تحقيقات - ملفات

التدقيق الجنائيّ: لائحة “الكذّابين” طويلة

 

ملاك عقيل -أساس ميديا

التدقيق الجنائي عالق. وبالتأكيد هناك من يَكذِب و”يُلوفِك”:

– إمّا مجلس النواب الذي أقرّ قانوناً ملتبساً يتعلّق برفع السريّة المصرفية لعامٍ واحد فقط.

– وإمّا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يؤكد أنّ أبواب مصرف لبنان مفتوحة للمدقّقين الأجانب وكلّ المستندات المطلوبة متاحة أمام وزارة المال من دون ترجمة فعلية لأقواله.

– وإمّا الوزير غازي وزني المتردّد والمقيّد بتعليمات عين التينة.

– وإمّا الشركة العالمية المتخصّصة “ألفاريز ومارسال” التي يحيط الغموض بالكثير من سلوكيّاتها، لكن ليس في التدقيق الجنائي، بل في استشارات إعادة الهيكلة في الدول المتعثّرة مالياً.

– ورئيس الجمهورية ميشال عون مقتنعٌ قناعةً راسخةً بأنّ كلّ من “تآمر” على إفشال عهده، ومَنَعه من تحقيق المسار الإصلاحي المطلوب، هو المسؤول اليوم عن عرقلة التدقيق الجنائي الذي يرفعه إلى مستوى “المعركة الأخيرة والمصيرية التي يخوضها”.

نَفَض رياض سلامة، قبل أيّام، يديه من لوثة عرقلة التدقيق الجنائي، بالإشارة إلى جلستَيْ المجلس المركزي في 10 شباط و24 آذار اللتين أكّدتا الالتزام بالقانون رقم 200 الذي أقرّه مجلس النواب، والتعاون مع شركة “ألفاريز ومارسال”، و”وضع الحسابات التي لها علاقة بكلّ حسابات الدولة وحسابات المصارف، بتصرّف وزير المال، مع الاستعداد لتوفير التسهيلات كافة لشركة التدقيق”. أمّا حسابات مصرف لبنان “كاملة” فسُلِّمت، كما يقول سلامة، إلى وزير المال.

لكنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يجزم في مجالسه أنّ “سلامة يناور”، ووزير المال يكذّب حاكم مصرف لبنان علناً… وفي الوقت الضائع ها هي أموال الدولة المسروقة من حسابات المال العام يتمتّع أصحابها بما تدرّ عليهم من سلطة ونفوذ، وتزداد قدرتهم على تهريبها إلى الخارج بغياب قانون الـ”كابيتال كونترول”، وينعدم تأثّرهم، بطبيعة الحال، بالأزمة المالية الحادة.

وتطايرت المراسلات فوق الرؤوس من دون أن تقود إلى تقدّم، ولو طفيف، في استئناف “ألفاريز” نشاطها التدقيقي أو التعاقد مع شركة أخرى، في المدة التي تلت إقرار قانون تعليق السرية المصرفية لعامٍ واحد في 21 كانون الأول الماضي.

 

بانتظار اجتماع “حاسم”

ويُروَّج أنّ الاجتماع الإلكتروني، الذي سيُعقد الثلاثاء المقبل بين مصرف لبنان ووزير المال وشركة “ألفاريز”، حاسمٌ في سياق مسار التدقيق الجنائي.

وتفيد معلومات “أساس” أنّ وزير المال بادر إلى الاتّصال بحاكم مصرف لبنان قائلاً له: “ما دمتم قد وافقتم على تسليم جميع المستندات فهل لديك مانع من إجراءconference call  مع الشركة لبحث آليات العمل”. وعلى هذا الأساس حُدِّد الموعد لاجتماع تقنيّ يُفترض أن يبلور أقلّه إرادة الشركة استكمال مهمّاتها في لبنان.

مصادر مصرفية تؤكد أنّ “المصرف المركزي بسياساته المالية الحالية صاحب مصلحة في التدقيق الجنائي ويسعى إلى أن يحصل من دون أي تأخير”، بينما ترى مرجعية اقتصادية بارزة أنّ “هناك علامات استفهامٍ  كبيرة عن سبب تعثّر هذا المسار، خصوصاً بعد إقرار القانون رقم 200 (قضى بتعليق العمل بأحكام قانون سرية المصارف الصادر بتاريخ 3/9/1956 لسنة واحدة). وهذا موضوع خطير لم تُفهم ملابساته حتى الآن، لا سيّما أنّه يؤثّر سلبياً على سمعة لبنان. فمصرف لبنان ليس فقط رياض سلامة، بل هو المصرف المركزي مجتمعاً، الذي لديه دور أساسيّ في المرحلة المقبلة، وسيخوض غمار استحقاقات مصيرية، منها التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولذلك يحتاج إلى استعادة الثقة الدولية بمكانة لبنان المالية”.

وتفيد المعلومات أنّ سلامة أصدر بيانه الأخير عقب مقابلة رئيس الجمهورية مع “الجديد”، التي أوحى خلالها بعدم تجاوب مصرف لبنان مع مراسلات وزارة المال.

وتشير مصادر مالية إلى أنّ “وزير المال تسلّم كتباً من مصرف لبنان بعد صدور القانون تتيح له تسلّم جميع الحسابات المطلوبة، بما فيها حسابات المصارف الخاصة، لكنّ المشكلة أنّ الشركة لم تقرّر استئناف عملها، ومصرف لبنان يقول إن جميع المستندات متوافرة، وإنّه على جهة ما أن تتحمّل مسؤولية تسلّمها. فإذا أرسل وزير المال اليوم متخصّصين لتسلّمها فسيكون ذلك ممكناً، لكنّه، على ما يبدو، ينتظر شركة التدقيق لتنجز هذا الأمر، و”ألفاريز” لم تحسم خيارها حتى الآن”.

 

زبيب: التدقيق الجنائي مهزلة

برأي الخبير القانوني الدولي في الشؤون المالية والاقتصادية الدكتور علي زبيب فإنّ “مسرحية التدقيق الجنائي الهزلية مستمرة، والكل شركاء فيها”. وهو لا يصدّق “أحداً من أركان السلطة السياسية، بمن فيهم رئيس الجمهورية”. ويقول في حديث لـ”أساس”: “لو كانوا ينوون جدّياً أن يحصل التدقيق لَما صوّتوا على القانون رقم 200، الذي يرفع السريّة المصرفية لمدة سنة فقط، ويشير إلى التوازي في عمليات التدقيق في كلّ الحسابات. وما هذا التوازي إلا لغم كبير”، مُتسائلاً عن سبب “عدم إصرار الرئيس عون ولجنة المال والموازنة على تعديل القانون”.

ويلفت زبيب إلى أنّه “في معزل عن نتائج اجتماع يوم الثلاثاء الذي لن يخرج عن إطار تقاذف الكرة بين الفرقاء المعنيين بالتدقيق، هناك استحالة تقنية لإجراء التدقيق في جميع الحسابات العمومية، بسبب انعدام القدرة البشرية والتقنية في لبنان ولدى أي شركة عالمية لإنجازه. وإذا كنا سندفع مليونيْ دولار للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، فقد ندفع أكثر من 300 مليون دولار لإجراء التدقيق في حسابات كلّ المؤسسات والوزارات التي شملها القانون”.

ويسأل زبيب: “لماذا تُرفع السريّة المصرفية لعام واحد، ولا يكون رفعها دائماً؟ وما الذريعة اليوم لعدم رفع السرية المصرفية تلقائياً عن الحسابات العامة، التي يحقّ لدافعي الضرائب، أي نحن، أن يعرفوا كل تفصيل عنها، فيما لدينا الفرصة لوضع الجميع تحت المحاسبة؟”.

ويجزم زبيب أنّ “مهلة العام، التي تخضع فيها الحسابات لتعليق السريّة المصرفية لغايات التدقيق الجنائي، قد مرّ عليها أكثر من ثلاثة أشهر ولم نشهد أي تقدّم، وتخلّلها تأخير خمسة أسابيع من جانب مصرف لبنان للردّ على أسئلة “ألفاريز” بأجوبة غير جدّيّة ومفخّخة بحصرها تسليم المستندات وفق موجبات القانون التي تنصّ على رفع السريّة المصرفية لعام واحد فقط، والتدقيق المتوازي لكل الحسابات”.

ويؤكّد زبيب أنّ “يوم الثلاثاء لن يكون حاسماً، وستستمرّ المسرحية التي تتوزّع الأدوار فيها على أركان السلطة السياسية الممثّلين بمجلسيْ النواب والوزراء، ومصرف لبنان الراعي والمغطّي الأول لهذه العمليات، والمصارف التي لها المصلحة المباشرة في عدم حصول التدقيق لأنّ أصحابها أوّل من سيدخلون السجون مع السياسيين ناهبي المال العام”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى