعض الاستقرار في العلاقات الدولية. لكن، على الادارة الديموقراطية العتيدة ان تدرس بدقة وعمق نتائج العقوبات الاحادية التي فرضتها ادارات اميركية مختلفة على مدار عقود من الزمن وعلى دول كثيرة، والى اي مدى خدمت تلك العقوبات مصلحة الولايات المتحدة والسلم والأمن العالميين.

اما بالنسبة الى اللبنانيين الذين يرقصون فرحا كلما اعلنت واشنطن فرض عقوبات على احد افراد حزب الله او احد حلفائه السياسيين، فمن البديهي أن يدركوا ان العقوبات تضر بلبنان واللبنانيين اكثر من الضرر الذي يلحق بحزب الله وحلفائه.

عن newsadmin

شاهد أيضاً

أين عدالة القروض السكنية؟

المصدر : وكالة نيوز الكاتب : عباس قبيسي في العديد من البلدان، يعتبر الحصول على …