تحقيقات - ملفات

لبنان في الفوضى العارمة: المحال والمحطات تقفل أبوابها والأفران والمستشفيات على الطريق المخاوف من انفجار أمني تتعاظم…اجراءات أمنية مشددة لحماية المقار الرسمية والسياسيين «اللجان» تمول الكهرباء من أموال المودعين…سعر الصرف يتجاوز الـ15 ألفا والحكومة تخطط لزيادة الأسعار تدريجيا

بولا مراد-الديار

أهلا وسهلا في الجحيم اللبناني. بخطوات واثقة دخل لبنان الجحيم الذي كان قد وعد به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل أشهر. فاذا بنا نصل اليه أسرع من المتوقع. الدولار الواحد تجاوز يوم أمس عتبة الـ15 ألف ليرة لبنانية من دون اي مؤشرات توحي بامكانية لجمه، وترجيح الخبراء استمراره بالارتفاع من دون سقف، ما انعكس تلقائيا على كل القطاعات وبخاصة الأمن الغذائي والمحروقات وصولا للمستشفيات. ففيما أقفلت مئات المحال التجارية أبوابها بانتظار اتضاح سقف معين لسعر الصرف، وقف اللبنانيون في طوابير «الذل» أمام محطات المحروقات التي اقفل قسم كبير منها أبوابه فيما رفض بعضها أن يعبىء خزان الوقود بأكثر من 5 آلاف ليرة لبنانية! وتزامن كل ذلك مع اعلان «الدولية للمعلومات» عن ارتفاع جرائم السرقة في لبنان بشهري كانون الثاني وشباط 144%.

وتصاعدت في الساعات الماضية التحركات في الشارع وقطع الطرقات والاشكالات في السوبرماركات، ما يمهد لفوضى شاملة مع ارتفاع احتمال الانفجار الامني وهو ما أشارت اليه بوضوح برقية مسربة عن الأمن العام اللبناني، تحدثت عن «معلومات عن التحضير لتصعيد كبير في الشارع، من الممكن أن يتطوّر إلى حصول عمليات ظهور مسلّح وتوجّه الى منازل السياسيين». وأفادت البرقية أن «الأمور ذاهبة نحو فوضى وعمليات تخريب واستخدام السلاح في الشارع وأعمال نهب وسرقة وتصفية حسابات بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي، تنفيذاً لأجندات سياسية، وأن التوقيت أصبح بين ليلة وضحاها».

وكشفت مصادر مطلعة لـ «الديار» عن اتخاذ اجراءات أمنية مشددة في محيط المقار الرسمية وعن تعزيز التدابير المرتبطة بأمن السياسيين.

واعتبرت مصادر سياسية رفيعة أن «المخاوف الامنية مبررة باعتبار انه عندما ينهار الوضع الاجتماعي مع انهيار سعر الصرف، يصبح البلد مشرعا على كل الاحتمالات»، معربة في حديث لـ»الديار» عن تخوفها من دخول طابور خامس على خط الأزمة اللبنانية لتفجيرها.

ورأت المصادر ان «البلد الـيوم يقـف عـلى مفتـرق طـرق، وان ما بات محسوما هو انه لن يعود الى سابق عهده، فنحن نشهد اليوم ولادة لبنان جديد، لكن للأسف مرحلة المخاض لن تكون سهلة وهي لا شك ليست بقصيرة».

 انهيار على الصعد كافة 

ووصلت حالة الاحتقان في البلد يوم أمس الى أعلى مستوياتها مع لمس اللبنانيين لمس اليد حجم الأزمة وامتداداتها. فعلى الصعيد الغذائي والاستهلاكي، أعلن نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد أن «المورّدين لم يسلّموا السوبرماركت بضائع في اليومين الماضيين»، لافتا الى أن «المخزون قليل بسبب المشكلة المالية وعدم القدرة على الشراء». وحذّر في تصريح من أن «بقاء الوضع على ما هو عليه، سيؤدي الى انهيار السوبرماركت والإقفال التام».

من جهته، قال نائب رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز المستقيل علي ابراهيم أنه «اذا استمرينا على هذه الوتيرة لا بد ان يصل القطاع الى التوقف القسري الى حين استقرار سعر صرف الدولار»، آملاً أن «تتم معالجة الأمر ليس برفع الأسعار بل باستقرارها».

بدوره، حذّر نقيب اصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون من اقفال عدد من المستشفيات ابوابها امام المرضى بسبب عدم قدرتها على تحمل ارتفاع الكلفة الاستشفائية، مطالبا الجهات الضامنة الرسمية زيادة التعرفة الى الـ٣٩٠٠ ليرة كحد ادنى.

أما ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا فتحدث عن شح بالمحروقات في الأسواق.وشدد على أن الموزعين ضحية الدولة، معتبراً أن الاقتصاد «يذوب».

وقد دهمت دوريات لامن الدولة بعض المحطات المقفلة واجبرت اصحابها على تعبئة البنزين للزبائن بعدما تبين بان لديهم كمية مخزنة.

ولفت ما اعلنته هيئة الجمارك العراقية يوم أمس عن أنها سهلت مرور عدد من صهاريج المحروقات، كمساعدات إيرانية متجهة إلى لبنان. واشارت في بيان، الى أنّ «كوادرها قامت بتسهيل مرور 10 صهاريج محملة بمادة البنزين آتية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية كمساعدات إلى دولة لبنان عبر معبر القائم الحدودي»، وهو ما يثير بحسب مصادر سياسية مخاوف من تعرض لبنان لعقوبات باعتبار ان ايران تخضع لعقوبات تمنعها من تصدير النفط او بيعه.

وفيما بدا المسؤولون في غيبوبة تامة وبانفصال تام عن الواقع، أقر وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني أخيرا بتوجه لبنان لتقليص دعم المواد الغذائية وزيادة أسعار البنزين تدريجياً لتوفير الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة.

وأوضح وزني في مقابلة نُشرت في «بلومبيرغ» أن لدى المصرف المركزي 16 مليار دولار متبقية من الاحتياطيات الأجنبية، منها مليار إلى 1.5 مليار دولار فقط يمكن استخدامها لتمويل الدعم، وهو ما يكفي لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر.

ونقلت وكالة «رويترز» عن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب انه «لا يمكن الاستمرار بدعم المحروقات بعد شهر اذار»، مشيرا الى انه «يمكن الاستمرار بدعم بعض السلع الأساسية لغاية شهر حزيران المقبل».

 الكحل أفضل من العمى 

وعلى قاعدة «الكحل أفضل من العمى» وبين السيىء والأسوأ نختار السيىء، أقرت اللجان النيابية المشتركة للمال والموازنة، للادارة والعدل، للأشغال العامة والنقل وللطاقة والمياه، اعطاء كهرباء لبنان سلفة 200 مليون دولار من مصرف لبنان بالتصويت، في ظل  اعتراض كل من «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي». والنائب هادي حبيش الوحيد من كتلة «المستقبل»، باعتبار انه تم تخيير النواب ما بين السلفة او العتمة.

وقال نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي ان «المال الذي سيدفع سلفة للمحروقات هو مال المودعين في مصرف لبنان البالغ 17 مليار دولار». وأضاف:»نرفض رفضا قاطعا ان نمول واقعنا السلبي وما افتعلت الايدي المسؤولة عنه من أموال المودعين، على اساس ان يخدم سنة او سنتين. هذا امر مرفوض، وقد عبر السادة الزملاء عن رفضهم القاطع لتلك السلفة. أقرت وتحدث عنها السادة الزملاء».

وانتقد رئيس حزب «القوات اللبنانية سمير جعجع بشدة المسار الذي يسلكه ملف الكهرباء، واعتبر في مؤتمر صحافي أنه «ما يتعلق بسلفة الكهرباء، الأمر يدعو للثورة الفعلية، إذ وضعونا أمام واقع «يا السلفة يا العتمة»، هذا القطاع في لبنان يغرق في سوء الإدارة والفساد والزبائنية».

 الى الاقفال العام مجددا؟ 

وكأن كل المصائب السابق ذكرها لا تكفي اللبنانيين الذين لم يعودوا يطمحون لشيء الا للهجرة والهرب من هذا الجحيم، ليواصل فيروس «كورونا» فتكه بهم. اذ حذّر مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي فراس أبيض من العودة الى الاقفال العام متحدثا يوم أمس عن أنه «بالاضافة الى الارقام المرتفعة لاصابات كورونا هناك ارتفاع كبير في اعداد المرضى في العناية في المستشفيات، حيث تجاوز الـ 950 حالة في العناية، وهذا الأمر مقلق»، معتبرا ان «إعادة فتح البلد وعدم التزام المواطنين زادا من الاصابات».

واستبعدت مصادر مطلعة اتخاذ لجنة «كورونا» قريبا قرارا بالعودة للاقفال العام، باعتبار انه قد وصلتها معلومات من أكثر من جهة تؤكد توجه الاكثرية الساحقة من اللبنانيين للتمرد على اي قرار جديد من هذا النوع. وقالت المصادر لـ «الديار»: «بات واضحا ان المعادلة اليوم هي تخيير اللبنانيين بين الموت بكورونا والموت من الجوع وهم لا شك سيختارون الاولى مع تخطي سعر صرف الدولار الـ 15 الف ليرة وتحذير البعض من وصوله الى 50 ألف ليرة».

 التشكيل في «كوما»

وفيما أشارت مصادر معنية بعملية تشكيل الحكومة الى انها حاليا في حالة «كوما» مع انهيار وفشل كل المبادرات والمساعي، لافتة في تصريح لـ»الديار» الى ان الجميع ينتظر ما اذا كانت زيارة وفد حزب الله الى موسكو ستحقق خرقا ما في الجدار السميك، انصرف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم امس للبحث في اوضاع مرفأ بيروت بعد الانفجار الذي وقع في 4 آب الماضي. فأعلن وزير الاشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال ميشال نجار، أن الرئيس عون شدد على ضرورة المباشرة في أسرع وقت ممكن بعملية إزالة الركام والمواد الخطرة الناتجة عن الانفجار في المرفأ والتي من الممكن ان تشكل خطرا على السلامة العامة، لافتا الى انه «اعطى موافقته المبدئية لتخصيص جزء من قرض البنك الدولي لتمويل عملية ازالة المستوعبات الموضبة، والتي تحوي مواد خطرة في المرفأ، كما في بعض المنشآت النفطية»، مشيرا الى أن «عملية إعادة بناء مرفأ بيروت بحاجة الى وضع مخطط توجيهي ودراسة للتجهيزات والانشاءات، والى قوانين جديدة ترعى عملية إدارة المرفأ مستقبلا، وهذا كله يتطلب تشكيل حكومة جديدة فاعلة».

بدوره، اعلن المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء، انه بـ «توجيهات ومتابعة حثيثة من رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، تم فتح الاعتماد المستندي لصالح شركة Combi Lift للمباشرة بنقل المستوعبات التي تحتوي على المواد الخطرة التي جرى تجميعها من مرفأ بيروت، إلى خارج لبنان، وذلك تنفيذاً للعقد الموقع مع الشركة».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى