الحدث

الأميركيون: كبح الأزمة مقابل “التزامات سياسية”

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

بات الحديث عن الدولار وأسعاره الصاعدة والهابطة وتحوّلاته الآخذة بالتضخّم إزاء الليرة مُمِلّاً جدا،ً إلى درجة ينتابنا منها القَرَف أحياناً، طالما أن الجحود الشعبي و”القَحط” في المبادرات، هما المسيطران على أحوال الرعية. والناس لا عزاء لها سوى “النَّق” عبر وسائل التواصل، بينما الشارع متروك كفريسة لعسلان الفلوات من الأحزاب الصدفة. المثير للقلق، والذي ينمّ عن حالة غير صحية، ذلك الجفاف الثوري المستحوذ على الجماهير، وكأنها تبدو قد طبّعت أو تطبّعت مع الوضع الراهن، في تطبيق حرفي لنبوءة “بكرا بيِتعَوَّدوا”.

عند هذه الحالة لن يجد الدولار أمامه حواجزاً لتخطّيها، ما المانع؟ قد يصل غداً إلى 15 ألفاً وربما 20 أو 30 أو 45 ألفاً كما توقّع الأميركيون ذات مرّة، ولا ريب في حدوث ذلك طالما أن لا معايير أو مؤشّرات إقتصادية واضحة، تتكفّل أن تشرح لنا بالضبط لأي سبب يرتفع هذا اللعين، كمثل غياب معيار الشارع الذي لا يتحرّك إلا بناءً على التعليمة أو نصرة للزعيم أو على مبدأ “يا غيرة الدين”.

وها هم الأميركيون يبشّروننا بالأصعب. فمساعد وزير الخارجية السابق ديفيد شينكر رجّح في أحدث خطاباته الإلكترونية أن يزداد الوضع في لبنان سوءً، جازماً أنه “لا يمكن لواشنطن أن تُخرج لبنان من أزمته من دون أن يقوم القادة اللبنانيون بذلك”. وفصل الخطاب في هذه الحالة يقوم على مستويين: الأول، توقّعات بأن يستمرّ الإنهيار وبوتيرة سريعة، والمؤشّر إلى ذلك سعر صرف الدولار الذي فلت من عقاله غداة كلام شينكرالسبت، ووصل إلى مستوى 13,000 ليرة، قبل أن يقفز أمس الإثنين إلى 14,000، ما يشير إلى تأثير أميركي سلبي على سعر الصرف ولو بشكل غير مباشر يضاف اليه عوامل داخلية أخرى لا تقل شأناً. والثاني، تلميح إلى أن تحرّك واشنطن، في حال حصل، لا بد أن يأتي مربوطاً بإجراءات لا بد للقادة اللبنانيين من اتخاذها، وتلك الإجراءات من وجهة النظر الأميركية، وفي عودة إلى ما طلب سابقاً، تغدو واضحة، وتبدأ بتخفيض منسوب تأثير “حزب الله” في السياسة، وتطويق عهد ميشال عون بوصفه أداةً سياسية للحزب، و “تشحيل” أغصان الحزب في الإدارة والسياسة ومختلف القطاعات، وسلبه كل الإمتيازات السياسية التي حظيَ بها.

وبهذا المعنى، سيدوم الحصار الدولي الذي يتحمّل في جزء عريض أسباب ما نعانيه من انهيار، إلى جانب المساهمات الداخلية المجانية، التي تبدأ بأدوار المصارف وبعض الصرّافين ومن خلف ظهورهم من سياسيين، ولا تنتهي عند ماكينة سياسية تعمل على توفير عوامل زعزعة الإستقرار، وتسويق عوامل القلق، وتقطير التخويف تمهيداً لتوسيع رقعة زيت الأزمة.

وهنا، يحضر حديث مرجع سياسي لـ”ليبانون ديبايت”، كمؤشر إلى أحوال الأيام المقبلة. فالدولار يتّجه صعوداً في ظل محدودية الكميات المتوفّرة في السوق، ولجوء الصرّافين إلى التمنّع عن بيع ما في حوزتهم من عملة، وبدء فقدان المواد المدعومة من السوق ورفض مصرف لبنان توفير أي دولار لقاء تأمين النقص، ومسعى “تكتل لبنان القوي” إلى تأمين مليار ونصف مليار ليرة لـ”حفرة الكهرباء” على السعر المدعوم وعبر اللجوء إلى “الإبتزاز”، أي مليار دولار أميركي “فريش”، إضافة إلى العوامل السياسية السلبية، الداخلية والخارجية، وهي عوامل مجتمعة، يعتقد المرجع، أنها ساهمت في تنشيط تهاوي الليرة أمام الدولار.

وبالتالي، يُصبح حديث السفيرة الأميركية دورثي شيا، الذي راجَ مؤخراً عقب لقائها برئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، حول أن واشنطن لا تمانع مشاركة “حزب الله” في الحكومة، مجرّد “كلام فارغ”، وإلا، لماذا ما زال الرئيس سعد الحريري متأخراً في التأليف؟

آخر أنباء بورصة المبادرات، حديث عن نسخة جديدة يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري في طور إنجازها، تقوم على قاعدة توسيع الحكومة إلى “عشرينية”، أي بزيادة وزيرين درزي وكاثوليكي، فيما يبقى معمولاً بقاعدة التبادل والتشارك بين الرئيسين عون والحريري في وزارتي الداخلية والعدل قائماً.

هذه الخطوة، كما صرّحت مصادر مطلعة لـ”ليبانون ديبايت”، تجري مواكبتها من أطراف أساسية عدة، تبدأ بالحزب ولا تنتهي بالحزب التقدمي الإشتراكي، الذي التقى رئيسه وليد جنبلاط الرئيس المكلّف بعد ظهر أمس في بيت الوسط، وقد زفّ إليه خبر اتفاقه مع رئيس “الحزب الديمقراطي” النائب طلال إرسلان، على توسيع الحكومة إلى 20.

وهنا، يعمل جنبلاط على محاولة إقناع الحريري بالخطوة على قاعدة ما يمتلكه “البَيك” من مشاعر سلبية حيال الأزمة الراهنة، وإمكان تحوّلها إلى “زوبعة أمنية” قد لا ينجو منها أحد!

ومع أن رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان سبق له وأن أودع موافقته على خمسة زائداً واحداً من الوزراء في حكومة من 18، لدى اللواء عباس ابراهيم قبل أن يجمّد الأخير العمل في مبادرته إزاء تمنّع بيت الوسط عنها، ما زال يُشكّك في نوايا الحريري.

وتشاركه في ذلك أطراف سياسية أخرى، نسبة إلى توافر معلومات لديه حول أن رفض الحريري “الصيغة الإبراهيمية”، أتى على قاعدة عدم أحقّية الرئاسة في معادلة 5+،1 لكون “التيار الوطني الحر” قد أعلن رفضه منح الثقة للحكومة، وبالتالي، يحق للرئيس 3 وزراء فقط، وهنا، فهمت بعبدا أن الحريري في وارد “شَفط” 3 مقاعد مسيحية باقية في التشكيلة “الثمنطعشية” من درب الرئيس وتجييرها إلى نفسه، طالما أن الأحزاب المسيحية الأخرى قد سبق لها وأن أعلنت عدم رغبتها بالمشاركة في الحكومة.

زِد على ذلك، أن القصر نبتت لديه خشية أخرى من وراء طرح الصيغة “العشرينية” في ضوء احتمال أن يرمي الحريري إلى زيادة حصته من الوزراء المسيحيين، عملاً بقاعدة التشارك في تسمية الوزير الكاثوليكي الثاني، فيصبح الحريري عندها يحوز على ما هو أكثر من ثلث!

أمام ذلك، تتفرّغ بعض أجهزة الأمن في ملاحقة الصرّافين بتهمة التلاعب بسعر صرف الدولار، حيث يرد هؤلاء بالتمنّع عن تسليم بضاعتهم، ما يعني مزيداً من الإرتفاع، فيما تحتجب عن تولّي أي دور تجاه المؤثرين الفعليين واصحاب القدرة على التلاعب بسعر الصرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى