الحدث

“مشروع الرئيس” يعطب وزارة البيئة

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

من جديد، يحلّق الدولار على علو ١٠،٠٠٠ متر فوق سطح الليرة. بالأمس نَطَح سقف الـ١٠،١٠٠ ليرة مستأنفاً صعوده في محاولته لإختراق المزيد من طبقات غلاف الرواتب. في الأسفل، البلد متروك إلى مصيره في مواجهة السقوط الحرّ. عملياً، لم يبقَ سوى القليل لحصول الإقتران العظيم مع الـ ١٠٤٥٢، لنشهد بعدها على زمن الإنتقال من فيلم لبنان الكبير إلى مشهد الإرتطام الكبير!

لم يخمد الشارع. تتحوّل حالة الغضب رويداً رويداً باتجاه بلورة طفرة جديدة من ١٧ تشرين، فإغلاق الطرقات بات يمثل أداء فرضية واجبة يومياً، ولم يعد محصوراً بمناطق أو أوقات محدّدة في ظل تمدّده إلى الزواريب والأحياء الداخلية. وكما حال ١٧ تشرين، تتكرّر المشهدية في آذار، أحزاب وتيّارات محسوبة على طبقة الـ١٪؜ ومحور “هوف”، وطّنت نفسها على إقحام أنفها في ما هو مفترض أنه ضدها، لتعمل طبعاً على محاولة “ترويض الحراك” باتجاه أن يصبح حالة غضب شعبية بنكهة سياسية، كي تستفيد منها في تحقيق أهداف سياسة طبعاً، أولها تحميل ميشال عون وعهده مسؤولية تأخير تأليف الحكومة ومحاولة الضغط عليه لثنيه عن مطالبه، وثانيها تحميله أسباب الأزمة الأشمل ذات الصلة بالليرة، والفشل بإدارة النقد وتكبيده نتائج ذلك، أي الأزمة المفتعلة من قبل “مورابي” المصارف، ولاحقاً استخدام الحِراك من قبل أطراف محدّدة في مهمة الذمّ بـ”حزب الله” وتشويه صورته وتبرير الدعوة إلى الحِياد، ثم التدويل!

عملياً، نحن نعيش في بلد لديه رئيسي حكومة، واحد يحمل صفة تصريف الأعمال من دون أن يُصرّف، وآخر يعرقل تسيير شؤون البلد برفضه تأليف الحكومة وحجزه التكليف في جيبه والتجوّل به خارج الحدود. إذاً كلاهما مسؤولان ولا يتحرّكان من أجل وأد “فتنة الدولار” أو تأمين حلول للأزمة.

هنا أيضاً، لا يمكن إعفاء الحكومة المستقيلة من أسباب تحريك الشارع. دعك من قضية عدم انعقاد جلسات لتسيير شؤون المواطنين في ظل رفض الرئيس حسان دياب تحويل نفسه إلى “متراس للسلطة”. الدولار يرتفع وحكومة تصريف الأعمال تكتفي بالمراقبة من بعيد دون أن تتدخل. رئيسها يحيل الأسباب إلى محاولته السابقة كي ينتزع رياض سلامة من مقرّ الحاكمية، بدل من ذلك، “شالني بدل ما شيلو”! لذا يعفي نفسه من أداء أي دور أو تولّي أي مهمة.

لكن بقاء الدولار عند هذه الحالة، يزيد من عواقب الأمور، ويوفّر المزيد من مناخات تفجير الشارع وتحويله إلى “قنبلة أهلية”، كونه يطال بأسبابه أكثر من قطاع، ومشهد القتال على كيس الحليب أو عبوة الزيت قد يصبح مفهوماً في حال تسلّل الإشتباك إلى مستوى تدشين معركة بين جهات محتكِرة وناس غاضبة.

ومنطق الإحتكار يتسلّل إلى “الحجر” حتى، وفي ظل استقالة وزارة البيئة من أداء مسؤولياتها، و تخلي الوزير دميانوس قطار عنها وعن أداء واجباته فيها، وصل ثمن طن الترابة السوداء لزوم البناء في البقاع إلى مليون ليرة (سعره المفترض ٢٤٠ ألف ليرة)، بسبب احتكاره من قبل التجار، وفي ظل عدم قدرة الشركات الوطنية على الإنتاج بحكم حاجتها إلى قرارات من وزارة البيئة لإعادة فتح المجابل والمرامل. يُحلّق “كيس الترابة” في الأعالي إذاً بينما يتعذّر الحصول على أذونات من “البيئة”، بسبب انقطاع الوزير عن زيارة مكتبه، أو أداء أي أعمال على صلة بوزارته منذ تاريخ تقديمه لاستقالته في آب الماضي، ما جعل من هذا القطاع فريسة أعمال المحتكرين، بعدما تحوّلت الوزارة إلى مساهم بارز في القضاء على ما تبقّى من صناعات وطنية.

وأزمة وزارة البيئة لا يمكن حصرها بملف الترابة. فعند الشاطئ، ثمة أطنان من القطران الإسرائيلي السام، تسلّلت وتمدّدت على قطر ناهزَ ٣٠ كيلومتراً، من الناقورة جنوباً إلى الرملة البيضاء في الوسط، ورغم لما لذلك من خطورة بيئية، لا يجد وزير البيئة متسعاً من وقته لمتابعة الملف، أو إصدار بيان تعقيباً على ما جرى. ذريعته، أنه تقدّم باستقالته إلى مجلس الوزراء بتاريخ ٩ آب ٢٠٢٠، أي قبل ساعات من تقديم الحكومة استقالتها بشكل كامل، أي الذريعة نفسها التي يرفض بالإستناد إليها توقيع قرارات فتح المجابل أمام شركات الترابة.

تبعاً لذلك، يعتقد الوزير أنه تحرّر من مسؤولياته منذ لحظة تقدّمه باستقالته إلى مجلس الوزراء، وبالتالي لم يعد ملزَماً تصريف الأعمال. عوضاً عن ذلك، كان يجدر برئيس مجلس الوزراء انتداب وزير آخر لتولّي المسؤولية! هكذا ببساطة يحلّها من يعتقد بأنه مشروع رئيس جمهورية مقبل في لبنان!

مع ذلك، تم استدعاؤه يوم أمس أمام لجنة البيئة النيابية التي اجتمعت لمتابعة موضوع “تسرّب القطران السام من الأراضي المحتلة” للإستماع إليه كون الوزارة لم تبادر إلى التحرّك، حتى تاريخه، تجاه ما حصل. وكما أسرَ التوقيع في مسألة الترابة، كذلك حصل في مجال التحرّك تجاه “حادثة التلوّث”، ما حال دون البدء بعملية تنظيف الشاطئ لضمان تخفيف الضرر البيئي الناجم عن التسرّب.

حضر الوزير متخلّياً عن مسؤولياته بالكامل، مردّداً نفس المعزوفة: “تقدّمت باستقالتي”. بمعنى آخر، لست مسؤولاً عما يجري. لم يُجِب على أي سؤال وُجّه إليه، ولم يبرّر أسباب تمنّعه عن زيارة مكتبه إلا من خانة واحدة: “أنا مستقيل”، تماماً كما يردّ الأسباب في مسألة الترابة، حين يرمي بالكرة مرّة إلى رئاسة الحكومة، ومرّة أخرى إلى وزارة الصناعة.

وإذاً كان تمنّع حسان دياب عن توسيع مفهوم تصريف الأعمال مفهوماً في مكانٍ، لأن الرجل لا يريد أن يوفّر خدمات لطبقة سياسية “طعنت به”، لكن اعتكاف وزراء وتلكؤهم عن أداء أدوارهم وتسيير شؤون وزاراتهم يجب أن يكون موضع مساءلة، تحديداً في الوزارات الخدماتية المسؤولة عن ملفات حيوية عدّة.

باختصار، ترزح وزارة “البيئة” أسيرة الخلاف المُستَحكِم بين رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزير دميانوس قطّار، رغم أن رئيس الحكومة المستقيل، كان قد قاد معركة من أجل إدخال قطّار إلى الحكومة، ولكن حتى هذه، لم تعد ذات قيمة لدى وزير مع وقف التنفيذ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى