تحقيقات - ملفات

وداعاً الدولة في لبنان

نبيه البرجي-الديار

حين سأل سفير دولة عربية مرجعاً سياسياً عن الشخصية السنية التي يمكن أن تنتشل لبنان من هذه الهوة ( الهاوية), رد للتو “رفيق الحريري” .

المرجع لم يتلفظ بالاسم سهواً . قال “كل الآخرين اما للادارة المتعثرة للأزمة, أو أنهم يراهنون على حل سحري يأتي به صندوق النقد الدولي الذي يأملون بأن يحمل معه المعجزات لا المصائب” !

أكثر خطورة بكثير من عام 1992 . لبنان دخل في الانحلال البنيوي اذا كان هناك من تصل اليه آراء الدول الكبرى . اذ لا مجال لأي ديكتاتور فذ أن يعلق المشانق, لا مناص من استحضار شخصية رفيق الحريري …

الحل بات مستحيلاً ببقاء منظومة سياسية أقفلت عيونها واقفلت آذانها, وهي ترى البلاد تتفكك حجراً حجراً, حتى اذا ما انفجرت, من تراه يستطيع أن يستوعب الاحتمالات ؟

الانقلاب العسكري ليس واقعياً لأن الأزمة باتت أكثر تعقيداً من أن تحل بالدبابات, ولأن هناك من هو ضالع في السيناريو الخاص باعادة تركيب لبنان بحيث يغدو جزءاً من المسار الذي تاخذه المنطقة .

لا سعد الحريري فيه شيء من رفيق الحريري, ولا بهاء الحريري فيه شيء من رفيق الحريري . حتماً, الظروف تغيرت كثيراً . العالم, وكما قالت ابنة السناتور الجمهوري الراحل جون ماكين, أبتلي بالكورونا وبدونالد ترامب “حتى لنلاحظ أن الكرة الأرضية أخذت شكلاً آخر لم نعهده منذ أن حل فيها آدم وحواء …” .

أثناء زيارة لرئيس الحكومة الراحل, قال لشخصية سياسية خليجية بارزة (محمد جاسم الصقر) انه يمتلك رؤية بانورامية لاعادة بناء الدولة في لبنان بعدما دمرت الحرب الأهلية البنية السوسيولوجية فيه أكثر مما دمرت البنية السياسية والبنية الاقتصادية .

هذا لا يعني التماهي الميكانيكي مع سياسات رفيق الحريري الذي كانت له أخطاؤه أيضاً . لكنه لم يكن يتصرف لا كشيخ قبيلة, ولا كشيخ طائفة, مثلما يفعل الثنائي بهاء وسعد, وهو رئيس الحكومة المكلف الذي لا نعلم من مآثره (عدا دماثته), سوى أنه الأكثر تأثيراً في الشارع السني . هكذا تم تكليفه, دون أي حيثية أخرى . ما الفارق هنا بين ثقافة الشوارع وثقافة الأزقة ؟

الكلام الصارخ في البيان الأخير لكتلة المستقبل بمثابة اعلان وفاة الحكومة العتيدة . ربما كان الدافع الى تلك اللهجة الخشية من أن يكون الادعاء على حسان دياب مدخلاً الى الادعاء على سعد الحريري وغيره من نجوم الدرجة الأولى, مع اقتناعنا بأن المنظومة السياسية كلها هي التي دفعت بالدولة الى هذا المستوى من التعفن .

حسان دياب الذي لا مجال للتشكيك بجديته, وبتفانيه, لا شك أنه ارتكب غلطة العمر حين أخذ برأي فلان أو فلان, ولم يذهب الى المرفأ لمعاينة القنبلة النووية المخزونة في العنبر رقم 12 .

الكتلة التي اعتبرت أن رئيس الجمهورية وراء موقف القاضي فادي صوان, شنت حملة شعواء ضد من أوكل اليه مهمة تشكيل الحكومة (بعد الاستشارات الملزمة), بالشراكة معه ووفقاً للنص الدستوري, مع الاشارة الى أن التشكيلة التي وضعت أمام الرئيس عون تضم بعض الأدمغة المميزة, والبعيدة عن منطق التبعية والاستزلام .

ولكن, هل يمكن للحريري أن يضطلع بدور المايسترو في هذه الأوركسترا التي تضم شخصيات بنظريات مختلفة, وربما برؤى مختلفة ؟

الكتلة, في بيانها طاولت بحملتها, ودون أي مبرر على الاطلاق, سوى المبرر الشعبوي (الطائفي), “حزب الله” . ” … وفي تغطية التدخل العسكري في الحروب الخارجية” . كان يفترض أن ننتظر رايات أبي بكر البغدادي ترفرف في الداون تاون, أو أن ننتظر رجب طيب اردوغان يعلن بيروت ولاية عثمانية …

لبنان أمام أزمة وجودية . ما صدر, ويصدر, عن المرجعيات الدينية عاد بنا الى القرون الوسطى . هذا ليس بالنظام اديمقراطي . انه النظام التيوقراطي الذي يحمي رجاله أياً كانت نوعية هؤلاء الرجال . وداعاً الدولة في لبنان !!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى