الحدث

سوريا وليبيا.. مفاتيح العلاقة الروسيّة العربيّة

هدى رزق

تحتاج الدبلوماسية الروسية من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية مع الدول العربية إلى تحرير أجندتها الخاصة بالشّرق الأوسط من تبعات الأزمة السورية.

شكَّلت الأجندة السورية قاعدة تواصل ومصالح مشتركة في العلاقات الروسيّة الخليجيّة. ومن دونها، لم يكن ممكناً فتح ثغرات اتسعت إلى تعاون وقواسم مشتركة بين موسكو وبعض العواصم الخليجية. أظهرت الدبلوماسية الروسية مرونة وقدرة على التفاوض عبّرت عنها زيارات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 9 و11 آذار/مارس إلى عواصم عدة، منها زيارة السّعودية التي تميّزت بطابعها البروتوكولي، بينما تمايزت العلاقة مع الإمارات بالقواسم المشتركة على عدة مستويات.

أما قطر، اللاعب في المسرح السوري والطرف الساعي إلى استعادة علاقاته العربية، فقد أبدت مرونة في الملفّ السّوري، وتعاونت في ملفات أخرى ذات طابع تجاري وتكنولوجي. يبقى أن العلاقات المصرية الروسية نالت نصيب الأسد، وهي خطوة افتقدها البلدان منذ سبعينيات القرن الماضي.

لا تركّز روسيا على المصالح الاستراتيجيّة، بل على المنافع المتبادلة. طرح لافروف مشاريع محتملة في المجال الأمني العسكري التجاري والتكنولوجي والنووي، وركَّز على تعزيز البرامج الاقتصادية المشتركة. سوَّقت موسكو تجربتها مع تركيا كمثال في بناء الطاقة النووية وتطويرها وبيع صواريخها المضادة للطائرات من طراز “أس 400″، من دون أن تكون العلاقة استراتيجية.

 في الواقع، تحتاج الدبلوماسية الروسية من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية مع الدول العربية إلى تحرير أجندتها الخاصة بالشّرق الأوسط من تبعات الأزمة السورية. لذلك، إنّ التقارب بينها وبين هذه الدول عبر ملفات مختلفة اقتصادية وسياسية مختلفة يظهر حاجتها إلى تفعيل دورها في المنطقة، وإسنادها بعلاقات تعزز مصالحها وتظهر قدراتها انطلاقاً من المصالح المشتركة، وإعطائها الأولوية من أجل فتح الباب أمام التعاون المستقبلي. كما يهمّها أن لا تبدو كأنها تصارع الولايات المتحدة على النفوذ، لأنها تعي تماماً ماهية العلاقة بينها وبين دول الخليج.

سوريا وليبيا مفتاح باب علاقة التعاون مع أبو ظبي 

لا تستطيع موسكو تجاهل تعاظم الثقل الإماراتي في المنطقة العربية، إذ إنها أصبحت لاعباً سياسياً قوياً في السنوات الأخيرة في شؤون متعددة، منها الشأن اليمني والفلسطيني والسوري والمصري. وقد شاركت في الحرب على سوريا، وحاولت دعم منظمات يسارية وأخرى معتدلة. وعندما جرى استقطابهم من قبل المجموعات الإرهابية، ذهبت مع الولايات المتحدة ومصر إلى دعم وتدريب “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن عليها الكرد من أجل قتال “داعش”، ودعمت تيار “الغد” السوري، وهو يضم قوات النخبة التي كانت جزءاً من “قسد”.

تسعى دولة الإمارات إلى تولي دور أكبر في الشأن السوري. وفي خطوة تدلّ على ارتفاع وتيرة التنسيق بين أبو ظبي ودمشق، أعادت افتتاح سفارتها. وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، أثنت على القيادة الحكيمة للرئيس بشار الأسد، واصفةً العلاقات بينهما بأنها “متينة ومتميزة وقوية”، وهي تعارض الوجود الإيراني في سوريا وحرية الحركة العسكرية والسياسية التي تتمتع بها إيران، وتدعو إلى خروج تركيا، وتعتبرها محتلة.

تعتقد روسيا أنّ للإمارات دوراً مهماً من حيث “مَوْنَتها” على “قوات سوريا الديمقراطية” وقدرتها على التأثير فيها من أجل العودة إلى الحضن السوري، كما تأمل موسكو جذب التمويل الإماراتي من أجل المساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية للاقتصاد السوري، ما سيحمل بقية دول الخليج على الانخراط في إعادة الإعمار.

 تقترب روسيا من الإمارات بعد اصطدامها بمراوغة تركيا ودعمها للفصائل الإرهابية ومحاولة تلميعها ورفضها تطبيق اتفاقية أضنة، كذلك محاولات توسعها في سوريا وفرض وجودها العسكري، عبر اللعب على التناقضات الأميركية الروسية لكسب المزيد من النفوذ في سوريا وليبيا والقوقاز، وأخيراً في أوكرانيا، ما يحمل موسكو، من بين أسباب أخرى، على توسيع شبكة الاتصالات العربية في الشأن السوري، فضلاً عن قدرة الدول الخليجية على المساعدة في إعادة الإعمار.

خالفت الإمارات رأي الولايات المتّحدة التي فرضت قانون “قيصر”، واعتبرت أبو ظبي أنَّ القانون منع التعاون مع دمشق، ورأت ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتثمير الجهود بهذا الشأن. وبعيداً عن سوريا، فإن مواقف موسكو وأبو ظبي قريبة أيضاً من الحالة الليبية، وهناك احتمال لقيام الإمارات بتمويل شركات عسكرية روسيّة خاصّة في ليبيا.

تثمير العلاقات مع قطر

نجاح محادثات لافروف مع قطر بعد تصريحات الإمارات عن موقفها من سوريا أثمر، فالدولتان تتناقضان حيال الموقف من الإسلام السياسي، ولا سيما دور الإخوان المسلمين، كذلك تتنافسان على النفوذ في المنطقة. الاتصالات والاجتماعات المنتظمة بين تركيا وقطر وروسيا خلقت تنسيقاً “ثلاثياً” لتسويات مختلفة في سوريا أدى إلى دعم النازحين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، واستفاد الجانب الروسي في توجيه جزء من الأموال إلى مناطق سيطرة الدولة السّورية.

موسكو مهتمّة بالتعاون مع قطر على الصعيد الاقتصادي الروسي وتوجيه استثمارات الصّندوق السّياديّ القطريّ ليس فقط إلى قطاع إنتاج النّفط عبر شركة “روزنفت”، ولكن أيضاً إلى النقل والخدمات اللوجستيّة والزراعة وغيرها.

العودة الروسيّة إلى مصر تثير حنق تركيا

اعتبر وصول لافروف إلى القاهرة بمثابة ردّ من موسكو على لقاء الرئيسين الأوكراني والتركي في إسطنبول في 10 نيسان/أبريل، على خلفية تفاقم الأوضاع في شرق أوكرانيا. تُعتبر مصر بالنسبة إلى تركيا أحد المنافسين الأقوياء. جاء لقاء لافروف مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري في 12 نيسان/أبريل ليتوّج مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين اللذين أقاما تحالفاً وثيقاً في ليبيا، وما زالت مواقفهما متشابهة من الصراع الليبي، ابتعاداً تدريجياً عن القائد العسكري خليفة حفتر، ودعماً بشكل أكبر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

أما في الفترة الحالية، فهما داعمان لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، إلا أنهما يعملان مع بعض القوى في الغرب الليبي من أجل الحد من تأثير النفوذ التركي.

لقد توصّلا في سوريا إلى تفاهم على موقف ما يُسمى بـ”منصة القاهرة” للمعارضة السورية، التي تشرف على أنشطتها مصر والإمارات العربية المتحدة، وينظر إليها العديد من المعارضين السوريين الموالين لتركيا باعتبارها ومنصة موسكو مقربتين من دمشق.

كانت موسكو قد زوّدت مصر بمقاتلات روسية “Su-35” في صيف العام 2020، وعقدت معها صفقات أسلحة واتفاقية لنقل التكنولوجيا وتنظيم الإنتاج المشترك لمركبات قتالية وتعزيز الدفاعات الجوية المصرية بأنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات.

تقوم موسكو والقاهرة بمناورات جويّة مشتركة، كما تقومان بمناورة أخرى في البحر الأسود، إضافة إلى التعاون العسكري الفنيّ والسّياحة، وتطوير سوق الطاقة المصري. ويعتبر مشروع محطة “الضبعة” أكبر مشروع للطاقة الروسيّة في مصر، وهو بناء محطة للطاقة النووية في شمال غرب مصر على ساحل البحر الأبيض المتوسّط.

ومن المقرر أن تكون المنطقة الصناعية الروسية التي تبلغ مساحتها الإجمالية 525 هكتاراً (2 ميل مربع)، وتقع في مدينة بورسعيد، موطناً لمكاتب الشركات الروسية وفروعها. ومن المحتمل أن تصبح هذه المنطقة مشروع بنية تحتية روسي استراتيجي في مصر. هذا المشروع الذي تم إطلاقه في العام 2018 ما زال قيد التنفيذ. وتشارك شركة “روسنفت” الروسية المساهمة في مشروع تطوير حقل غاز ظهر على الجرف المصري للبحر الأبيض المتوسط، وتقوم الشركات الروسية بإنتاج النفط.

كانت روسيا قد أوقفت رحلاتها إلى مصر في العام 2015 بعد إسقاط طائرة سياحية روسية في مصر على يد “داعش”، وتحوّل السياح الروس إلى تركيا، لكن لافروف أعلن استئناف الرحلات الجوية الروسية المباشرة إلى المنتجعات المصرية على ساحل البحر الأحمر إلى شرم الشيخ والغردقة في أقرب وقت. وقد جرى التنسيق مع مسؤول الاستخبارات المصرية بهذا الصدد من أجل سلامة الرحلات الجوية.

أتى هذا القرار في الوقت الذي أنهت روسيا الرحلات الجوية المنتظمة بينها وبين وتركيا، وأجّلتها مدة شهرين بسب انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع في تركيا، التي قامت بدورها برد فعل، وأوقفت رحلاتها ذهاباً وإياباً إلى روسيا حتى شهر حزيران/يونيو. قد تكون جائحة كورونا سبباً وجيهاً، لكن لا تبدو العلاقات الروسية – التركية منذ أزمة أوكرانيا بأفضل أحوالها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى