ارشيف الموقع

عزاء لقمان: يا محلى العمى أمام الكحل!

 

أبو زهير -أساس ميديا

تمهلّت أياماً، ثمّ أسابيع في الكتابة عن عزاء لقمان خوفاً من دعاء المعممين علي وعلى أم زهير. معي بيمشي الحال أما أم زهير فيا غيرة الدين وفشروا، هيدا إذا ما ردت بما هو أظلم وأفضح. يعني راحت علينا جلسات “الاستماع” إلى موسيقى كركرة الأراجيل. تحصنت بالحجاب الي أعطتني إياه الحاجة الوالدة واتكلت على الله ودعاء الوالدين “وهيدا الي طلع معي”.

اختلج في داخلي مزيج من الحزن والأمل حينما شاهدت النقل المباشر للحفل التأبيني الذي أقامته عائلة الراحل لقمان سليم قبل أيام في دارتها الواقعة في الضاحية الجنوبية. أذكر تلك الدارة جيداً منذ زمن بعيد، يوم كنت أقصد تلك المنطقة لأشتري الحلويات من “محلات غندور” في الشارع المقابل إبان الحرب الأهلية. كنت أمرّ وأسترق النظرات إلى الداخل من خلال تلك البوابة الضخمة والسور المحيط بالمنزل حيث الأشجار والورود، وأقول: “ألله… ما أجمل هذا المنزل” ولم أكن أعرف أنّها دارة آل سليم.

برغم الحزن الذي اختزنته في قلبي على اغتيال الباحث واللغوي الموهوب، وبرغم تجنّبي التعليق على محاولات المزج بين الطقوس الدينية من أجل إثبات تبادل الحب “بالقوة”، إلاّ أنّ حفل لقمان التأبيني عموماً، بعث في داخلي الأمل بفعل مشهدية التلاقي والتنوّع الجامعَين اللذين رُسما بواسطة الحاضرين إلى الدارة من مشارب وجنسيات ومناطق مختلفة. أخبرتني تلك المشهدية أنّ اللبنانيين ما زالوا بخير وسيبقى جلّهم كما هم بألف خير، بهمة المحبين والداعين دوماً إلى السلام والحب ودفن الأحقاد,

أطفأت التلفزيون وترحّمت على لقمان وعزّيت نفسي كلبناني بخسارة تلك القامة الثقافية النادرة، ثم انكبيت على قضاء بعض الحاجات، لأصاب بعد ذلك بصدمتين في مساء اليوم نفسه.

الصدمة الأولى كانت البيان الذي أصدرته أبرشية بيروت المارونية التي نفضت يدها، بشكل مستغرب، من الكاهن المشارك في التأبين وقيل أنّ ذلك كان على خلفية الضجة التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي حول تُهم تحريف  إلقاء ترنيم “أنا الأم الحزينة” للأخوين الرحباني، أو ربما حرمة إلقائها عن نفس غير المسيحيين. لن أعلق على هذه الحادثة كثيراً، بكلمتين تلقيتهما منذ نعومة أظافري في المدرسة الإرسالية: المسيح وأمّه الطاهرة للجميع.

أما الصدمة الثانية فكانت فيديو المقرىء الشيعي الذي تبرّأ مما قرأ عن نفس لقمان، واعتذر عما ارتكبه من ضلال في قراءة ما تيّسر من أيات الذكر الحكيم عن نفس لقمان، وكال كلاماً لم ينزل الله به من سلطان. كأن أحداً راود المقرىء عن نفسه فتلا فعل الندامة أو كأنّه اقترف جرماً شنيعاً وجب ذبحه عليه، خصوصاً بعد جملة التبريرات التي ساقها حول عدم معرفته بهويّة أصحاب البيت إلاّ لاحقاً، فظننتُ لوهل أنّه اعتاد في مجالس العزاء التي يحييها، أن يجالس السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي لا تفوّت له مجلساً وتشاركه في اللطم!

القارىء المُعتذر حاول أن “يكحّلها قام عماها”، فذكرتني فعلته بالقول المأثور حول البصر والبصيرة الذي يقول: “الشيء الوحيد الأسوأ من أن تكون أعمى، هو أن تمتلك البصر وتفتقد البصيرة”. تذكرت أيضاً المُقرئين المكفوفين الذين لا يبصرون صحيح، لكنّهم يقومون بواجب القراءة بلا تذمّر وبلا أعذار أو خوف. ربما حرمانهم من نعمة النظر زادت في منسوب الشجاعة في نفوسهم. لعلّ عماهم لا يخيفهم فقدان “أحضان البيئة” ويجعلهم لا يأبهون بالتهديدات، فيسلّمون أمرهم لله ويقرأون في كتابه على كل نفس ذاقت الموت من غير أيّ أبعاد وأيّ دوافع دينية كانت أم سياسية… وهنا، لهذه المرة فقط نقول: يا محلى العمى أمام الكحل الكاذب الذي يحلّ على الوجه سواداً مع أول قطرة ماء… مااااااء…. ماااااااء.

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى