ارشيف الموقع

عدّاد رئاسي

عماد موسى-نداء الوطن

يوم غزت ظاهرة الـ “فليبرز” بيروتنا، في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، كنت أعدّ الأشهر والأيام الطويلة لأطفئ 15 شمعة، وأحتفل بـ “طقّ” أول فيشة عند “أبو غنّوم”، وكم تمنيت لو أن عدّاد السنين، يكرّ كـ”كبكوب” صوف لأصل إلى سن الثامنة عشرة الذي يخولني حضور أفلام للراشدين. جاءت الحرب وسرّعت نمّو من هم في جيلي، فشاهدنا فيلم Emanuelle وبالكاد نبت في وجوهنا وبر شاربين كما شاهدنا بأم العين أفلام رعب وخوف وأبطال وحرامية. أفلام من صميم الواقع في الحرب اللبنانية الأولى. إشتغل عداد الموت حاصداً أرواح مدنيين وعسكريين ومقاومين لبنانيين ومقيمين على أرض لبنان ومحتلّين.

ورصد عدّاد مراقبي الوكالات الصِحافية عدد القذائف الساقطة فوق رؤوسنا، وأحيانا كانت تتعدى الألف. كانت رؤوسنا، نحن الناجين، أصلب من فولاذ.

بموازاة انحلال الدولة ومؤسساتها ظل عدّاد ساعة الكهرباء يعمل بنشاط وانضم إليه، بعد أربعة عقود ونيّف، عدّاد الموتور، أما مصالح المياه فركّبت عدادات على العيارات ولم تباشر العدّ. تكتفي بالرسم السنوي.

طوال عمره، لم يأبه اللبناني لعدّاد طرمبة البنزين، أما اليوم فيروح نصف عمره مع كل “تفويلة”.

وإذا كانت كل تاكسيات العالم مجهّزة بعدادات، ففي لبنان يقتصر الأمر على “أوبر” و”تاكسيات المطار”.

وللبرامج التلفزيونية عدّاد مشاهدي برامجها، وللمواقع الإلكترونية عدّاد الداخلين إليها، وللصِحافة قبل هذه وتلك،عدّاد النسخ المطبوعة وعداد النسخ المباعة. ولها طرائقها في عدّ الأيام، فعقب انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، بدأت صحيفة السفير تستهل خبر المانشيت بعدد الأيام التي انقضت من دون رئيس، وفي عدد 15 آذار 1988 استهلت الخبر الرئيس “مائة وواحد وسبعون يوماً للبنان من دون رئيس”.

نار العماد تحرق البلاد، بهذه العبارة لخّص مراقب سياسي الجولة الحربية التي شهدها لبنان أمس، وكان بطلها رئيس الحكومة العسكرية… أما عنوان “السفير” في صدر “الأولى” فكان: “العماد” يعلن الحرب على سوريا: 40 قتيلاً و145 جريحاً لبنانياً. هذا ما سكّر عليه العداد ذاك اليوم.

في الثلث الثالث لعهد العماد نفسه، لا حروب في الأفق وجلّ ما ينتظر العباد أن يسجّل عدّاد الدولار سعراً مقبولاً بعد قرار ضرب المنصّات المحلية والخارجية، كما يراقب المواطنون بقلق عدّاد الكورونا المتراجع ببطء شديد. وحده العدّ العكسي، أو ما يسمى بالإنكليزية Countdown، يرتبط باللحظات الجميلة التي تفصلنا مثلاً عن بداية سنة جديدة ملؤها الأمل ويمكن أن ينسحب الأمل على بداية عهد رئاسي باق منه 598 يوماً، وغداً يبقى منه 597 يوماً وبعد غد 596… حبذا لو يحصل أمر ما، كما حصل معي يوم انتهى العدّ و”طقيت” أول فيشة، لكن هذه المرة رجاء من دون حرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى