الحدث

رسالة قائد الجيش لانقاذ الجمهوريّـة ولـيس وصولاً لرئاستها

كمال ذبيان -الديار
من المتعارف عليه بأن موظفين من الفئة الاولى ينتميان للطائفة المارونية يتطلعان دائما الى منصب رئيس الجمهورية، وهما قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان اذ لم تمر انتخابات رئاسية، والا وكان الاسمان مطروحين ويتم التداول بهما مع كل استحقاق رئاسي، وهذا يعود الى نهاية خمسينات القرن الماضي عندما انتخب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية وبقرار خارجي، هو نتاج توافق اميركي مصري، بين الرئىس المصري جمال عبد الناصر، والموفد الرئاسي الاميركي ريتشارد مورفي.

ومنذ ذلك الحين، فتح باب ان يكون قائد الجيش مرشحا محتملا لرئاسة الجمهورية، فلم يمر ضابط ماروني كان على رأس المؤسسة العسكرية، الا وجنح نحو رئاسة الجمهورية، فعمل العماد عادل شهاب لها، وبعده العماد اميل البستاني الى ان ادخل اللواء شهاب حاكم مصرف لبنان الياس سركيس في السباق الرئاسي فخاض الانتخابات في العام 1970 كمرشح عن تكتل «النهج» المؤيد للشهابية، والمدعوم من مخابرات الجيش المكتب الثاني بوجه سليمان فرنجية، مرشح «كتلة الوسط النيابية» وايده «الحلف الثلاثي» المكوّن من قيادات مارونية ضم كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده.

وسركيس الذي خسر على صوت واحد، وفاز الرئيس فرنجيه عاد وربح معركة رئاسة الجمهورية عام 1976 ضد رئىس حزب «الكتلة الوطنية» ريمنو اده، وبذلك فتح الباب امام حاكم مصرف لبنان ليكون رئىسا للجمهورية فطرح اسم ادمون نعيم وميشال الخوري وفيليب تقلا، الى ان وصل الى الحاكم الحالي رياض سلامة، فبات كل من يكون في هذا المركز مرشحا طبيعيا، كما قائد الجيش وفق ما تكشف مصادر سياسية متابعة لانتخابات رئاسة الجمهورية ولان من يحتل هذين الموقعين، يصبح في موقع القرار وعلى تماس مع مراجع اقليمية ودولية فينسج الشخص علاقات، تكون مقدمة لتسهيل طريقه نحو القصر الجمهوري، لان رئاسة الجمهورية تصنع في مراكز القرار الدولي والاقليمي وان التأثير الداخلي في عملية تركيب المواد المصنعة ضئىلة، الا في احيان قليلة فانتخاب العماد اميل لحود 1998كان بقرار سوري كما التمديد له والعماد ميشال سليمان انتخب بقرار اميركي – فرنسي – مصري – سوري تكرس في اتفاق الدوحة بعد احداث 7 ا يار 2008، ومن بعده عاد العماد ميشال عون الى قصر بعبدا رئىسا للجمهورية بعد نحو ثلاثة عقود بدعم من تفاهم مع حزب الله وتأييد سوري وتسوية رئاسية نسجها الرئىس سعد الحريري بمباركة سعودية – ايرانية فجرى انتخابه في 31 تشرين الاول 2016.

فمن المؤسسة العسكرية وصل اربعة قادة للجيش ثلاثة منهم في دورات متتابعة ومن مصرف لبنان حاكم واحد، حيث يتم التداول باسم قائد الجيش العماد جوزف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكل منهما لم يعلن رسمياً بانه مرشح، لان لذلك آلية دستورية، تتعلق بالمادة 49 من الدستور، التي توجب وتؤكد على «انه لا يجوز انتخاب القضاة وموظف الفئة الاولى، وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم، وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم او تاريخ احالتهم على التقاعد».

هذا النص وضع في اتفاق الطائف، نتيجة ما حصل مع العماد عون، اثناء ترؤسه الحكومة العسكرية، وقبلها، اذ لم يسهّل اجراء انتخابات رئاسية، لان اسمه لم يكن وارداً في لائحة المرشحين، فتم تعطيل هذا الاستحقاق، فورد في هذه المادة شرط الاستقالة قبل عامين، لكن تم تعديلها للحود، عند انتخابه، وهو ما لم يحصل لسليمان.

والقائد الحالي للجيش لم يقدم نفسه مرشحاً، وهو يعلم بان رئاسة الجمهورية هي ظروف سياسية، وليست دستورية، اذ تشير المصادر الى ان الطموح حق مشروع، انما الوصول الى الهدف له آلية، وان اسماء تم تداولها لرئاسة الجمهورية وهي كثيرة، ولم تصل اليها، وكانت في بعض الاحيان، تقترب منها، والامثلة كثيرة، من مخايل الضاهر الذي حصل توافق اميركي ـ سوري حول اسمه، وسقط في بكركي بلقاء للنواب المسيحيين ايام البطريرك صفير، وهو ما حصل مع جان عبيد وميشال اده وفؤاد نفاع كما ان احدهم نام رئيساً للجمهورية عبد العزيز شهاب، ليستفيق واسم شارل حلو رئىساً للجمهورية.

وانطلق من اعتبر قائد الجيش مرشحاً لرئاسة الجمهورية، من كلمته امام كبار الضباط، وبعد الاجتماع المالي ـ الاقتصادي ـ الامني في القصر الجمهوري، ليعلن فيها، بان الازمة ليس مسؤولاً من يتحرك في الشارع ويقطع الطرقات ويحرق الدواليب، بل هي السياسة واركانها، الذين يتحملون ما آلت اليه اوضاع لبنان من انهيار على كل الصعد، اذ ان العسكري والمواطن في مركب واحد، وان الجوع والفقر وتدني القدرة الشرائية تصيب كل اللبنانيين، لا سيما منهم متوسطو الدخل، واصحاب الدخل المحدود وهم الاكثرية الساحقة.

والجيش يتبع السلطة السياسية، وينفذ قرارها، لكن قائدها، رفض الاصطدام بالمنتفضين، لان مطالبهم هي مطالبه، فكانت المرونة التي لجأ اليها العسكريون، هي التي سمحت بفتح الطرقات، والتعبير عن الرأي باسلوب آخر، يحافظ على امن واملاك المواطنين وحرية تنقلهم، اذ ترى مصادر عسكرية، بان الجيش مع الشعب، وفي الوقت نفسه ليس مع الفوضى الامنية، كما هو ليس بيد السلطة السياسية، باستخدام العنف ضد من جاع وافتقر وخسر مدخراته، فهو يرفض العنف من مكانين السلطة والمتحركين في الشارع.

فهل ما اعلنه قائد الجيش، في رسالته، هي ترشيح لرئاسة الجمهورية، كما نظر اليها البعض من السياسيين ومحللين ووسائل اعلام؟

الجواب يأتي من اليرزة، بان هذا الموضوع ليس مطروحاً، وان انقاذ الجمهورية هو المطلوب لا التطلع الى رئاستها، في بلد حصل فيه الانهيار الذي لا يمكن ان يصل الى المؤسسة العسكرية وفرطها، لان بذلك تهديد للكيان الذي يحتل الاولوية في حمايته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى