كان الوقت يمرّ بطيئاً مساء السبت. شُحّ المعلومات، معطوفاً على تطوُّر التسريبات التي ظلَّت تتأتّى تباعاً عبر الإعلام الغربي وغيره من الوسائط، أنذر بعاصفة كان يمكن أن تجتاح الأردن، لولا «يقظة» سلطاتها حيال «مؤامرة» لا تزال تفاصيلها طيّ الكتمان، وإن خرج أبطالها، لاحقاً، إلى دائرة الضوء. في الصورة الكبيرة، هناك متّهمون سعوا، بدعم من الخارج، إلى إطاحة عبد الله الثاني، أبرزهم الأخ غير الشقيق للملك، ولي العهد الأردني السابق حمزة بن الحسين، الذي استمرّ لساعات تداوُل خبر اعتقاله، خصوصاً بعد نشر صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً ذكرت فيه، نقلاً عن مسؤول استخباري رفيع المستوى، أن المتّهم يخضع للإقامة الجبرية، وسط تحقيق قائم في مؤامرة لإطاحة الملك. وهو تسريب استدعى ردّاً رسمياً نشرته وكالة «بترا» الأردنية للأنباء، التي أكّدت أن الأمير «ليس قيد الإقامة المنزلية وليس موقوفاً»، إلى أن بثّت شبكة «بي بي سي» تسجيلاً مصوّراً لحمزة بن الحسين، يعلن فيه أن الأجهزة الأمنية أبلغته أنه قيد الإقامة الجبرية، وطلبت منه عدم التواصُل مع أحد، قائلاً: «لست مسؤولاً عن أيّ عملية انقلاب… لم أرتكب أيّ مخالفات ولم أكن طرفاً في أيّ مؤامرة».
جَمعت التسريبات الأولى التي نقلتها وسائل الإعلام الغربية، والأميركية خصوصاً، أحجية مشهد مفكّك لأحداث ليل السبت الغامضة في مملكةٍ لطالما اعتُبرَت «واحةً للاستقرار النسبي في المنطقة»، على حدّ وصف صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. لكن تلك الصورة الهادئة «انقلبت بعد خروج الاضطراب القائم منذ فترة طويلة بين الملك عبد الله الثاني والأمير حمزة إلى العلن». في حديثه إلى الصحيفة، يقول رئيس الديوان الملكي الأسبق، جواد العناني، إن الطريقة التي تمّ الكشف فيها عمّا حصل، باعتقالات ومقاطع مصوَّرة، كانت مروّعة، لافتاً إلى أنه على رغم التوتّرات، لطالما قدّمت العائلة الملَكية صورة الجبهة الموحّدة، إلّا أن أحداث السبت حطّمت تلك الصورة، حين تفجَّر الخلاف في وضح النهار، فيما أبرزت مواجهة الملك – الأمير، بالنسبة إلى العديد من المراقبين الدوليين، «هشاشة الهياكل الاجتماعية الكامنة خلف الواجهة الهادئة للأردن»، وفق الصحيفة.

لم تكن للمؤامرة، التي جرى «تضخيمها» في الدار، ارتدادات تُذكر على مستوى الخارج؛ إذ إن مسؤولين أردنيين كباراً قلّلوا من شأن ما حصل أمام نظرائهم الإسرائيليين، وأخبروهم، بحسب «نيويورك تايمز»، أنه لم تكن هناك محاولة انقلاب، وأن القصة مبالَغ فيها من قِبَل وسائل الإعلام. وفي هذا الإطار، أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن عدداً من الدبلوماسيين الغربيين والعرب شكّكوا في اتهامات الحكومة الأردنية في حقّ حمزة بن الحسين، وقلَّلوا من شأن ما وصفوه بـ»شائعات» عن محاولة إطاحة الملك عبد الله الثاني. ونقلت عن دبلوماسيين لم تسمِّهم قولهم إنه لا توجد أدلّة على تورُّط أيّ شخص في الجيش الأردني في المؤامرة المزعومة، فيما أكّد دبلوماسي غربي أن «التوتّرات كانت تتفاقم في الديوان الملكي منذ فترة»، مستبعداً أن يكون اعتقال الأمير حمزة ردّاً على أيّ تهديد وشيك. واعتبر أيضاً أن الحكومة الأردنية تعتمد على صورتها كـ»درع متينة» ضدّ الاضطراب في المنطقة بهدف كسب دعم بعض الحلفاء، مثل الولايات المتحدة والسعودية، قائلاً إن الاعتقالات قد تكون جزءاً من محاولة لتصوير أن هناك تهديداً من أجل إبقاء البلد في دائرة الضوء. ولفتت الصحيفة إلى أن اتفاقات التطبيع، التي وُقّعت أخيراً بين إسرائيل والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى، أضعفت من أهميّة الأردن، الذي ظلّ لفترة طويلة يلعب دور «حلقة وصل بين إسرائيل وبقية دول الشرق الأوسط». ربّما يكون اعتقال كلٍّ من رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، والأمير حمزة، «كَرَمْي عصفورين بحجر واحد»، وفق مجلّة «فورين بوليسي» التي تنقل عن كيرتس ريان، الأستاذ في جامعة أبالاتشيان الحكومية ومؤلف كتابَين عن السياسة الأردنية، قوله: «لا يَظهر الاسمان عادةً في الجملة نفسها»، لكونهما ينتميان إلى عالمين مختلفين، فعوض الله عضو لا يحظى بشعبية في النخبة التكنوقراطية الجديدة، في حين أن قاعدة الأمير حمزة مرتبطة بزعماء القبائل في الأردن.
تأتي الأحداث الأخيرة في وقت حسّاس بالنسبة إلى الطبقة الحاكمة في الأردن، التي تواجه تظاهرات على خلفية القيود المفروضة لاحتواء فيروس «كورونا»؛ إذ تعرّض الاقتصاد الأردني لضربة قوية في العام الماضي، حيث اقتربت نِسَب البطالة من 24%. كما أنها تأتي في وقتٍ تتدهور فيه علاقات الأردن مع إسرائيل. ولكن «استقرار الأردن» يُعدُّ، وفق «بلومبرغ»، أمراً حاسماً للمنطقة، بسبب دور المملكة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ووجودها على حدود سوريا والعراق اللتين مزّقتهما الحرب.