بولا مراد -الديار

مع الاعلان غير الرسمي عن زيارة يقوم بها اليوم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى دولة قطر، تكون البلاد دخلت عمليا في دوامة جديدة من التعثر الحكومي رغم استمرار الدفع الدولي لاتمام ولادة قريبة، والذي تجلى أخيرا بحركة اتصالات روسية، ويوم أمس بحراك ديبلوماسي داخلي.

وباشارة الى محاولة الحريري استيعاب التوتر الذي استجد مؤخرا مع رئاسة الجمهورية وتهيئة الأرضية لمفاوضات جديدة لا تبدو قريبة، أوعز الرئيس المكلف لنواب كتلة «المستقبل» والقياديين في تياره عدم الانجرار للسجال الكلامي رداً على الحملات التي تستهدفه. وقال مستشاره الإعلامي ان «هناك فريقا سياسيا يريد استفزاز المستقبل وجمهور واسع من اللبنانيين، ويلجأ الى التعبئة الطائفية لتحقيق اهدافه الخاصة، ولن يكون من المفيد مجاراة هذا الفريق بأعماله وخطابه السياسي وتأليب اللبنانيين على بعضهم البعض»، وأضاف: «انهم يلهثون وراء اشتباك اسلامي – مسيحي، ولن يحصلوا على هذه الفرصة مهما اشتدت حملات التحريض واثارة الضغينة بين ابناء الوطن الواحد».

وقالت مصادر مطلعة على الحراك الداخلي الحاصل ان كل المحاولات تنصب حاليا على تهدئة الأمور على جبهة بعبدا ـ بيت الوسط ليُعمل بعدها على مبادرات لحل الأزمة الحكومية. واشارت المصادر في حديث لـ«الديار» الى ان «الحريري كما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يعيان تماما ان قطع شعرة معاوية بينهما لا يخدمهما بل سينعكس سلبا عليهما وليس على شخص او فريق دون الآخر، خاصة وان مصلحة كل منهما تقضي بتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لأنهما اليوم وحيدين يتحملان امام المجتمعين المحلي كما الدولي مسؤولية تعطيل عملية التشكيل، لذلك يصعدان بوجه بعضهما البعض لانجاز العملية كل بشروطه».

ولا يبدو ان تراجع السجال العوني ـ المستقبلي سينحسب على السجال المستعر بين «الوطني الحر» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، اذ يبدو واضحا ان هناك توجها سواء في ميرنا الشالوحي وبعبدا او في المختارة لاسقاط كل الخطوط الحمراء ونسف سياسة ربط النزاع التي كانا يعتمدانها معظم الاحيان في المرحلة الماضية. وفي هذا الاطار، قالت مصادر مطلعة لـ«الديار» ان «العونيين قرروا اعتماد اساليب جديدة للمواجهة بعيدا عن مراعاة اي خصوصيات بعدما قررت معظم القوى السياسية التكتل بوجههم والعمل المفضوح على افشال واسقاط العهد»، لافتة الى ان «الاشتراكيين من جهتهم يلاقون القرار العوني هذا عند منتصف الطريق كونهم أصلا لم يقتنعوا يوما بمسايرتهم وان كان جنبلاط سار على مضض بعون رئيسا للجمهورية عام 2016».

 تصعيد درزي على مراحل

وبالرغم من تيقن الجميع ان أوان تشكيل الحكومة لم يحن، الا ان الاحزاب والفعاليات الدرزية، باستثناء الحزب «التقدمي الاشتراكي»، ارتأت رفع الصوت والتصعيد مجددا رفضا لحكومة الـ18 وزيرا وحصر الحصة الدرزية بوزير واحد.

وانتقد «لقاء خلدة» الذي عقد اجتماعا في دارة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، حضره إلى جانب الأخير وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية، رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب، وعدد من الوزراء السابقين والفعاليات والمشايخ الدروز، «التعدي، بصورة علنية، على حق طائفة مؤسسة للكيان اللبناني، من خلال الإجحاف في تمثيلها داخل الحكومة»، معتبرا ان «خفض نسبة تمثيلهم إلى النصف في حكومة من 18 وزيرا، التي يصر بعض المعنيين عليها، من خلال التحجج بحكومة اختصاصيين، هي فعليا لا تمت إلى مبدأ الاختصاص ولا إلى الميثاقية بصلة، بل نراها حكومة كيدية بامتياز تهدف إلى تحجيم الدروز عبر إلغاء التنوع السياسي الدرزي». ودعا اللقاء لاعادة النظر بالنظام اللبناني حوار وطني عام، حوار لبناني ـ لبناني.

وقالت مصادر اللقاء لـ«الديار» ان ما صدر عنه وان كان ليس جديدا الا انه تنبيه من السير بأي لحظة بانقلاب على طائفة برمتها من خلال حصر تمثيلها بوزير وحزب واحد. وأشارت الى ان «الخطوات التصعيدية ستكون مدروسة وفي وقتها وعلى مراحل، في حال تشبث الحريري بحكومة الـ 18 وزيرا التي لا يتحدى بها الرئيس عون حصرا انما اكثر من مكون لبناني».

حراك ديبلوماسي 

وعلى وقع الحراك الدولي سواء في باريس او موسكو الدافع باتجاه تشكيل الحكومة، لفت يوم أمس حراك دبلوماسي داخلي بعد اشهر ارتأت فيها البعثات الديبلوماسية والسفراء تقليص نشاطهم الى حدوده الدنيا. فزارت السفيرة الفرنسية آن غريو بكركي غداة زيارتها السفير السعودي وليد البخاري. كما زارت السفيرة الاميركية دوروثي شيا رئيس الكتائب سامي الجميل الذي نبّه بعد اللقاء من ان «لبنان على حافة انفجار اكبر، لأن الانهيار حصل والانفجار آتٍ في اي لحظة عندما ينتهي احتياط مصرف لبنان وعندما يتوقف الدعم». واعتبر ان «تصرّف المواقع الدستورية في البلد ليس على مستوى التحدي، وكأنهم لا يشعرون بالناس وهم يقومون بحسابات صغيرة وبيانات وبيانات مضادة وهذا الصراع غير مفهوم».

من جهته، استقبل الرئيس عون، النائب السابق امل أبو زيد الذي اطلعه على نتائج الزيارة التي قام بها أخيرا الى موسكو والمحادثات التي أجراها مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والتي تناولت الأوضاع في لبنان، وموضوع اللقاح الروسي «سبوتنيك» ضد وباء «كورونا»، مشيرا الى أن الجانب الروسي أبدى استعداده لتقديم هبة من هذا اللقاح الى لبنان. وأوضح أبو زيد ان البحث مع بوغدانوف تناول أيضا الوضع السياسي الداخلي عموما، والوضع الحكومي. وكان بوغدانوف قد اتصل اول من امس بالحريري وجنبلاط، ما يؤكد، بحسب مصادر معنية، وجود دور روسي ما مساعد للفرنسيين في عملية تعويم مبادرتهم مجددا والدفع باتجاه تشكيل حكومة في لبنان بأسرع وقت ممكن. وقالت المصادر لـ«الديار»: «الجو الدولي مسهل جدا لعملية الولادة الحكومية، لكن كل الانظار شاخصة على الموقف السعودي الذي سيتبلور بعد زيارة الرئيس الفرنسي الى الرياض».

وبدل ان تنصرف القوى السياسية على الاسراع بمد العائلات الاكثر فقرا بالمساعدات اللازمة، انشغل النواب يوم أمس مجددا بجدل دستوري لا يعني اللبنانيين بشيء حول عدم تمرير مشروع القانون الرامي الى طلب الموافقة على ابرام اتفاقية قرض بين لبنان والبنك الدولي للانشاء والتعمير لتنفيذ المشروع الطارئ لدعم شبكة الامان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد 19 والازمة الاقتصادية والذي من المفترض ان يحصل لبنان على اثره على 246 مليون دولار، عبر مجلس الوزراء. وشهدت الجلسة النيابية المشتركة للجان المال والموازنة والصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، أخذا وردا خلال دراسة المشروع بعد تسجيل ملاحظات من بعض الكتل النيابية حول طريقة تحويل هذا المشروع الى مجلس النواب عبر موافقة استثنائية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب من دون المرور بمجلس الوزراء مجتمعا واعتبروه «مخالفة دستورية». وذهب بعض النواب أبعد من ذلك منتقدين ما أسموه «إذعانا لشروط البنك ما يعدّ تخلياً عن السيادة»، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مصير المشروع وما اذا كان سيتم تمريره او يسقط في الهيئة العامة. واستبعدت مصادر نيابية في حديث لـ«الديار» أن تجرأ اي كتلة على اسقاط المشروع لأنها ستتحمل عندها المسؤولية امام 60% من اللبنانيين يفترض ان يستفيدوا من اموال القرض، مرجحة ان يكتفي هؤلاء بـ«تسجيل ملاحظات للظهور بموقع الحريص على العمل الدستوري وعلى السيادة اللبنانية».