الحدث

القنوات اللبنانية… شاشات للايجار؟

سارة غريللو ــ الولايات المتحدة

 

الأخبار- زينب حاوي

بعد إصدار «المحكمة الدولية» الخاصّة بلبنان قرارها النهائي في قضية اغتيال رفيق الحريري في أواسط شهر آب (أغسطس) الماضي، بدأ بهاء الحريري يتمدّد إعلامياً ويبرز على بعض وسائل الإعلام تعليقاً على القرار وتظهيراً أكثر لحضوره على هذه المنصّات المحلية.

ظهور الحريري الابن الأكبر لرئيس الوزراء الأسبق، تزامن مع مجموعة توقيتات مهمّة، مهّدت له الساحة للتمدّد بشكل أكبر، أبرزها تهاوي إمبراطوريات سعد الحريري الإعلامية، المرئية والمكتوبة، وتآكلها بسبب الأزمة المالية التي ضربتها، وخلّفت وراءها أزمات إنسانية واجتماعية ظلّت حاضرة رغم إقفال الشاشة الزرقاء وصحيفة «المستقبل» كذلك. تمثّلت هذه الأزمات في مماطلة الحريري في إعطاء المصروفين حقوقهم. التوقيت الثاني، الذي أسهم في حضور بهاء الحريري بشكل أوضح، هو دخوله في لحظة (شبه) انهيار تعيشها المؤسسات الإعلامية، التي تكبّدت ضربات مالية واقتصادية متلاحقة، بلغت أوجها في السنوات الأخيرة الماضية، مع تظاهرات «17 تشرين»، وأزمة كورونا، وانهيار قطاع الإعلانات في لبنان.
استغلّ بهاء الحريري كل هذه الأرضية ليدخل الساحة الإعلامية بقوة، بعدما أطلق منصة «بيروت سيتي» على فايسبوك، وإذاعة «صوت بيروت انترناشونال»، التي تبث عبر الإنترنت. كانت مهمة المنصّتين مواكبة التظاهرات الشعبية التي عمّت المناطق اللبنانية عشية «17 تشرين» من عام 2019، لتكبر كرة الثلج، مع بداية أيلول (سبتمبر) الماضي، ويبدأ الترويج بشكل أكبر للمنصة الفايسبوكية، عبر استغلال المساحات المدفوعة مالياً لتتوسّع أكثر لدى المتابعين. هكذا، بدأت تتظهّر أكثر فأكثر استراتيجية بهاء الحريري، الذي راح يعمل على استقطاب وجوه إعلامية معروفة، ويُفرد لها برامجَ خاصة، ويطرح كذلك نشرات إخبارية، وتغطيات حيّة. وأول المنضمين إليها، كان طوني خليفة، مع برنامج «سؤال محرج» الذي يتقاطع مع برامج الإثارة ولعبة التناقضات المنفرة، سيّما في عالم السياسة. برنامج سرعان ما لاقى جدلاً على وسائل التواصل، واستطاع جذب المتابع، من خلال لعبته الإعلامية المثيرة، التي لا تخلو طبعاً من التسييس وتشويه التاريخ. خليفة، الذي ظل أسبوعياً حاضراً في هذا البرنامج، سرعان ما نقل برنامجه الآخر «طوني خليفة» إلى شاشة lbci، بعد تركه «الجديد»، وبدأت بعد ذلك موجة من انتقال الوجوه الإعلامية إلى المنصة الحريرية.
هكذا، اختيرت هذه الوجوه من مشارب وانتماءات مختلفة، جمعتها مساحة الظهور التي تفتقدها على شاشاتها، وأيضاً، الحاجة المالية الملحّة، بعد انهيار الليرة، إذ يتلقّى هؤلاء رواتبهم بالدولار أو ما يُعرف بـ «الفريش دولار» في منصة بهاء الحريري. شيئاً فشيئاً، بدأت تتكوّن شبكة البرامج التي تندرج تحت الحوار السياسي، كبرنامج «صوت الناس» الذي يقدمه ماريو عبود، و«بدنا الحقيقة» (يقدمه وليد عبود)، والكوميدي مع هشام حداد وبرنامج Hishow، والترفيهي مع «المواجهة» (تقديم: رودولف هلال)، و«مع السلامة» (كارين سلامة). وكانت طبعاً لديانا فاخوري (mtv) حصة وازنة، مع تسلّمها إدارة البرامج في المنصة، وبرنامج «Let›s Talk مع ديانا» السياسي الشبابي، وقبلها ظهرت كمذيعة في نشرات الأخبار. مع كل هذا الخليط من الوجوه وأنماط البرامج المختلفة، إلا أنه يصبّ في خانة واحدة: خدمة سياسة بهاء الحريري ومصالحه، إذ لا يمكننا مثلاً أن نستغرب بأن السياسة تدخل في صلب البرامج الترفيهية، على رأسها، الهجوم على «حزب الله». إزاء هذا التمدّد وهذه المساحة اللذين اقتحم بهما الحريري المشهد الإعلامي، وأوصل من خلالهما منصته الفايسبوكية إلى متابعتها من قبل أكثر من مليونَي متابع، دخلت lbci على الخط، ووقّعت شراكة مع الحريري، من خلال بثّ برامج مشتركة («طوني خليفة»، «المواجهة»، «سؤال محرج»، و«صوت الناس»)، تُصوّر في استديوات أدما، وطبعاً، الترويج لأنشطة رجل الأعمال بهاء الحريري، أو بعبارة أوضح لـ«صاحب الأيدي البيضاء في أعمال الخير»، وأيضاً لمواقفه السياسية. ففي وقت تهاوت فيه إمبراطوريات سعد الحريري الإعلامية، وخفت صوته، وعاد ليعلو اليوم بمعية «الجديد» التي تتولى مهام دعمه سياسياً في وجه رئاسة الجمهورية وتيارها السياسي، بسط بهاء الحريري أذرعه التي امتدّت من السوشال ميديا، إلى شاشة التلفزيون. ومع انطلاق بعض البرامج على شاشة lbci، اتضحت أجندتها السياسية، إذ كان لافتاً الحلقة الأولى من «طوني خليفة» التي خُصصت للهجوم على «حزب الله»، وحتى ارتداء البرنامج الاجتماعي رداءً سياسياً فاقعاً، لتعود وتخمد مع تناول البرنامج القضايا الصحية التي تخص كورونا. كما كان واضحاً الأمر عينه مع «صوت الناس» الذي لا تخلو حلقاته من الأجندات السياسية. وبهذه اللعبة بين الهجوم على الخصم السياسي أي «حزب الله» ثم التراجع لفترة، تأرجحت العلاقة بين بيار ضاهر وبهاء الحريري، وتأزّمت في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، مع اشتعال أحداث طرابلس، وبثّ lbci تقريراً (إعداد: لارا الهاشم)، اتهم بهاء الحريري بالوقوف خلف مجموعات الشغب التي نشرت الفوضى في المدينة.

وعلى أثر هذا الاتهام، احتدم الخلاف بين الرجلين، وأُجبرت القناة على نشر بيان توضيحي من الحريري يتبرّأ فيه من هذه الاتهامات، إلى جانب ظهور مستشاره الإعلامي جيري ماهر على القناة. بدأت الأمور تتخذ منحى آخر، مع الترويج لفكّ الشراكة بين lbci والحريري. أمر سرعان ما تم نفيه. لكن، بطبيعة الحال، انخفضت السقوف في المحطة في الفترة الأخيرة، ويبدو أنّها دخلت في تسوية قوامها أن لا تفرد شاشتها بالكامل لخدمة مصالح الحريري، بل أن تخصّص له مساحات ترويجية حول أعماله «الخيرية» في نشراتها الإخبارية وتقاريرها في مقابل بقاء lbci في مربعها السياسي الذي تعتمده، أي البقاء على مساحة معينة من جميع الأطراف، وإيلاء أهمية للأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية في نشراتها الإخبارية. طبعاً، هذه السياسة، في الظاهر، تُخرج المحطة من لعبة الاستقطاب الحادّ بين الأطراف السياسية المتناحرة، وتضمن في المقابل جمهور «حزب الله»، الذي يخاصم اليوم محطتين محليتين (mtv والجديد). لكن في العمق، تتظهّر السياسات في مساحات أخرى، تبث على شاشة lbci و«بيروت سيتي»، إلى جانب طبعاً الدعاية السياسية الفاضحة التي تخصصها المحطة للسفارة الأميركية، وأيضاً للإمارات الحاضرة دوماً على شاشتها، وآخرها الاحتفال بإطلاقها «مسبار الأمل» إلى المريخ، وتخصيص lbci، مساحات ترويجيةً واسعة للإمارات وحكامها. في مقابل هذه الخطوة، بدأت تنتشر أخبار عن اتفاق عقده بهاء الحريري مع رئيس مجلس إدارة mtv ميشال المر، ويقضي بنقل بعض البرامج إلى استديوات «فيزيون»، في النقاش. اتفاق تعزّز مع تشابك المصالح بين الرجلين، وقدرة mtv، على تظهير أكبر لمواقف وسياسات الحريري الفاقعة سيّما تجاه «حزب الله»، وسهولة تحقيق هذا الأمر على الشاشة التي تكنّ العداء التاريخي للحزب. وبهذه الصورة التي رست عليها المشهدية الإعلامية بين lbci وmtv، ومنصة «بيروت سيتي»، نكون أمام خلاصة واحدة، بأن اللعبة الإعلامية يتحكّم بها رأس المال، والعملات النقدية الخضراء بشكل أقوى من ذي قبل، وعبرها يمكن حشد مجموعة من الوجوه الإعلامية التي قد لا تلتقي على أمر سوى الالتقاء على تأمين مصالحها المادية، وما اللقاء عبر «زوم» الأخير بينها وبين الحريري، سوى دليل واضح على هذا الأمر. أضف إلى ذلك طبعاً، التحوّل الواضح في استراتيجيات الإعلام المحلي الذي أضحى ـــ بحكم ما يتعرّض له من أزمات مالية خانقة ــــ مجرد شاشات للإيجار… ليس إلّا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى