يأتمر بعض القضاة بأوامر الساسة. يحولون دون إحقاق الحق أو محاسبة المرتكب. وفي بعض الأحيان، يقومون بدور قذر في طمس الحقائق عبر تحويل الضحية إلى مُجرم، فيما يُظهِّر المُجرم نفسه، بتواطؤ من بعض القضاء، بلبوس المعتدى عليه، لكونه يملك المال والحظوة السياسية.

لم تكتف المحكمة العسكرية الدائمة بتبرئة المقدّم سوزان الحاج من جرم تحريض مقرصنٍ لفبركة جرم لمواطنٍ بريء (الممثل المسرحي زياد عيتاني)، وبحصر تجريمها بكتم المعلومات والحكم بسجنها مدة شهرين مع غرامة 200 ألف ليرة فقط. فتلك المحكمة تغاضت عن كل ما له صلة بزوج الحاج، زياد حبيش، الذي زعم المقرصن إيلي غبش أنه كلّفه بقرصنة شركة أوسترالية منافسه له تعمل في مجال القمار عبر الإنترنت. لم يستدع القضاء حبيش للتحقيق معه، ولو على سبيل الشهادة لا أكثر.
أما الفضيحة الكبرى التي سجّلتها المحكمة العسكرية فكانت في ترك تهمة معلّقة بحق المقدّم سوزان الحاج، من دون إسقاطها عنها أو إدانتها بها. النيابة العامة العسكرية ادّعت على الحاج بارتكاب ثلاث جرائم:
الأولى، تلفيق جريمة التعامل مع العدو الإسرائيلي للممثّل المسرحي زياد عيتاني.
الجريمة الثانية، تحريض المقرصن إيلي غبش على اختلاق أدلة مادية وإلكترونية ومراسلات مزورة ومختلقة لتكوين ملف يتضمن تهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي للزميل رضوان مرتضى، وتقديم إخبار بحقه.
أما الجريمة الثالثة، فكانت تحريض المقرصن غبش على شن هجمات إلكترونية وقرصنة مواقع وزارات لبنانية ومؤسسات أمنية لبنانية ومصارف ومواقع إخبارية محلية وأجنبية للانتقام من مواقع نشرت أخباراً عن المقدم الحاج لم تُعجبها ولإظهار أنّ الأمن الإلكتروني أصبح مخترقاً بعد إعفائها من مهماتها السابقة كرئيسة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.
ما فعلته المحكمة العسكرية، في عهد رئيسها السابق العميد حسين عبد الله، كان محاكمة الحاج بموجب الادعاء في الجريمة الأولى، مغفلة الجريمتين الثانية والثالثة. لم تُدنها كما لم تبرّئها، رغم أن ورقة الطلب الموقّعة من مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، القاضي هاني حلمي الحجّار، تتضمن الادعاء عليها بموجب الجرائم الثلاث.
تجاهل الجريمتين يشكل ثغرة كبيرة في حكم المحكمة الصادر عام 2019. وهذا الخلل يوجب إعادة محاكمتها، ولا سيما أنّه ثبت بالدليل التقني أنّ المقدم الحاج أرسلت إلى غبش صوراً لحسابات الفايسبوك وتويتر العائدة لكل من المسرحي عيتاني والصحافي مرتضى. كما أرسلت لغبش حساب «أنستاغرام» العائد لمرتضى، مع عنوان بريده الإلكتروني. وبعد لقائه بالمقدم الحاج، عمد غبش الى إرسال اسمَي مرتضى وعيتاني عبر رسالة خطية إلى الرتيب في أمن الدولة إيلي برقاشي، ثم كتب تحتها ما حرفيته: «التواصل مع الإسرائيليين عبر الـ social media». ولدى إبلاغ غبش للمقدم الحاج بتوقيف عيتاني من قبل أمن الدولة (عام 2017) في محادثة مكتوبة، ردّت عليه: «عقبال رضوان مرتضى». ثم علّقت: «ما نسيتو وفضيتلو… بدّو ترباية». كما ثبت بالدليل التقني تحريضها المقرصن غبش على قرصنة مواقع قوى الأمن ووزارة الداخلية ومواقع إخبارية انتقاماً منها لنشرها أخباراً عن المقدم الحاج.
ورغم ذلك، فإنّ المحكمة العسكرية، برئاسة العميد عبد الله، لم تعتبرها محرّضة لارتكاب جرم. هذا الملف مع التسجيلات الصوتية والإفادات، سيتقدّم به الزميل مرتضى إلى النيابة العامة التمييزية، فضلاً عن تقديم شكوى أمام التفتيش القضائي بحق قضاة تلكّأوا عن القيام بواجبهم.