الحدث

بكركي – حزب الله والبدائل الكيانية! من الصياغة التاريخية إلى المصير الغامض

اللواء

السؤال الكبير: هل لبنان، الدولة، الصيغة، العقد الاجتماعي (الميثاق) في خطر؟
الجواب: نعم ولا!
في الإجابة نعم أن كل ما يجري يؤشر على أن صيغة الحكم في لبنان الكبير، ليست فقط معرضة للاهتزاز، بل هي أيضاً، غير قابلة لإصلاح «ذات البين» مما يجعل التآكل سيّد اللعبة، ويخضع الجغرافيا، التي يُطلق عليها اسم لبنان الكبير من النهر الكبير إلى أبواب فلسطين، وقمم لبنان الشرقي، وفقاً لإعلان الجنرال غورو في أوّل أيلول 1920، إلى أسئلة، تتعذر الإجابة عليها، بمعزل عن الاضطراب الجغرافي في عموم الشرق الأدنى، من البصرة في  العراق إلى بصرى الشام، وإدلب، وجغرافيا التجمعات العسكرية الإقليمية والدولية من الميليشيات المنضوية تحت «العلم الفارسي» إلى تلك المنضوية تحت العلم التركي، فضلاً عن الروس والاميركيين والألمان والفرنسيين والإنكليز..
مسألة الكيانية بالمفهوم الجغرافي، خاضعة لحسابات صراعات النفوذ والمصالح، على الأرض، من زاوية ديمغرافيا المذاهب والطوائف، ومصادر الثروة الدفينة أو العائمة، من المياه إلى أشعة الشمس، ومصادر الطاقة البديلة، هكذا يصبح بعض الشمال اللبناني امتداداً لأنقرة رجب طيب أردوغان، الطامح لاستعادة أمجاد سلاطين بني عثمان، بعد تصفية حسابات مع علمانية مصطفى كمال أتاتورك.. وهكذا يصبح البقاع اللبناني، بإمتداداته من الضاحية إلى الجنوب شمال وجنوب نهر الليطاني، بما فيه شاطئ بحر الشام (صور) امتداداً، ليس لنظام سوريا الأسد، أو سوريا البعث، بل امتداداً لنظام «العمائم السوداء» في نظام ولاية الفقيه، الذي يبسط نفوذه، على طول مساحة الامتداد المذهبي للمسلمين، الذين يوالون الإمام علي بن أبي طالب، وذريته من بعده.. بكل الملل والنحل المتشكلة من الزيدية إلى الاسماعيلية والعلوية، وصولاً إلى الكتلة البشرية الأكبر الإمامية..
في الجو المحموم، الذي أعقب إعلان دولة لبنان الكبير، عقد المؤتمر السوري جلسة أعلن فيه احتجاجه على هذا الإعلان الموسع للحدود على حساب الأراضي السورية، ومنها الأقضية الأربعة (حاصبيا – راشيا – بعلبك – المعقلة).
وفي مطلع ت1 1920، سارت في العاصمة دمشق تظاهرة شعبية نظمها النادي العربي، تأييداً لقرار المؤتمر السوري، فطافت دور القناصل الأجنبية، وقدمت لها احتجاج الأمة على إعلان لبنان الكبير. (يوسف الحكيم، سوريا والعهد الفيصلي، ص 112)
الوضع اليوم، مختلف من الناحية الكيانية، مصير الجغرافيا السورية على المحك، مع الضربات الجوية الأميركية والاسرائيلية والروسية والتركية على أراضيها. ليس الخطر الكياني إذا كان ثمة من خطر يأتي من الجانب العربي، فالعرب اليوم، على الأرض، يا حكم، أمة مشتتة، مبعثرة، متناحرة، سائبة الحدود، مع عودة النظام الاستعماري، بشكله القديم، إلى التدخل بكل كبيرة وصغيرة..
ينتسب الخطر الكياني، من زاوية المسيحية الكيانية، إلى ما يمكن وصفه بتدخلات اللبنانيين، أو بعضهم في صراعات المنطقة، إشارة إلى حزب الله، كما ينتسب إلى ما يمكن وصفه في الدول الكبرى إلى توطين جزء من الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، سواء عبر صفقة القرن، التي ذهبت إلى غير رجعة، في السنوات الأربع المقبلة، في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، فضلاً عن دمج أعداد كبيرة من السوريين في المجتمع اللبناني، وهذا ما يحدث على مستوى الاقتصاد، والتعليم، والحياة المشتركة، والزواج، فضلاً عن عمليات التهريب، وما يتصل بها أو بغيرها من جرائم..
ولا ينسي المسيحيون، الإشارة من وقت إلى آخر إلى خطر الطلعات «الجوية الإسرائيلية»..
من الصعب كان، ومن الناحية التاريخية رؤية حدود لبنان الحالية، خارج مصير الوضع السوري.. فبالعودة إلى «حقائق لبنانية – الجزء الأوّل من 280 – 281 – أوراق لبنانية» فإن رسالة رئيس وزراء فرنسا كليمنصو إلى البطريرك الماروني الياس الحويك، والذي شارك في مؤتمر الصلح في باريس في العام 1919، منادياً بالاستقلال اللبناني، كانت واضحة لجهة النقاط التالية:
1- إن الحدود التي سيجري فيها هذا الاستقلال (إعلان استقلال دولة لبنان الكبير)، فلا يمكن تعيينها قبل ان «يقرّر ويحدّد أمر الوصاية على سوريا».
والسؤال، هل هذه واحدة من المسلّمات التاريخية، ذات الصلة لمستقبل لبنان، أي ربط مصيره بمصير سوريا؟
2- كانت فرنسا، التي بذلت كل ما في وسعها سنة 1860 لكي تضمن للبنان أرضاً أوسع، لا ننسى أن حدود المتصرفية (تضييق الحدود) كان نتيجة الضغط الذي رزح تحته لبنان زمناً طويلاً.. في إشارة إلى خضوع لبنان وغيره من بلاد العرب إلى نظام السلطنة العثمانية، وتقسيماتها الإدارية (نظام الولاية).
والسؤال – الجواب، هل يقبل المسيحيون، ومعهم الفرنسيون بالعودة إلى نظام المتصرفية؟ الجواب لا. والمسلّمة أن الكيانية اللبنانية – المسيحية لا تقبل بأقل من لبنان الكبير.. ورفع شعار المساحة 10452 كلم2، على يافطة، في لقاء بكركي عصر السبت الماضي..
3- كان كليمنصو واضحاً في تأكيده للبطريرك الحويك، أن لا مستقبل للبنان الصغير، حتى وإن استمر من دون الزراعة (السهول) والتجارة (الموانئ).. «إن فرنسا، عند تحديد تخوم لبنان ستنظر في ضرورة ان تحتفظ للجبل (نظام المتصرفية) بالاراضي السهلية والمرافئ اللازمة لعمرانه..».
لا يكفي سهل الدامور لعمران الجبل، بل هو بحاجة إلى سهول الموز والليمون من صور إلى صيدا، وإلى سهول الحبوب والخضار من البقاع إلى عكار..
والمسلّمة هو أن لا كيانية لبنانية، بلا مقومات عمران أو حياة..
كان حشد السبت الماضي في بكركي يخلص إلى التمسك بكيانية «لبنان الكبير»، ككيانية جغرافية لضمان مصالح الجماعة المسيحية، ليس بوصفها أقلية، بل بوصفها جماعة مؤسسة للبنان – الكيان، والدولة..
من زاوية ثبات الجغرافيا، تقفز إلى الواجهة، مسألة الميثاق؟ أي كيف تحفظ الجماعة المسيحية مصيرها ومستقبلها؟ هي تدرك ان ذلك لن يكون من غير حفظ مصالح سائر الجماعات المكوّنة للاجماع، المختلف، الذي يُطلق عليه، اصطلاحاً نظام «العيش المشترك».. وهنا بيت القصيد! هل ثمة إمكانية لاستمرار العيش المشترك؟
الإجابة، ملتبسة في لقاء بكركي الحاشد؟ المدعوم فرنسياً، وفاتيكانياً، ودولياً، كاعتراض جماعة كيانية، على أداء جماعة أخرى، باتت كيانية، بقوة الانتماء، والتجربة والتاريخ (شيعة لبنان).
ماذا يعني كلام الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي؟
«وقف الانقلاب» (أي انقلاب) سنواجه الحالة الانقلابية..، سننقذ لبنان (كيف ينقذ لبنان) عبر المؤتمر الدولي.. ما هي شروطه؟ كيف ينعقد؟.
ماذا يعني مطلب الراعي «الحياد الإيجابي الناشط».. ولا تسكتوا عن.. وعن.. وعن..
حزب الله، كأبرز ممثّل للجماعة الشيعية.. قرأ الرسائل من بكركي، أنها تعنيه قبل سواه..
وعليه، بمحصلة بسيطة، على سبيل المعلومات والاستنتاجات، فإن لبنان أمام منعطف الانغماس، في المؤتمرات الدولية الجارية، لإعادة ترتيب وقائع الدول، ومصائر أنظمة الحكم من الشرق الأدنى إلى شمال أفريقيا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى