بالتزامن مع بلوغ الذكرى العاشرة لاندلاع الأحداث في سوريا، والتي سُرعان ما أصبحت أعمالاً حربية دامية، وقبل قرابة شهرين من الموعد المحدَّد لإجراء الانتخابات الرئاسية السورية، تشهد المنطقة حراكاً روسياً ــــ عربياً، يهدف في الجزء الأهمّ منه إلى إنهاء سنوات العزلة العشر التي عاشتها الحكومة في دمشق، منذ تجميد مقعد سوريا في «جامعة الدول العربية» في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وتَتابُع إعلان الدول العربية قطع علاقاتها معها، باستثناء دول قليلة كالعراق ولبنان. ومثّلت «إعادة سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي»، وتحديداً إلى «الجامعة العربية»، المطلب الرئيسي الذي حمَله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في جولته الخليجية في الأيام القليلة الماضية، والتي زار خلالها أبو ظبي والرياض والدوحة.
في الرياض، سمع لافروف موقفاً متناسباً مع المطلب الروسي، إذ أكّد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية الوضع في سوريا، ويمهّد لعودتها إلى «الحضن العربي»، لافتاً إلى أن حلّ الأزمة «يتطلّب توافُقاً بين أطرافها من معارضة وحكومة». وإلى أبعد من ذلك، ذهب الموقف الإماراتي الذي جاء على لسان وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، إذ اعتبر الأخير، أن «عودة سوريا إلى محيطها أمرٌ لا بدّ منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككلّ»، مشيراً إلى أن «التحدّي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر»، مضيفاً إن «إبقاء القانون كما هو اليوم يجعل هذا المسار والأمر في غاية الصعوبة». ومن هنا، شدد على ضرورة فتح حوار مع الإدارة الأميركية. لكن ردّ واشنطن سرعان ما أتى في الاتجاه المعاكس، حيث رأى متحدّث باسم وزارة الخارجية، عبر قناة «الحرة»، أن «الأزمة الإنسانية الشديدة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة نظام الأسد للمساعدات المنقذة للحياة والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية”، وليست بسبب قانون «قيصر»، كما ادّعى. أمّا في قطر، حيث عقد لافروف لقاءً مع نظيرَيه، القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والتركي مولود جاووش أوغلو، فقد سَمع موقفاً فحواه أن عودة سوريا إلى «الجامعة العربية» مشروطة بحدوث تقدُّم نحو الحل السياسي.

تتوجّه موسكو، من جديد، نحو العواصم العربية ذات التأثير في الملفّ السوري، ومن بينها الدوحة، التي على رغم فقدانها جزءاً كبيراً من دورها هناك، إلا أنها تحتفظ بشيء من النفوذ عبر مساهماتها في الجهود التركية، واتصالها بعدد كبير من قياديّي المعارضة الموجودين على أراضيها، أو حتى داخل سوريا، أو أولئك المنضوين ضمن جماعة «الإخوان المسلمون». ويستهدف هذا المسعى الروسي المتجدّد، والذي يأتي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا في أيار/ مايو المقبل، كسْر عزلة «دمشق» في محيطها، إلا أن دول ذلك المحيط، وتحديداً الخليجية، لا تزال تتحرّك تحت السقف الأميركي الرافض لعودة سوريا إلى «الجامعة العربية»، والمهدِّد لأيّ دولة تعمل على إعادة علاقاتها معها، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي. وفي هذا الإطار، جدّد المتحدّث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، أول من أمس، موقف بلاده من الأزمة السورية، مؤكداً أن الولايات المتحدة «لن تُطبّع العلاقات مع النظام في أيّ وقت، ولا شك في ذلك أبداً»، مضيفاً إن واشنطن «ستستخدم مجموعة متنوّعة من الأدوات المتاحة، للضغط من أجل حلّ مستدام ينهي معاناة الشعب السوري»، في إشارة إلى نيّتها الاستمرار في سياسة الخنق ضدّ دمشق.