لأنه لم يعد ممكناً الفصل بين تأليف الحكومة والتدقيق الجنائي في مصرف لبنان، تحوّلت المماطلة بإجراء التدقيق إلى نهج ثابت لدى المعنيّين به، ولا سيما مصرف لبنان ووزارة المالية. وهذا يعبّر بوضوح عن أن زمن تأليف الحكومة لم يحن بعد. فرئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، حاسم في المضيّ حتى النهاية في التدقيق الجنائي، معتبراً أنه «معركة تحرّر»، والرئيس المكلّف سعد الحريري لن يؤلّف إلا إذا ضمن تطيير التدقيق، الذي يطاله ويطال حلفاءه.
الاجتماع الذي عُقد أمس افتراضياً، بين وزارة المالية ومصرف لبنان وشركة التدقيق الجنائي Alvarez & Marsal، لم يخرج بأي جديد سوى تأكيده أن ممثلي لبنان متورطون بالسعي إلى تطيير التدقيق. ففي الشكل، لم يحضر الاجتماع وزير المالية غازي وزني، ولا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولا أيّ نائب من نوابه الأربعة، بل ممثلان عن كل من الوزارة والمصرف، إضافة إلى مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، وممثل عن شركة «غوتليب» المعنية بالمفاوضات بين لبنان ودائنيه. وبالتالي، قرر سلامة إفقاد الاجتماع أيّ قيمة قانونية له.
هذا الاجتماع كان واضحاً في الإشارة إلى أن الأشهر الثلاثة التي مرّت منذ إقرار قانون رفع السرية المصرفية لغايات التدقيق لم تُحقّق أي تقدّم في الملف. خطاب «المالية» لا يزال يتحدّث عن «التوافق على استمرار التواصل من أجل إعادة تفعيل ملف التدقيق الجنائي وتقييم التطور الحاصل تباعاً». نحن إذاً لم نصل حتى إلى مرحلة تفعيل الملف. الإنجاز الذي تحقق أمس اقتصر على وعد متكرر صار بلا قيمة من كثرة ما تكرر، من دون أن يُترجم بأي خطوة عملية: المجلس المركزي في مصرف لبنان ملتزم بعملية التدقيق. ماذا بعد؟ بحسب بيان «المالية»، تم الاتفاق على «القيام بمجموعة خطوات بدءاً من يوم الجمعة المقبل حتى نهاية الشهر تتعلق بتأمين المستندات والمعلومات المطلوبة لشركة A&M ولا سيما بعد إقرار قانون رفع السرية المصرفية».

أضاف البيان إن من أبرز ما تمّ الاتفاق عليه هو «أن:
1 – يزود المصرف المركزي مفوض الحكومة قائمة محدّثة للمعلومات في مدّة أقصاها نهار الجمعة الواقع فيه 9/04/2021 ويحدد المستندات التي يتطلب تحضيرها وقتاً أطول من نهاية شهر نيسان الحالي.
2 – يباشر المصرف المركزي بتجميع المستندات المطلوبة لكي تكون متاحة لمفوض الحكومة، على أن تسلّم إلى شركة A&M عند إعادة تفعيل العقد معها».
إذا كان هذا ما التزم به المصرف المركزي أمس، فما الذي كان يفعله طوال الفترة السابقة؟ ولماذا لم يتعاون المصرف مع التدقيق، أقلّه منذ 15 شباط الماضي، تاريخ تأكيده هذا التعاون؟ فاجتماع أمس يُظهر أن النقاش لا يزال يتمحور حول إعلان مصرف لبنان نيّته التعاون، لا مباشرة التعاون الفعلي. فما عبّر عنه ممثل مصرف لبنان، رجا أبو عسلي، لم يكن سوى تأكيد أن «المركزي» مستعد لملء «استمارة المعلومات»، أي عناوين الملفات التي تطلبها الشركة! ما حصل أمس، بحسب مصادر معنية بالتدقيق، لم يكن سوى فعل استهزاء من مصرف لبنان بالشركة، كما بالدولة اللبنانية نفسها.
بالنتيجة، فإن حصيلة اجتماع أمس كانت المزيد من الوعود بأن التدقيق سينطلق يوماً ما. والأمر منوط، على الأقل علناً، بشرطين: التعاون الفعلي لمصرف لبنان وموافقة شركة ألفاريز رسمياً على استكمال عملها. متى يحصل ذلك؟ لا أحد يملك الإجابة. حتى رئاسة الجمهورية التي كانت قد دعت وزارة المالية ومصرف لبنان إلى عدم تعطيل التدقيق، لم تجد مصادرها في البيان سوى استمرار للمماطلة والتسويف والتهرب من المسؤولية، من خلال اختلاق ذرائع ووضع عراقيل جديدة. لكن المصادر، التي أشارت إلى أن موقفاً رسمياً قد يصدر عن رئيس الجمهورية فور الانتهاء من تقييم الاجتماع، أكدت أن محاولة وأد التدقيق الجنائي لن تمرّ.