أحد الوزراء المعنيين، حين يُسأل عن الإجراءات التي ستتخذها السلطة لمواجهة الوضع الراهن، يجيب: رياض سلامة ليس هنا! وسلامة نفسه الذي تحوّل إلى «شاهد ما شافش حاجة»، لا يزال محميّاً. والحماية على ما يقال ليست شخصية بل لمصلحة البلد! فالرئيس نبيه بري نفسه سبق أن أعلن، في نيسان 2020، أن إقالة سلامة سترفع الدولار إلى 15 ألفاً! طبعاً إذا طولب أيٌّ من داعمي حاكم مصرف لبنان بموقف من الوضع الراهن، لن يتوانى عن الإشارة إلى أنه لو أقيل «حامي الليرة» لوصل سعر الدولار إلى 30 ألف ليرة أو 50 ألفاً. بهذا المعنى يصبح السؤال عن مصير التدقيق الجنائي ترفاً. فالحريصون على عرقلة التدقيق نجحوا فعلاً في تحويل الأنظار عن كشف السارقين ومحاسبتهم، ببساطة لأن لا قضية تعلو على أولوية تأمين لقمة العيش، التي أخذت أمس منعطفاً خطيراً. مع ذلك، يبقى التدقيق الجنائي، بالنسبة إلى كثيرين، المدخل الحقيقي للإصلاح وكشف مصير أموال اللبنانيين التي هدرت بين مصرف لبنان والمصارف والمستفيدين من السياسيين.
شركة «ألفاريز أند مارسال» لا تزال تنتظر رد مصرف لبنان، بعدما اعتبرت أن ردّه الأول على أسئلتها، والتي اكتفى فيها بالإشارة إلى أنه سيتعاون إيجابياً بشأنها، لم تكن كافية. ولذلك، أبلغت وزير المالية، في 28 شباط، أنها لم تحسم أمرها بشأن استمرارية عقدها مع الدولة اللبنانية. كما أشارت إلى أنها يمكن أن تعيد النظر في قرارها إنهاء العقد فقط عندما تحصل على أدلة ملموسة تثبت أن المصرف سلّمها الأجوبة عن الطلبات التي تضمنتها قائمة المعلومات التي سبق أن قدمتها له أثناء تنفيذ العقد، والتي لم يُجب سوى عن جزء يسير منها.
طالما لم يأت رد مصرف لبنان، فإن التدقيق الجنائي لن يبصر النور، أو بشكل أدق لن يُستكمل. وقد مرّت 4 أشهر من مدة السنة التي حدّدها مجلس النواب لرفع السرية المصرفية عن الحسابات في مصرف لبنان، من دون أي تقدم.
لا يزال التدقيق في مرحلته الأولى. هل توافق «ألفاريز» على استكمال العقد أم ترفض؟ لكن إلى جانب ذلك، فإن معركة سياسية تُدار بكل الأسلحة. فريق رئيس الجمهورية متمسك بالتدقيق الجنائي حتى النهاية، لأنه يدرك أن خصومه متورطون في عمليات مشبوهة، أو على الأقل غير واضحة، وهؤلاء يرفضون التدقيق للسبب نفسه. هم لا يريدون كشف شبكة المصالح السياسية المالية التي كان رياض سلامة محورها.
تحت هذا العنوان تندرج مسألة «التوازي في التدقيق» التي أدخلت إلى نص الاقتراح أثناء مناقشته في مجلس النواب. فتلك عبارة لم تسهم سوى في عرقلة التدقيق أو إضافة الغموض إليه، بما يُعزز هامش المناورة للفريق المتضرر.
مع ذلك، فإن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل سعت إلى حسم الموقف سريعاً. وبناءً على طلب رأي من قبل وزارة المالية، أفتت بأن التوازي لا يعني التزامن، بل يعني خضوع الحسابات للتدقيق بطريقة متشابهة.
كان بديهياً، في إطار الحرب غير المعلنة الدائرة بشأن التدقيق، أن يرفض حزب المصرف التسليم بهذه النتيجة. ولذلك، سارع عدد من النواب إلى توجيه سؤال إلى الحكومة يعتبرون فيه أن «محاولة البدء بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان وحده دون عطفه على هذه الوزارات من شأنه تفريغ التدقيق الجنائي لدى مصرف لبنان من مضمونه، لأن التدقيق في حسابات المصرف لن يكون له النتيجة المتوخّاة إذا لم يتم ربطه بتدقيق بالتوازي والتزامن مع التدقيق لدى الوزارات والإدارات، وهذا أمر بديهي».