الحدث

الثنائي الشيعي ووحدة الوجود

لينا وهب

جنوبيات

يدرك الثنائي الشيعي في لبنان أن لكل منهما أجندته السياسية وتحالفاته التي يحترمها كل منهما بغض النظر عن نقاط الاختلاف فيها، حيث ما يجمعهما من نقاط الالتقاء أهم بكثير، ومرتبط باستمرار نفوذ وقوة وحضور كل منهما سياسياً ومجتمعياً، وهذا ما يبدو جلياً عند كل استحقاق سياسي وعند كل قضية مركزية وعلى وجه الخصوص في القضايا الوطنية والقومية.

ولكن قبل الخوض في الحديث عن الحاضر وقبل التفكير باستشراف المستقبل، لا بدّ من استحضار الماضي وقراءة التاريخ والتدقيق بالأحداث المفصلية التي حدثت خلال فترات زمنية معينة بوعي لفهم كيف عمل ولا يزال يعمل الغرب على التقسيم وزرع الفتن وبث التفرقة بين أبناء العرق الواحد والبلد الواحد والطائفة الواحدة.

قراءة الماضي وأخذ العبر

هنا لا بد من التذكير بعدد من الاتفاقيات الدولية المفصلية التي غيرت وجه العالم السياسي والجغرافيا والديمغرافي.

من اتفاقية سايكسبيكو المشهورة عام ١٩١٦ والتي قسمت بلاد الشرق الأوسط من التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا، إلى وعد بلفور عام ١٩١٧ الذي مدّ اليهود بالدعم السياسي لاحتلال فلسطين، ثم اتفاقية سان ريمو التي أسقطت نهائياً ما كان يسمى بمملكة الشام العربية وضربت بعرض الحائط مقررات المؤتمر السوري في دمشق عام١٩٢٠ الذي عقد من أجل المحافظة على مركزية القرار ووحدة بلاد مملكة الشام، وبالتالي ثم نشأة دولة لبنان الكبير المبني على أسس الطائفية من خلال فصل لبنان جغرافياً وديمغرافياً وسياسياً عن سوريا للسيطرة غربياً على هذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي بسهولة، والتحكم بالمنطقة بما يخدم اليهود والغرب..وطبعاً كانت تركيبة لبنان الطائفية التي شكلتها فرنسا ديمغرافياً ودستورياً وسياسياً أثناء الانتداب الفرنسي لا تزال إلى اليوم أساس الفساد في لبنان، وهذا سبب ما يشهده لبنان اليوم من أزمة اقتصادية واجتماعية ومعضلات سياسية كلما كان هناك استحقاقات كبيرة ومنها تشكيل الحكومة.

وبالحديث عن الاتفاقيات، لا ينسى التاريخ أيضاً اتفاقية أنجلو للنفط التي أعطت الشرعية لنهب 25٪ من النفط العراقي لصالح فرنسا، واتفاقيات أخرى مماثلة كثيرة طمست الوجه الحضاري والثقافي للدول العربية، وأدت إلى سلب الخيرات والموارد العربية وخصوصاً الشرق أوسطية منها من غير وجه حق.

فكل من الاتفاقيات الآنفة الذكر، كانت سبباً في الحياة السياسية المتناحرة الأقطاب التي نعيشها اليوم، ولذلك لا يمكن للشعب اللبناني تصديق بأن أيًّ من فرنسا أو أميركا أو أي من دول الغرب أن تترك لبنان وشأنه من دون تدخلات أو ضغوطات بما يصب ضمن مصالحها في الشرق الأوسط.

الثنائي الشيعي ووحدة الوجود

على ضوء ما سبق، أدرك الثنائي الشيعي في لبنان بالتجربة أنه جزء من تركيبة لبنان الطائفية منذ النشأة، شاء من شاء وأبى من أبى، وإن أي اختلاف داخل ما يسمى البيت الشيعي هو إضرار بمكتسبات الطائفة في الدولة على مختلف الأصعدة.

ومن جهة أخرى، إن التنسيق والاتفاق يحمي المقاومة اللبنانية وبالتحديد المقاومة الشيعية من حركة أمل وحزب الله وقاعدتهما الشعبية.

واليوم أكثر من أي وقت مضى يؤمن كل من حركة أمل وحزب الله، بأن الترفع عن الاختلافات الصغيرة والحسابات الشخصية الضيقة يخدم الحق الوجودي للمقاومة والحق الشيعي على أراضيهم وبعزة وكرامة.

وعلى الرغم من الأرواح التي زهقت وقتها على يدي أبناء الطائفة الواحدة، وما ولد ذلك من حقد دفين لربما عند بعض أهالي الشهداء، إلا أن جميعهم علموا لاحقاً بأن أي فتنة أو إنقسام بين الشيعة من شأنه إلحاق الضرر بالمقارنة والموجود والمكتسبات الشيعية في لبنان نظراً لواقع تركيبة لبنان القائم على التوزيع الطائفي ديمغرافيا وسياسياً.

هذا الاتحاد الثنائي الشيعي لطالما كان عنصراً مهماَ وداعماً في انتصارات المقاومة اللبنانية المتعاقبة، والتي أعزّت أبناء الطائفة الشيعية وكل لبنان، وحفظت وجودهم القوي في الشرق الآوسط وكراماتهم.

فالشيعة تنبّهوا بأن نقطة الضعف تبدأ من الانقسام، وبأن العدو يعمل على مبدأ مقولة فرق تسد لاحتلال الأوطان واستعباد أهلها وسرقة الخيرات والمكتسبات، فحاربوا نقطة ضعفهم وكان كل منهم مجاهد في فرقة جهاد الاتحاد وعدم الانقسام حيث أن هذا الاتحاد هو الضامن الأساس لوجود واستمرار كلا الطرفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى