احتاج مصرف لبنان لنحو شهر كي يجيب على كتاب وزارة المالية المتعلّق بالأسئلة التي سألتها شركة «ألفاريز اند مارسال»، في إطار تقييمها للظروف التي أعاقت، والتي يمكن أن تعيق تأديتها لمهمة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وأنشطته. وبناء على هذه الإجابة، ستقرر الشركة إما الموافقة على طلب الوزارة استكمال العقد الموقّع معها للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، أو الإصرار على اعتذارها.
كتاب «المالية» أرسل إلى المصرف في 18 كانون الثاني، ولكن حتى نهاية الشهر لم تكن الإجابة قد وصلت. ولذلك عاد وزير المالية وراسل المصرف مجدداً، في الأول من شباط، طالباً الإجابة، بأسرع وقت ممكن، على تساؤلات الشركة التي «تتعلق بالناحية العملية لمهمة التدقيق الجنائي والقيود المحتملة لتنفيذ هذه المهمة». مصادر في المصرف بررت التأخير في عرض سلامة للموضوع على المجلس المركزي بانشغاله سابقاً بالقضايا المرفوعة ضده في سويسرا وفي لبنان.

العقد مع «الفاريز» يكفل سرية المعلومات «غير المتاحة للعموم» (هيثم الموسوي)

بالنتيجة، تسلمت وزارة المالية، أمس، الإجابة التي لم تزد على سطرين عملياً. لم يقدم المصرف إجابات واضحة على الأسئلة المحددة التي سبق أن سألتها الشركة، لكنه اكتفى في إجابته، التي بنيت على قرار المجلس المركزي المنعقد في 10 شباط، بتأكيد «التزام مصرف لبنان بكامل أحكام القانون رقم 200 تاريخ 29/12/2020 وتعاونه مع شركة الفاريز أند مارسال إيجابياً بالنسبة للأسئلة الأربعة المطروحة». عند هذا الحد انتهى الرد على مضمون كتاب وزير المالية، قبل أن ينتقل المصرف المركزي إلى الإسهاب في تحذيره من التسريبات. وقال إن على الشركة المعنية الالتزام بالموجبات التي تفرضها القوانين ومعايير الـGDRP على البيانات والمعلومات التي قد تستحصل عليها، والحماية اللازمة لهذه المعلومات وتحديد مكان وطرق تخزينها وتلفها عند الانتهاء منها.
كما استعاد المصرف «واقعة تسريب قائمة المعلومات التي حصلت عليها الشركة من المصرف المركزي في السابق في الصحف العالمية» (Forbes)، ليشدد على «ضرورة عدم استعمال هذه المعلومات إلا من قبل من له الصفة بذلك، وضمن الشروط وللغايات التي أعطيت من أجلها، وعدم مشاركة هذه البيانات مع أية جهة داخلية أو خارجية باستثناء الجهة التي تعاقدت معها حصراً». وبالتالي، أعلن المجلس المركزي، في ختام كتابه الجوابي، «رفع مسؤوليته عن أي ضرر ينتج من جراء تسريب معلومات من الشركة أو وزارة المالية».
مصادر متابعة استغربت تركيز المصرف على مسألة التسريب وحماية المعلومات. واعتبرت أن ذلك لا يحتاج إلى تأكيد. فالعقد الموقّع مع الشركة، ولا سيما في البند الثامن منه، يشير بوضوح إلى أن على «ألفاريز» أن تحافظ على سرية كل المعلومات والمستندات غير المتاحة للعموم التي تحصل عليها من وزارة المالية أو المصرف المركزي. كما يجب عليها أن تحتفظ بهذه المعلومات داخل الأراضي اللبنانية، ولا يحق لها تحويلها إلى الخارج أبداً.
وعليه، يذكّر المصدر بأن ما سرّب في السابق لم يكن مرتبطاً بمعلومات عن الحسابات، ولا بالمعلومات الخاصة بالمصرف، بل بطريقة تعامله مع الأسئلة المقدّمة من الشركة. وبالتالي تساءل المصدر عن الغاية من إسهاب المصرف في كتابه بإبداء القلق من التسريبات، وهو ما يعالجه العقد بوضوح، مقابل الاكتفاء بالإشارة إلى «التعاون الإيجابي» عندما يتصل الأمر بالأسئلة التفصيلية والمحددة للشركة، من دون أن يتضح مدى هذا التعاون. فهل سيوافق المصرف، على سبيل المثال، على السماح للشركة بالدخول إلى أنظمة التدقيق المحاسبي للمصرف؟ وهل سيوافق على تسليم المعلومات المتعلقة بهيكليته وعمله التنظيمي وقواعد الحوكمة المعتمدة لديه؟إلى ذلك، أكدّت مصادر وزارة المالية أن الوزارة ستعمد، «بين اليوم والغد»، إلى إرسال رد مصرف لبنان إلى شركة «ألفاريز»، التي يفترض أن تعود إلى الوزارة بقرارها النهائي.
وفي هذا الصدد، لفتت مصادر مطّلعة إلى أنه طالما أفتت هيئة التشريع والاستشارات بأن التوازي في التدقيق بين مصرف لبنان والمؤسسات والإدارات العامة الأخرى لا تعني التزامن في التدقيق بل هو خضوع الحسابات للتدقيق بطريقة متشابهة، وطالما أن التدقيق في المؤسسات الأخرى يحتاج إلى قرار مجلس الوزراء، وطالما أن مجلس الوزراء سبق أن أصدر قراراً للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، فإن بإمكان الشركة، في حال عودتها، بدء التدقيق فوراً في مصرف لبنان، ومن دون تعديل العقد أو انتظار بدء التدقيق في المؤسسات الأخرى. وفيما اعتبر البعض أنه حتى لو تم التسليم بذلك، فإن العقد يحتاج إلى التعديل في شقه المالي، على اعتبار أن التدقيق سيشمل حسابات المصارف والمؤسسات الخاصة المفتوحة في مصرف لبنان، فإن مصادر قانونية مطلعة على العقد تؤكد أنه في صيغته الحالية يشمل كل الحسابات المفتوحة لدى المصرف المركزي، والتي أسقط قانون تعليق العمل بالسرية المصرفية كل الحجج التي ساقها المصرف لإعاقة التدقيق فيها.