الحدث

هل يتغيّر مشهد المصارف في الاسبوع المقبل؟

أنطوان فرح-الجمهورية

 

28 شباط، ليس مجرد موعد يتحدّد معه مصير القطاع المصرفي، بل محطة للتذكير بالمصير الذي يمضي نحوه البلد بخطى سريعة، وكأنّ من في يده القرار يستعجل الهبوط نحو أعمق قعرٍ ممكن، وفي زمن قياسي غير مسبوق.

اسبوع واحد يفصلنا عن موعد انتهاء المهلة المعطاة الى المصارف للالتزام بمندرجات التعميم الاساسي والتعاميم الوسيطة التي تهدف الى إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

في هذا الوقت، يحتدم النقاش وترتفع وتيرة التكهنات، بين من يؤكّد انّ المهلة لن تُمدّد، ومن يجزم بأنّها ستُمدّد قسرياً، بقوة القانون الذي أقرّه مجلس النواب (تمديد المهل). في حين يرى آخرون انّ التمديد سيكون بقوة الامر الواقع، لأنّ لا مصلحة لأحد في إسقاط مصارف لا تزال قادرة على الصمود والاستمرار في هذا التوقيت، فذلك سيكون بمثابة انتحار أو جريمة موصوفة في حق المودعين، وكل اللبنانيين.

الأمر الواقع هنا، لا يتعلق بعجز مصرف لبنان في الظروف الحالية عن تسلُّم مفاتيح مصارف عدة في وقت واحد لإدارتها وإعادتها لاحقاً الى السوق، بل أيضاً في أنّ لا مصلحة لأحد برفض التمديد، طالما أنّ النية في الالتزام موجودة، وقد تحتاج الى فترة اضافية للتنفيذ. وهذا الأمر قد يشمل مصارف كبيرة، أنجزت عمليات بيع كافية لتأمين الاموال الضرورية للالتزام بقرار اعادة الهيكلة، لكن اجراءات نقل الملكية وما يرافقها قبل ان تصبح الاموال مُحرّرة وجاهزة للاستخدام، قد يحتاج الى وقت اضافي يتجاوز 28 شباط الجاري، وبالتالي، من البديهي منح وقت اضافي لهذه المصارف للالتزام بالوضعية الجديدة المطلوبة.

لكن، وفي هذه المعمعة، يغيب عن البال، انّ النقطة الساخنة في هذا الملف لا ترتبط بالمِهَل وتمديدها، بل في تحقيق الهدف الذي من أجله صدر التعميم، أي «إعادة تفعيل نشاطات وخدمات المصارف المعتادة لعملائها، بما لا يقلّ عمّا كانت عليه في تشرين الاول 2019». فهل هذا الهدف واقعي في حال تبيّن انّ المصارف نجحت في الإلتزام بمندرجات التعميم في 28 شباط الجاري؟

من يتابع عمل المصارف في هذه الحقبة يدرك عمق الأزمة، ويدرك انّ الخطورة الحقيقية تكمن في تبذير الوقت من قِبَل الدولة. في العام 2019، وهو العام الذي شهد في نصفه الثاني ظهور مؤشرات واضحة للأزمة التي تدرّجت صعوداً، وصولاً الى اعلان ما يشبه الكابيتال كونترول الذاتي وغير المقونن، بسبب تعذّر إصدار قانون، كانت المصارف، أو بعضها، لا تزال قادرة على تحقيق ارباح. اليوم، وبعد مرور اكثر من عام على الأزمة، سوف تعلن المصارف بدءاً من الشهر المقبل نتائج العام 2020، وسيتبيّن انّها تعرّضت لخسائر جسيمة قد يقضي مجموعها على نسبة عالية من الزيادة في الرساميل التي قرّرها مصرف لبنان، (حوالى 4 مليارات دولار). واذا تواصل تبذير الوقت قبل إقلاع خطة الإنقاذ، ستكون أرقام 2021 مُفجعة، وسنكتشف انّ الثقب الاسود إلتهَمَ نسبة مرتفعة من رساميل المصارف التي يُفترض في الأساس ان تُستخدم في اطفاء قسم من الخسائر ضمن خطة الإنقاذ.

هناك اسباب عدة لارتفاع خسائر المصارف من أهمها انّها فقدت وظيفتها الأساسية في تمويل الاقتصاد والإنفاق. على سبيل المثال، نجحت المصارف خلال 2020 في تحسين دفاترها ومخاطرها المستقبلية من خلال خفض محفظة ديون القطاع الخاص لديها من حوالى 52 مليار دولار الى 35 مليار دولار، من خلال تشجيع المقترضين على سداد ديونهم بواسطة البيوعات العقارية، او الدفع بالليرة لقروض بالدولار على سعر 1500. لكن ذلك لا يعني فقط انّ المصارف نجحت في خفض حجم ديونٍ قد تصبح هالكة وتتحوّل الى خسائر، من خلال نقلها الى خانة المطلوبات (liabilities)، بل يعني ايضاً انّ الارباح التي كانت تجنيها المصارف من فوائد هذه القروض تراجعت بنسبة 40% تقريباً. في المقابل، خسرت المصارف الفوائد على «اليوروبوندز»، كما أنّها مضطرة الى حجز مؤونات بنسبة 45% على محفظتها من السندات الدولارية، بما يساوي حوالى 5 مليارات دولار. بالإضافة الى حوالى مليار دولار مؤونات على توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان. وبالتالي، أصبحت ايرادات المصارف محصورة في الفوائد على ما تبقّى من ديون للقطاع الخاص، والفوائد التي لا يزال مصرف لبنان يدفعها لها لقاء توظيفاتها لديه. كل ذلك يشير الى انّ الخسائر في 2021 ستكون اكبر بكثير من خسائر 2020، ولن يبقى من الرساميل الكثير لاستخدامه لاحقاً في اطفاء خسائر.

في الموازاة، لا تدخل الى المصارف ودائع جديدة برغم بعض التحفيزات. وهناك توجّه لدى قسم من اللبنانيين الى فتح حسابات مصرفية في قبرص، رغم انّ الجزيرة الصغيرة خرجت قبل فترة من أزمة مالية صعبة مرتبطة بالأزمة اليونانية. وفي السياق، لا بدّ من الإشارة الى انّ قبرص التي قُدّرت خسائرها في الأزمة اليونانية بحوالى 17 مليار دولار، طُلب منها لتسريع عملية الإنقاذ والخروج من الأزمة، تنفيذ هيركات تحت تسمية ضريبة لمرة واحدة، بنسبة 6,75% على الودائع التي تبلغ قيمتها 100 الف يورو وما دون، ونسبة 9,9% على الودائع التي تفوق قيمتها الـ100 الف يورو.

فهل يمكن تصوّر نسبة الضريبة (هيركات) التي سيُطلب من لبنان فرضها، اذا كانت تقديرات حكومة حسان دياب للخسائر في نيسان 2020 وصلت الى حوالى 80 مليار دولار، وزادت اليوم، وفق المفهوم المحاسبي نفسه، الى حوالى 100 مليار دولار؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى