الحدث

أنجيلا ديفيس؛ الثائرة على الصهاينة تُحاصر من جديد

الوقت- بعد أن حاصرها رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسهم دونالد ريغان وريتشارد نيكسون الذي ألقاها خلف قضبان السجن متفاخراً بذلك، جاء دور الاحتلال الاسرائيلي الذي يخشى نشاطها ومناصرتها للقضية الفلسطينية ولجميع حركات التحرر العالمي بالعموم، ولذلك يعمل على حصارها واتهامها بمعاداة السامية، ويفعل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية لمنع محاضراتها بشتى الوسائل الممكنة.

مؤخراً ألغت جامعة بتلر في ولاية إنديانا الأمريكية حدثاً تشارك فيه الناشطة والكاتبة الأمريكية المعروفة، انجيلا ديفيس، مما أثار موجة من الاحتجاجات بين الطلبة، الذين قالوا في بيان إن إدارة الجامعة مارست نوعاً من الرقابة الوقحة على الكاتبة بسبب دعمها للفلسطينيين.

وكشف بيان الطلبة أن ديفيس تعرضت لهجوم شرس من مجموعة الطلاب الصهاينة في الجامعة، الذين طالبوا بإلغاء الحدث بسبب تأييدها لحركة مقاطعة كيان الاحتلال الإسرائيلي.

وأفاد موقع “موندويز” الذي سلط الضوء على الحصار الذي تتعرض له ديفيس من قبل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة أن الجامعة زعمت في البداية أن إلغاء الحدث الذي يسمى “النضال المشترك والتحرير الجماعي” قد جاء بسبب أخطاء إجرائية، ولكن الإلغاء في الواقع كان بسبب وقوفها إلى جانب الفلسطينيين والعدالة.

وقالت رؤى دعاس، مديرة التنوع والمساوة والشمول، في مقالة اقتتاحية نشرتها صحيفة “بتلر غولكان” إن إدارة الجامعة قامت بإسكات الأصوات المهمشة من أجل الحفاظ على أنظمة القوة.

وهذه هي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها ديفيس للهجوم من قبل المنظمات الموالية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرضت الكاتبة لهجوم مكثف من قبل مجموعة إسرائيلية تدعى “نورث إيسترين هيليل” بعد محاضرة ألقتها عن ضرورة الفرق بين اللاسامية وانتقاد كيان الاحتلال الإسرائيلي العنصري.

وفي عام 2019، ألغى معهد برمنغهام للحقوق المدنية جائزة حقوق الإنسان التي كان يعتزم منحها لديفيس، وقال المعهد بكل وقاحة إن الجائزة ألغيت بسبب دعمها الطويل لفلسطين، وكشف عمدة برمنغهام راندال وودفين أن القرار اتخذ بعد “احتجاجات من الجالية اليهودية وبعض الحلفاء.

وقالت ديفيس إنه من خلال تجربتها في مدرسة إليزابيث إيروين الثانوية في مدينة نيويورك وفي جامعة برانديز في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، ووقتها في كلية الدراسات العليا في فرانكفورت بألمانيا فقد تعلمت “أن اكون شغوفة بمعارضة معاداة السامية بقدر شغفي بمحاربة العنصرية، ولكنني تعرفت ايضاً على القضية الفلسطينية، وأنا فخورة بما أفعله، مشيرة إلى أن هذا العمل هو جزء لا يتجزأ من وعيها المتزايد بشأن أهميةالاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”.

من هي أنجيلا ديفيس؟

أنجيلا إيفون ديفيس ولدت 26 يناير 1944 (برمنغهام ، ألاباما)، وفي السبعينيات كانت رمزأً لحركات حقوق المعتقلين السياسيين، وبحسب ما ورد في ويكيبيديا ، فقد كانت ناشطة في مجال حقوق الإنسان الأمريكية ، فيلسوفة، وكاتبة إنسانية . بالإضافة إلى ذلك في أنه في أعوام 1980 و1984 رشحت لمنصب نائب الرئيس الأمريكي بالحزب الأمريكي الشيوعي بالولايات المتحدة الأمريكية.

دعمت أنجيلا ديفيس النضال من أجل حرية الزنوج الأمريكان ، وبسبب عملها كعضو بالحزب الشيوعي الأمريكي ، فقد قامت بالدفاع في المحاكمة بسوليداد اوتشلو ضد هجوم الحكومة بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى. وقد دخلت ديفيس إلى قائمة المتهمين اللذين يتم البحث عنهم والهاربين بالفيدرالية، وذلك بسبب إتهامها باحتمالية ارتكاب ذنب ، وتم إلقاء القبض عليها، ولكن أفرج عنها بعد ذلك. وفي الفترة من 1991 – 1995 عُينت كرئيس لجامعة كاليفورنيا.

تقول (أنجيلا ديفيس): “إنّ الطريق الوحيد لتحرّر الأميركيين السود يمرّ بإسقاط كليّ ونهائيّ للطبقة الرأسماليّة المهيمنة على هذا البلد”.

تحوّلت محاضراتها الجامعيّة إلى مشروع وعي ثوري متصاعد، ما أثار قلق السلطات الأميركيّة التي كانت تراقب ـــ وما زالت ـــ الجامعات عن كثب سعياً لإسكات كل سرديّة قد تتعارض مع مصالح نخبتها ذات النفس الإمبراطوري البغيض. ومن سوء حظ أنجيلا أن رونالد ريغان كان وقتها حاكماً للولاية، فاستهدفها بالتعاون مع إدارة الجامعة محاولاً طردها بداية بسبب عضويّتها في الحزب الشيوعيّ. لكن الطلاب تضامنوا معها. وبدلاً من عشرات يحضرون دروسها في العادة، تضاعف العدد إلى أكثر من 1500 طالب، حتى لم تعد هناك قاعة في الجامعة تتسع لهم. لكن ريغان الحاقد على الماركسيّة لم ييأس، ونجح لاحقاً في طردها من الجامعة بناء على وصفها القتلة من رجال الأمن الأميركيين بـ “الخنازير”.

نقطة التّحول في صراع أنجيلا مع السلطة حدثت تالياً بعدما أقدم أحد حرّاس “سجن سوليداد” على تصفية ثلاث من قيادات “حركة الفهود السود” التي تكوّنت في مرحلة الستينيات بعدما بدأ بعض الناشطين المتمركسين باليأس من إمكان التغيير بالوسائل السلميّة في ظلّ السلطة القائمة وفق تجربة حركة الحقوق المدنيّة، التي لم تحقق وقتها أي تغيير جذري في عنصريّة الدولة الأميركيّة ضد مواطنيها السّود. كان الحارس قد أطلق الرصاص على الثلاثة بدم بارد وبشكل متعمّد أثناء أحد الاضطرابات المطلبيّة، لكن المحكمة أخلت سبيله من دون عقوبة، ليُعثر على جثته وقد تعرّض لضرب مبرّح تحت نافذة غرفة ضمّت ثلاثة من منسوبي الحركة، فوجّهت إليهم التّهمة من دون دليل. وقد حاولت الحركة تحريرهم عنوة لدى مثولهم أمام القاضي (1970)، لتنتهي المواجهة بتبادل للرصاص مع البوليس قضى فيها المهاجمون الثلاثة، بعدما قتلوا القاضي وأصابوا بعض الحاضرين. لكن التحقيقات كشفت لاحقاً عن دور أنجيلا في توفير السلاح الذي استخدمه المهاجمون، ما اضطرّها إلى الهرب. وقد أُدينت غيابياً بتهمة محاولة الخطف بالعنف المسلّح، وبالقتل المتعمّد من الدرجة الأولى، وأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي مذكّرة لاعتقالها. وما لبثت أن أصبحت المُطاردة الأولى على لائحة المجرمين الخطرين المطلوبين لعدالة العم سام (وربما قتلهم فوراً إذا تطلّب الأمر)، وعمّم البوستر الشهير عنها “مسلّحة وخطرة” في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

اعتُقلت أنجيلا بعد أيّام عدة، وهنّأ الرئيس ريتشارد نيكسون علناً رجال مكتب التحقيقات لـ “قبضهم على الإرهابية شديدة الخطورة أنجيلا ديفيس”، التي ألقيت في السجن الانفرادي لمنعها من “تلويث”عقول السجينات الجنائيّات بالأفكار الماركسيّة.

لقيت بروفيسورة الفلسفة السجينة تضامناً شعبياً واسعاً داخل الولايات المتحدة وفي أرجاء العالم، لا سيّما في أجواء غضب متزايد بين السود إثر اغتيال مارتن لوثر كينغ، وعزم السلطات على إنهاء حركة “الفهود السود” بالقوّة عبر قتل كل قاداتها ومنتسبيها واحداً واحداً أو تلفيق التهم لهم وإلقائهم في السجن بأحكام طويلة، حيث لا يزال بعضهم معتقلين.

لقد تجرّأت ديفيس على الربط بين نضالات الأقليّة السوداء في أميركا وتلك التي يخوضها الفلسطينيون ضدّ سلطات الاحتلال الإسرائيليّة، لتجعل منهم شركاء في معركة واحدة، فكأننا “كلنا فلسطينيون في مواجهة ذات العدوّ على جبهات عدّة”. وقد تسبب دعمها اللامحدود للفلسطينيين ولقضيتهم ولجهود مقاطعة الدّولة العبريّة، في عداء اللوبي الصهيوني العالمي لها. لقد نجح هؤلاء عبر ضغوط منسّقة، في دفع “معهد الحقوق المدنيّة” في مسقط رأسها بيرمنغهام للتراجع عن قراره بمنحها “جائزة فريد شاتلوورث لحقوق الإنسان “العام 2019، قبل أن يعتذر عن ذلك ويعيد الجائزة إليها مرّة أخرى إثر الغضب الشعبي الكبير والانتقادات الواسعة التي تعرّض لها المعهد. لم تكن السّلطات القصيرة النظر في المدينة لتدرك أن ابنة مدينتهم، هذه الأنجيلا ديفيس، السيّدة العجوز ذات العينين المتوقدتين بالثورة والغضب، كانت أيقونة الثورة السوداء في كل مكان، وأنّها ذات الأنجيلا التي من أجلها كُتبت الأغنيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى