الحدث

التأليف: سعد وجبران تحت خَيمة السيّد حسن

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

يغرق رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، في نقاش “تأليف الحكومة” بالعموميات. يقفز من دولة إلى أخرى بحثًا عن “دولاب نجاة”، فيما البعض يحاول إرشاده إلى “حبل” يتوفر في الداخل، والطريق إليه أقصر; وتجاهله بالإصرار على الرفض، يزيد من الشعور المتنامي لدى الكثيرين حول وجود أسباب أخرى تتخفّى خلف تشدّده في التأليف، وتعامله بشكل حاد ومعادٍ مع أطراف داخلية ينمّ عن رغبةً في إحراق المراكب. وفي مكانٍ آخر يدّعي أنه يجهد إلى محاولة تأليف حكومة “مهمّة” تحت شعار “هي إلى العمل”!

حتى الآن، لم تُسجّل أية خلاصات إيجابية ناجمة عن جولات شيخ تيّار المستقبل الخارجية إلا “بعزقة” للأموال العامة وزيادةً في المصاريف، ودوائر القرار في بيروت، تحسب أنه، وطالما لم ترصد أية إشارة أو فعل مشجّع يرد من الخارج ويمكن استخدامه في “تعويم” تأليف الحكومة، معنى ذلك أن الجولات تلك لا يمكن التعويل عليها، ويجب إيقافها أو تجميدها، طالما أنها تندرج في خانة “الترويج لصورة الحريري كمُنقذ وكشخص قادر على ترميم علاقات لبنان الخارجية”.

مع ذلك، يتعمّد الحريري تجاهل كافة الاشارات الداخلية المشجّعة ويلوذ بنفسه نحو الخارج. قبل أيام، اقتحمت المشهد الحكومي الجاف “صيغة حلّ” على شكل “طرح” تقدّم به أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله (إقترح توسيع التشكيلة من 18 إلى 20 أو 22 وزيراً). لم يعلّق الحريري ولا أوساطه على ما تقدّم، بل أنه عمّم “أمر تجاهلها” عند سؤاله حولها بواسطة التطبيقات، رغم أن حليفه الإشتراكي، كان قد لاطفها بعبارات القبول. وأمس، لاقاه رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل، بِسَيل من الإقتراحات و”مشاريع التسويات”، وقد تعامل معها الحريري بنفس قيمة التجاهل آنف الذكر، لا بل صدر أمر اليوم إلى “فروع المستقبل” كافة، بالتناوب على الردّ على كلمة باسيل، من دون التعليق على أي مما تقدّم به، لا سلباً ولا إيجابياً، بل جرى اعتماد أسلوب التوهين، ما يُفهم منه، أنه دافع لحرف الإهتمام عن القضية الأساس.

عملياً، يُمكن إدراج كلمة باسيل، التي حضرت في معرض الردّ على خطاب الحريري في ذكرى 14 شباط، في خانة الدفع نحو تأليف الحكومة، وقد وّضع للحريري أكثر من سلّم، يمكن في حال صفية النوايا أن يستخدم أحدهما للنزول عن شجرة التأليف.

في البداية، دحض باسيل كل المزاعم القائلة بأنه يعمل تجاه دفع الحريري، وبالتعاون مع رئيس الجمهورية، إلى الإعتذار، وقد سوّى بهذه النظرية الأرض، بدليل إعلانه عن تبنّي عكسها تماماً. وقد أعلن، وللمرة الأولى بعد انهيار تسوية 2016 ومتحدّثاً بصيغة الجَمع، أنهم كـ”تيار وطني حرّ” باتوا يمتوضعون في خانة قبول سعد الحريري رئيساً مكلّفاً، بل وشدّد على ذلك، وهذا يأتي في إطار القراءة المستجدة التي أقدمَ “التيار” على تبنيها مؤخراً.

لكن باسيل، قدّم شرطاً لإتمام تلك الرؤية، يكمن في خروج “التيار” من أي تسمية أو مشاركة في الحكومة العتيدة، سواء صريحة أو مبطّنة، ما يعني سقوط نظرية سعد/جبران معاً في الحكومة، أو معاً خارجها. وطالما أن الحريري كان يشكو دائماً من دخول جبران ساحة التكليف، فبقرار الأخير الخروج، يكون قد توفّرت ظروف مثالية للحريري كي يؤلف حكومته!

عبر الخطوة تلك، يمكن القول أن باسيل قد تمكّن من وضع الحريري في خانة “أليِك”. فهو وفّر مخرجاً كان يبحث عنه الحريري ويخضعه لأسباب تعقيد التأليف. يبقى أنه، وفي حال ثبت صدق باسيل، ولم يتمكّن الحريري من التأليف، يعني ذلك أن المشكلة “من عندياته” وتتصل بأسباب موزّعة بين الداخل والخارج، وهو ما حاول رئيس “التيار” التلميح إليه.

في مكانٍ آخر، أعاد باسيل نبش أكثر من حل لتسييل أمر التأليف بين الرئيسين تحت عنوان “الشراكة المتساوية في التأليف”، وهنا، بدا رئيس “التيار الوطني الحر”، كمن يسير خلف اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري، القائل بعرض وتبادل قوائم إسمية من الإختصاصيين بين الرئيسين للإختيار من بينها، برعاية مرجعيات، وقد أدرجَ آلية تقول بإبداء الرئيسين الموافقة على الأسماء وإسقاطها فوراً على الحقائب، وهذا يمكن إدراجه في إطار العودة إلى اقتراح سابق كان يدفع نحو عقد إجتماع مطوّل ولمرّة واحدة بين الرئيسين في قصر بعبدا ينتهي بالخروج بتشكيلة حكومية، وأحد شروطه وضع الهاتف على خاصية “وضع الطيران”.

ولعلّ الأمر الأهم الذي قدّمه باسيل، إقراره أنه لا يريد الثلث المعطّل، رغم الإحتفاظ بحقه به، لكنه عَبَرَ إلى ذلك من خلال إعلان القبول بـ”ثلث نظري” يجمعه مع “حزب الله” المستعد لأداء هذا الدور، ما له أن ينتقل النقاش إلى ضفة أخرى. وإعلان باسيل هذا، ينسجم مع طلب السيد نصرالله التخلّي عن “الأثلاث المعطّلة” في ظل طرحه توسيع الحكومة، وهو ما ردّ عليه باسيل بالإيجاب، متقدّماً على “طرح نصرالله” نحو إيداع الوزير المسيحي الإضافي في خانة الفريق الخصم (المردة) كبادرة حسن نية، وهو ما يمكن ادراجه في خانة الترفّع.

وهنا، تتّضح بصمات “حزب الله” في محاولة تليين شروط باسيل. فتموضع رئيس التيّار في موضع “الصيغة المخرج” الذي طرحها “سيّد المقاومة” على النقاش، يعد عاملاً لدفع قيادة الحزب نحو تنشيط اتصالاتها لتسويق ما لديها من أفكار، سيما وأن الطرح المقدّم بشكل غير رسمي، بات يحظى بموافقة جماعية من قبل “التيار الوطني” و”الإشتراكي” وحركة “أمل” كتحصيل حاصل ورئاسة الجمهورية.

يبقى أن يُعلن الحريري عن موقفه. وهنا، يُفترض بالأصدقاء والحلفاء الإستفسار منه عن ذلك الموقف، أو البحث في إمكانية تعديله أو تذويب أي فعل جليد قد يظهر فجأةً، ومن جملة المطالب، البحث عن وسيلة ما لإقناعه. وباعتقاد البعض أن الفرنسيين لهم القدرة على المشاركة في تسييل المَخرج، بتكامل بين تخريجة خارجية خلفها الفرنسي وداخلية يتولّى تأمينها “حزب الله”.

لكن يبقى، أن الشرط الخارجي قد لا يتوفّر رغم توفّر “الطبعة الداخلية”، وهو ما سيدفع نحو بقاء الحريري في خانة التردّد، سيما مع الإرتكاز إلى المعلومات التي تشير إلى عدم حصول أي تقدّم خارجي كان الحريري يعوّل عليه على المستوى السعودي. بهذا المعنى، ستتّجه الأنظار إلى مستويين: كيفية تعامل الداخل مع المستوى الجديد من خفض السقوف، وما ستنتج عنه الوساطات التي بدأت بالفعل، ونتائج زيارة الرئيس الفرنسي إلى الرياض، وهل سيسفر عنها رفع “فيتو” عن الحريري أو غضّ نظر عنه كأقل تقدير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى