أخبار عاجلة

إنقلاب عون وباسيل وانقلاب الفرزلي

قضاء أم فوضى وانقسام؟ (تصوير فضل عيتاني)

نجم الهاشم-نداء الوطن

لم يعد ما قاله نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عن الإنقلاب الذي يخطّط له رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجرّد كلام للإستهلاك السياسي أو للمزايدة. منذ أعلن الفرزلي عن هذه الخطة ودعا إلى تسليم القيادة في هذه المرحلة إلى الجيش وإرسال رئيس الجمهورية إلى البيت كثرت التأويلات والتفسيرات. ثمّة من اعتبر أن هذا الكلام لا بدّ من أن يتراجع عنه الفرزلي ولكنّه بدل أن يتراجع استمرّ في الهجوم ووسع جبهاته مستخدماً أنواعاً جديدة من الأسلحة الإعلامية والسياسية ومن وسائل القصف.

يعتبر الفرزلي أن خطّة الإنقلاب بُنيت على أدلّة حسّية وبراهين ووقائع. وهو الذي كان في صفّ رئيس الجمهورية ليس من السهل أن ينقلب عليه. هذه ليست مسألة انقلاب شخصي يقوم به الفرزلي لأنّه اختلف مع الرئيس عون وحاشيته في القصر الجمهوري. كان الفرزلي من الذين آمنوا بأن الخلاص يمكن أن يأتي عن طريق وصول عون إلى رئاسة الجمهورية ولكنّه بعد مدة أيقن أنّ خياره لم يكن في مكانه فبدأ يتراجع عنه وعن دعمه لتوجّهات قصر بعبدا والحالة الميحطة به.

يعود الفرزلي إلى 13 تشرين الأول 2019، عندما أعلن الوزير جبران باسيل في خطاب له بمناسبة هذه الذكرى التي تمّت فيها الإطاحة بالعماد ميشال عون من قصر بعبدا والى لجوئه إلى السفارة الفرنسية. في ذلك اليوم تحدّث باسيل عن قلب الطاولة على الجميع وتحدّث عن أنّه مع التيار والرئيس هم بمثابة النهر الجارف الذي سيجرف في طريقه كل من يقف في وجهه. لم يطمئنّ الفرزلي إلى هذا الكلام الذي شكّل بالنسبة إليه البوادر الأولى من خطّة الإنقلاب الذي يتمّ التحضير له. لم يكن قد مضى إلا عدة أيام على لقاء السبع ساعات بين باسيل والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عندما كشف باسيل عن هذا التوجّه مستخدماً أسلوب التهديد والوعيد الذي لا يمكن أن يصدر عن شخصه وحده لو لم يكن مدعوماً من “حزب الله”. هكذا قيل وقتها بغض النظر عن صوابية هذا الأمر وعمّا إذا كان باسيل حصل على ضوء أخضر من “حزب الله”. ولكن الفرزلي لا يربط بين المسألتين ولم يُشِر أبداً إلى احتمال أن يكون التخطيط لهذا الإنقلاب يتمّ بالتنسيق مع “حزب الله”.

مستفيضاً في شرح خطة الإنقلاب يقول الفرزلي إنه لم يفهم وقتها كيف أنّ باسيل يمكن أن يقلب الطاولة على نفسه وعلى العهد طالما أنّ ولاية رئيس الجمهورية كانت في منتصف عمرها. ولذلك بدأ التساؤل يكبر لديه عندما تحدّث رئيس الجمهورية عن عملية اغتيال سياسي يتعرّض لها باسيل لمنعه من الوصول إلى قصر بعبدا بعدما كان اعتبره منذ تولّيه الرئاسة أنّه الحصان الرابح في هذا السباق إلى القصر. ولذلك يعتبر الفرزلي أن الخطة بدأت تتحدّث عن الطريقة التي يجب اعتمادها لمنع هذا الإغتيال السياسي لباسيل. وهذا ما جعل الفرزلي يقترح على باسيل أن يبقى خارج الحكومة وأن يُخرِج نفسه بالتالي من دائرة الإستهداف.

الفرزلي أجرى مقارنة تقول إنه إذا كان وضع باسيل الشعبي انحدر إلى هذا الدرك بعد انتفاضة 17 تشرين وبعد العقوبات الأميركية عليه فماذا سيكون عليه وضعه إذا انتهت ولاية الرئيس ميشال عون أو إذا غاب الرئيس؟. فهذا الأمر سيؤثر عليه وعلى رئاسته للتيار لأن أموراً كثيرة غير ظاهرة للعيان ستنفجر في وجهه وبالتالي سيكون معرّضاً للتهميش. ولذلك يعتبر الفرزلي أنّه عندما تكوّنت مثل هذه القناعة لدى باسيل بدأ التفكير بنموذج 1988 مع العماد عون. تمّ تكليفه برئاسة حكومة تعمل لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية وبدل ذلك عمل على الإنقلاب على الشرعية وشنّ حرب التحرير ثم حرب الإلغاء. فتدمّرت المناطق المسيحية في الحربين وهاجر عدد كبير من المسيحيين ولم يكن اتفاق الطائف إلّا إعلاناً عن نتائج حرب التحرير وانتهاء الجمهورية الأولى وسقوط الدور المسيحي بقوة الدستور. لم يتمّ التحرير ولم يتمّ الإلغاء ولكن بشعبوية ارتفعت شعبية ميشال عون.

الصور اليوم يراها الفرزلي كأنها تكرار لما حصل عامي 1988-1990. منع المؤسسات الرسمية من العمل. تعطيل الحكومة. تعطيل مجلس النواب والتشكيك بشرعيته بعد استقالة عدد من النواب ومعظمهم من المسيحيين. عدم إجراء انتخابات فرعية. الحديث عن استحالة إجراء انتخابات نيابية في موعدها الدستوري. من أجل ماذا؟ من أجل أن يقال ان هذا المجلس النيابي لا يمكن أن ينتخب رئيساً للجمهورية. يرفض عون ترك رئاسة الجمهورية ويضع اللبنانيين أمام خيار جبران باسيل رئيساً للجمهورية أو الفوضى.

بحسب بعض المعلومات التي تحاول الإحاطة بأبعاد ما يذهب إليه الفرزلي فإن المفصل الأساسي الذي كبّر مسألة الذهاب نحو مثل هذا الخيار كان مع اندلاع ثورة 17 تشرين وقد مرّت الأحداث الداعمة له بأكثر من محطة. الأولى كانت استقالة الرئيس سعد الحريري تحت ضغط الشارع. فالرئيس عون مع باسيل ومع “حزب الله” كانوا يراهنون على أنّ الحريري لن يستقيل وأنه سيستمرّ في السلطة ولن يخرج من التسوية لأنّه كان خيار عون وخيار الحزب من أجل أن يبقى دعامة للعهد وللحزب ومن خلال هذه الخلفية كان الدعم الذي تأمّن له لإخراجه من المملكة العربية السعودية. سقط هذا الرهان فبدأ البحث عن بديل.

دائماً كان سعد الحريري هو البديل عن سعد الحريري بالنسبة إلى عون وباسيل و”حزب الله” ولكن من ضمن استمرار التسوية وعلى نفس الطريقة التي انتهجها منذ بداية العهد. ولكن هنا بدأت المحطة الثانية من خلال تهاوي الترشيحات التي حصلت من محمد الصفدي إلى بهيج طبارة وسمير الخطيب ومصطفى أديب وصولاً إلى حسان دياب. بعدما كان الهدف أن يبقى سعد الحريري ضمن التسوية بشروطها السابقة بات الهدف إبعاده وعدم عودته ولكن التجربة سقطت بشكل مدوٍّ مع استقالة حكومة حسان دياب.

المحطة الثالثة كانت في عدم القدرة على منع إعادة تكليف الحريري. يذكر أصحاب هذه النظرية بأن رئيس الجمهورية حاول جاهداً ألا يتمّ تكليف الحريري ووصل به الأمر إلى مناشدة النواب تحكيم ضمائرهم قبل تسميته ولكن تسميته تمّت في النتيجة. فبات حجر عثرة في مشروع باسيل. من هنا بدأ التفكير الجدّي بضرب المؤسسات ومنع الحريري من تشكيل الحكومة مع بدء التفكير الجدي بمنع حصول الإنتخابات. والدليل إلى هذا الإتجاه طلب وزير العدل السابق سليم جريصاتي رأي هيئة التشريع والقضايا بصلاحية قانون الإنتخابات الحالي انطلاقاً من ثغرات موجودة فيه وذلك كي يشكل حجّة لعدم حصول الإنتخابات. وفي هذا المجال تقول معلومات ان جريصاتي فاتح ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش أنه في حال لم تحصل انتخابات ولم تشكل الحكومة هناك بحث في إجراءات بقاء رئيس الجمهورية في قصر بعبدا.

هل الهدف إسقاط بوابة الجمهورية؟

ما حصل في القضاء مع القاضية غادة عون في قضية اقتحام شركة مكتّف في عوكر كان الإشارة التي أقلقت الفرزلي وأخرجته من صمته بحسب متابعين لتطورات دعوته للإنقلاب على الإنقلاب الحاصل. لماذا؟ لأن الفرزلي اعتبر أن هذا المؤشر فيه عودة إلى نهج 1988. وأكثر من ذلك. بعد شقّ القضاء بدأت الإيحاءات والتسريبات التي تقول انّ هذا الإنقسام سيتعمّم ليشمل القوى العسكرية والأجهزة الأمنية والضابطة العدلية. وبالتالي إذا كانت هذه هي بنود أمر عمليات خطة الإنقلاب فماذا يمكن فعله لوقفه؟ ومن هنا كانت دعوة الفرزلي لتسليم الجيش إدارة البلاد في هذه المرحلة الإنتقالية التي يتم فيها إجراء انتخابات نيابية جديدة ثم انتخابات رئاسية تتشكّل بعدها حكومة جديدة.

هل كان تحذير الفرزلي منسّقاً مع الجيش مثلاً أم تمّ من دون أخذ رأي القيادة؟ من يتابع هذه التطورات يعتبر أن الفرزلي لم يضع الجيش وقيادته في أجواء ما ذهب إليه وأن إعلانه عن هذه المسألة جعل الكثيرين يعتقدون أن الجيش معو خبر. ولكن في الواقع شكل إعلان الفرزلي إحراجاً للجيش ولقيادته على ضوء عدم توفّر إرادة للدخول في هذا السجال سلباً أو إيجاباً وتأكيداً أو نفياً نظراً لخطورته على المؤسسة العسكرية أولاً خصوصاً مع الحديث عن أن الإنقسام المحكي عنه يشمل هذه المؤسسة في التفاصيل المحكية.

المتابعون لوهج كلام الفرزلي يسألون أنه إذا لم يكن ما اقترحه هو السبيل لوقف الإنقلاب فأي خيار آخر هو السبيل؟

ماذا أيضاً عن موقف “حزب الله”؟ هل كان يتمّ اتخاذ مثل هذا الخيار لو لم تكن تغطية “حزب الله” مؤمّنة؟ وهل كان باسيل مع عون مثلاً يجرؤان على ركوب مخاطرة من هذا النوع؟ يعتبر المتابعون أنّه ليس بالضرورة أن يكون “حزب الله” مطّلعاً أو مشتركاً بهذا الإنقلاب الذي يتحدّث عنه الفرزلي. فالحزب لا يمكن أن يعطي موقفاً ولا يمكن أن يظهر في الواجهة. من الممكن أن يفكر باسيل وعون بجرّ الحزب إلى خياراتهما إذا لم تكن هناك موافقة مسبقة عليها. ولكن طالما أن الرئيس نبيه بري القطب الثاني في الثنائي الشيعي يقف ضدّ هذا الإنقلاب وقد يكون رأس حربة في مواجهته فإنّ الحزب سيختار في النهاية بين باسيل وعون وبين بري. التجارب السابقة أظهرت أنه لا يمكن أن يدخل في مواجهة مع بري. فهل يمكن أن يبدّل في هذه المعادلة اليوم؟

هل يغامر الفرزلي في تكبير الخطر الداهم وهل يخلق جوّاً لا أساس له من الصحة ولا يقبله المنطق؟ من يعرف الرجل يعتبر أنه ابن هذا البيت الذي أوصل عون إلى قصر بعبدا، وكان من خلال علاقاته يعرف الكثير من أسراره وهو لا يزال قادراً على معرفة الكثير مما يدور في هذا البيت. ولذلك دعا إلى أن يعود الرئيس إلى بيته.

عن jawad

شاهد أيضاً

انه ( الكورنيت)

  ليس بجديد علينا اسم وكسم وفعل هذا الصاروخ المضاد للدروع الذي فتك بفخر الدبابات …