ما حال دون تأليف الحكومة حتى اليوم لا يزال قائماً. واللقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري أمس كان «بلا غلّة». فلا الحريري قادر على التأليف من دون أن يضمن ظهره سعودياً، ولا عون سيوافق على تقديم تنازلات لخصم يدرك أنه لن يكون قادراً على التعايش معه. عملياً، «طلع الحريري على بعبدا بلا ولا شي»، وحاملاً «رسماً لوجه بلا ملامح». كالعادة، قدّم تشكيلة غير مكتملة، الثابت فيها إعطاء حقيبتَي المال والتنمية الإدارية للرئيس نبيه بري، والأشغال والعمل لحزب الله (من دون أسماء) والخارجية للنائب السابق وليد جنبلاط، إضافة الى «رشّة» أسماء مسيحية غير واضحة الانتماء. عندما سأله رئيس الجمهورية، هل توافقت مع حزب الله على أسماء وزرائه؟ كان جوابه: «منعالجها». فأجابه الرئيس: «يعني أنك آت بحكومة لست أنا فقط من ليس موافقاً عليها ولن تأخذ ثقة إلا من أمل والمستقبل والاشتراكي». وتوجّه عون الى الحريري بالقول: «أريد حكومة متكاملة فيها التوزيع الطائفي للحقائب وأسماء الوزراء ومرجعياتهم السياسية. أنا رئيس الجمهورية، ومن حقي الاطلاع على كل الأسماء والتوزيع، لا أن تأتي لتناقشني شو طالعلي وزرا»!
وعليه، سيعود الحريري الى بعبدا الاثنين المقبل، بعدما «استمعت الى ملاحظات رئيس الجمهورية وللخروج بنتيجة واضحة حول الحكومة. وسيحمل اللقاء أجوبة أساسية حول كيفية وصولنا الى تشكيلة حكومية في أسرع وقت ممكن».
هل يعني ذلك أن هناك حلحلة ما؟ تجيب المصادر: «لا شيء يطمئن بعد. والواضح أن الحريري، باستمراره في النهج نفسه منذ تكليفه، لم يحسم أمره بتأليف الحكومة بعد»، علماً بأن «الاستدعاء العلني» له الى بعبدا، معطوفاً على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس عن إمكان تفعيل حكومة حسان دياب، وعن وجود «مخارج دستورية» لعقدة التأليف، يضع مزيداً من الضغوط عليه. وفي هذا السياق، لفتت المصادر الى أن «نصيحة» نصر الله للحريري بالعودة الى حكومة سياسيين لأن أي حكومة كالتي يريدها لن تصمد، تأتي متناغمةً مع «كلام جدي» من عواصم أوروبية بأن «الانهيار الحالي وقرارات مواجهته تحتاج الى حكومة تسندها وتغطيها الأطراف السياسية، ولن تكون حكومة اختصاصيين قادرة على تحمّلها».
إذاً، لقاء التهدئة أمس، كما وصفه الحريري، لا وظيفة له سوى التهدئة نفسها، بعدما وصل التوتر بين الطرفين إلى مستوى غير مسبوق. إذ خيّر عون الحريري بين تأليف حكومة بشكل «فوري» أو التنحّي، فيما ردّ الأخير بمطالبة عون، في حال عجزه عن التوقيع على التشكيلة، بإفساح المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة. وبحسب المعلومات، فإن مساعي عديدة، وخاصة من قبل حزب الله، أجريت بين الطرفين لعقد اللقاء.
وإذا كان لقاء القصر لم يحمل أي تقدّم على المستوى الحكومي، فإن أي مبادرة لتقريب وجهات النظر لم يتم تفعيلها. وعلمت «الأخبار» أن اللواء عباس إبراهيم طرح مع الرئيس نبيه بري، الذي التقاه أمس، إمكانية إحياء مبادرته، إلا أن جواب بري كان سلبياً، على اعتبار أن المبادرة لم يتلقّفها أيّ من الطرفين المعنيين.

وحده الرئيس الفرنسي أوحى، في تصريح يحمل تهديداً مبطّناً للمعرقلين، بأنه يحمل في يده ورقة يمكن أن تحرّك ملف التأليف. فالرئيس إيمانويل ماكرون، الذي اتّهم المسؤولين اللبنانيين بالفشل في تحمّل مسؤولياتهم، رأى أن «وقت اختبار المسؤولية يقترب من الانتهاء وسنحتاج في الأسابيع المقبلة، بوضوح شديد، إلى تغيير مقاربتنا ونهجنا»، من دون أن يقدم تفاصيل أخرى. وأضاف: «لا يمكننا ترك الشعب اللبناني في الوضع الذي هو فيه، ويجب علينا بذل قصارى جهدنا لتجنّب انهيار البلد وتسريع تأليف حكومة و(تنفيذ) الإصلاحات الضرورية».
وفيما فسّر كلام ماكرون على أنه تهديد باللجوء إلى العقوبات في حق من يتّهمهم بعرقلة تأليف الحكومة، فإن مصادر مطّلعة توقعت أن لا تؤدي هكذا إجراءات إلى تغيير الوقائع الحالية.
الى ذلك، ترافق لقاء بعبدا مع انخفاض سعر الدولار أكثر من ألف ليرة. غير أن مصادر مطّلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن هذا الانخفاض يعود الى «كلام كبير» تبلّغه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قبل عودته من باريس، من رئيس الجمهورية، ومن حزب الله عبر وسطاء قبل أن يقوله السيد نصر الله «بالفم الملآن» أمس، ومن التيار الوطني الحر، بأن من غير المسموح بقاء فلتان الدولار على غاربه «ولن نبقى ساكتين»، وخصوصاً أن من الواضح جداً أن ما من مبرر اقتصادي لصعود الدولار كما حصل مطلع هذا الأسبوع، و«ما حدث كان جزءاً من عملية الضغط السياسي على رئيس الجمهورية في الموضوع الحكومي».