تحقيقات - ملفات

فرنسا تُقدّم روايتها: باسيل، سان كلو، بن سلمان.. وإنقاذ “الهيكل”

باريس ـ بشارة غانم البون-180Post

ما هي صحة المعلومات التي تداولتها أوساط سياسية وإعلامية لبنانية حول السعي الفرنسي لتحريك موضوع تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة واستضافة باريس شخصيات سياسية وحزبية لبنانية؟ وما الجديد في ترجمة زيادة منسوب الضغط على “المعرقلين”؟ “مفارقة ملفتة تعيشها الأزمة اللبنانية على خط باريس – بيروت.

هدوء ديبلوماسي وتحرك صامت هنا، ضوضاء سياسية وثرثرة اعلامية هناك”. بهذه الكلمات وصفت الاوساط الفرنسية المتابعة للملف اللبناني في باريس الكلام المتداول في بيروت في نهاية الاسبوع الماضي والذي وصلت اصداؤه الى باريس مطلع هذا الاسبوع بعد عطلة عيد الفصح والذي يتناول زيارات محتملة لشخصيات لبنانية الى العاصمة الفرنسية ونية الاخيرة استضافة لقاءات حوارية فيها. تبدي هذه الاوساط الفرنسية استغرابها الشديد لكمية “الفبركات الغريبة والتسريبات المفتعلة البعيدة كل البعد عن واقع الامور والتي تدل إما عن جهل فاضح أو محاولة التفاف على كيفية ادارة الملفات الديبلوماسية في دولة كبرى لها مؤسساتها وتقاليدها وآليات عمل تتبع فيها المنهجية وتحترم فيها التراتبية”.

وقد تجمعت لدى هذه الاوساط جملة معطيات حول مختلف العناوين التي تم تداولها في الايام القليلة الماضية على الشكل الآتي: أولاً، زيارة باسيل الى قصر الاليزيه: تتعجب الأوساط نفسها كيف تم تداول هذا الموضوع بدقائق تفاصيله لجهة تحديد الزمان (يوم الاربعاء) والمكان (قصر الاليزيه) وجدول المحادثات (الثنائية مع الرئيس ايمانويل ماكرون والموسعة بحضور الرئيس اللبناني المكلف بتأليف الحكومة سعد الحريري).

الأكيد أن لا جدول مواعيد الرئاسة الفرنسية لحظ ايا من هذه المواعيد اللبنانية ولا دعوات وجهت الى هذه الشخصية او تلك. وكشفت هذه الاوساط ان معلومات وصلت الى باريس عن فكرة راودت ذهن النائب باسيل خلال الاسبوع الماضي وتقضي بالقيام بزيارة باريس بصفته “موفداً رئاسياً يحمل رسالة شخصية من الرئيس ميشال عون الى نظيره الفرنسي”، وهذه الصفة هي الوحيدة التي تؤمن له غطاءً بروتوكولياً وتفتح له سياسياً ابواب الرئاسة الفرنسية وخصوصا استقباله من ماكرون، ذلك ان صفة باسيل الحالية هي “نائب ووزير سابق”، وعادة لا استقبال رسمياً على هذا المستوى، وامكان الاتصال او الاجتماع هو مع احد مستشاري قصر الاليزيه (رئاسة الجمهورية) او احد المديرين في الكي دورسيه (وزارة الخارجية).

اضافة الى ان باسيل يعرف جيداً ان حبل المودة مفقود بينه وبين الفريق الامني والديبلوماسي المحيط بماكرون.

ويبدو ان ثمة من علم بالامر ودخل على الخط في محاولة لتعطيل هذه الفكرة وعدم تحقيقها فأخرجها من طي الكتمان ووضعها في سوق التداول السياسي والاعلامي عبر اظهار مسعى باسيل كأنه محاولة لاعادة الاعتبار الخارجي والتعويم الداخلي، مما استتبع رفض الحريري ملاقاة مساعي التقارب وتمسكه بمعادلة “رئيس الجمهورية ميشال عون هو المرجع المعني والوحيد في عملية التأليف”. لذلك سارع باسيل الى نفي كل الاخبار المتداولة والتأكيد انه “ليس بحاجة الى وسطاء مع الجانب الفرنسي”، كما انه لم يخف امام المقربين منه امتعاضه الشديد مما وصفها بـ”الورطة” التي تم زجه فيها، قبل أن يعيد توضيح موقفه في الساعات الأخيرة.

ثانياً، استضافة باريس طاولة لبنانية مستديرة: ترافق الكلام المتداول عن زيارة محتملة للنائب باسيل الى باريس مع ضخ تسريبات حول توجيه دعوات فرنسية لاكثر من فريق سياسي وحزبي لبناني معني بتأليف الحكومة وبالأزمة السياسية ككل.

كما تم الذهاب أبعد من ذلك من خلال الحديث عن تنظيم الديبلوماسية الفرنسية إجتماعاً لبنانياً موسعاً – طاولة مستديرة جامعة – على غرار لقاء لا سيل – سان كلو الحواري الذي انعقد في تموز/ يوليو 2007. توضح الاوساط الفرنسية ان استعداد باريس لاستضافة اي لقاء حواري لبناني جامع يبقى قائماً، وهو يندرج في اطار المبادرة الفرنسية التي اطلقها ماكرون في الصيف الماضي، إذ أنه تحدث عن هذا الموضوع مع الرئيس عون وشجّعه على تنفيذ بنود المبادرة الفرنسية واولها تشكيل الحكومة الجديدة والمضي في تنفيذ برنامج الاصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية والملحة ومن ثم العمل “بعقل بارد وبتشاور هادىء” للاعداد لمثل هذا اللقاء بغية دراسة المشاريع الاصلاحية السياسية المطلوبة.

من هنا ترى هذه الاوساط انه ينبغي اعطاء الاولوية القصوى حالياً لموضوع تأليف الحكومة والمباشرة بعملية الاصلاحات الاقتصادية والمالية من اجل وضع حد لحال الانهيار قبل فوات الاوان، “فما الفائدة من تفصيل ثوب جديد لمريض يعاني من نزيف داخلي حاد وخطير قبل وضع حد للنزف وانقاذ حياته، والا فان الثوب الجديد لن يفيده بعد هلاكه”! ثالثاً، أخطار الانهيارات: دعوة باريس المتكررة والملحة الى تشكيل حكومة جديدة ترافقها تحذيرات متصاعدة من خطورة تعثر الاوضاع السياسية وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على مجالات حيوية بنيوية في المجتمع اللبناني، ففرنسا “تراقب بقلق كبير تداعيات الازمات العميقة والتي تتسبب بانهيارات في المجالات الامنية والاجتماعية والتربوية والثقافية”.

وبحسب الاحصاءات التي تتلقاها العاصمة الفرنسية بشكل متواصل، فان معدلات الفقر والسرقة والانتحار والهجرة (سفارة غربية واحدة في بيروت سجلت اكثر من 130 الف طلب هجرة) فاقت كل المعدلات السابقة، وسجلت ارتفاعا غير مسبوق. من هنا جاءت باريس لتطلق صفارة الانذار معلنة ان الامن الاجتماعي والاستقرار الاهلي في خطر داهم.

رابعاً، الضغوط الفرنسية والاوروبية: استهجنت الاوساط الفرنسية كيفية تعامل بعض الفرقاء السياسيين والحزبيين في لبنان مع موضوع المضي في دراسة وسائل زيادة الضغوط الأوروبية والفرنسية على المعرقلين لتأليف الحكومة. ففي وقت ابدت بعض الأطراف اللبنانية في العلن مظاهر الاستخفاف والاستهزاء بقدرة الجهات الفرنسية والاوروبية على الذهاب بعيدا في هذه العملية وصولا الى مرحلة فرض الاجراءات الاحترازية والقانونية حيالها، كانت في الخفاء تستعين بكل القنوات المتوفرة سياسيا وديبلوماسيا وحتى اعلاميا لمعرفة مدى جدية هذه الارادة المشتركة الفرنسية – الاوروبية وما اذا كانت مدرجة على لائحة الشخصيات المستهدفة! واعربت هذه الاوساط عن ارتياحها لردة فعل المجتمع المدني اللبناني مع هذا التوجه الفرنسي والاوروبي، أكان على الصعيد الشعبي أو على مستوى القوى الفاعلة من ناشطين ومثقفين وقطاعات مهن حرة، وقالت إن اصواتا سياسية ونيابية فرنسية بدأت تطالب الحكومة الفرنسية باعتماد “موقف حازم” حيال تدهور الاوضاع في لبنان.

وفي موازاة متابعة باريس مساعيها لتنسيق التعاون مع شركائها الاوروبيين لوضع آلية تنفيذية للضغوط، اكدت العاصمة الفرنسية انها اعدت من جانبها “اقتراحات عملية” بحق “الذين يعرقلون عمداً” التوصل الى حل لأزمة تاليف الحكومة، وتوضح “ان هؤلاء معروفون جيداً”!. كما انها تشير الى ان الوضع لم يعد يحتمل الانتظار والايام القليلة المقبلة ستكون حاسمة.

ويبدو ان هذه الاوساط تشجّع الجهات المدنية اللبنانية للتقدم بدعاوى قانونية امام المحاكم الفرنسية التي تستطيع وضع يدها على الموضوع واتخاذ التدابير الاحترازية الضرورية.

خامساً، التعاطي الاقليمي مع التحرك الفرنسي: برغم محاولات كل من فرنسا والامارات “لفتح باب أو نافذة صغيرة” من قبل الرياض لأجل إستقبال الرئيس سعد الحريري (او “مجرد اخذ صورة له مع ولي العهد”، كما يقول احدهم) لم تلق هذه المساعي آذاناً صاغية. فالمملكة لن تعطي شيكا ولا حتى صورة على بياض، وهي اكتفت برد ديبلوماسي: ننتظر كيفية تشكيل الحكومة اللبنانية وبرنامجها وخطة تحركها وبعدها “نحدد موقفنا منها بمعزل عن شخص رئيسها”.

أما طهران، المنهمكة بمشاورات فيينا والاتصالات المباشرة وغير المباشرة العلنية والخفية حول مستقبل تنفيذ الاتفاق النووي، فيبدو انها تبقي عينا ساهرة على تمددها الاقليمي وهي اكثر من اي وقت مضى ترغب في ان تكون شريكا في اية تسوية وحاضرة عبر حلفائها. وآخر مظاهرها ما تردد عن “رسالة امنية” وصلت الى باريس في اطار عملية شد الحبال عبر التلويح باستخدام ورقة فتح الشواطىء اللبنانية امام تدفق النازحين السوريين نحو المتوسط والبلدان الاوروبية.

سادساً، مسؤولية سقوط الهيكل: بالرغم من كل العوامل الخارجية والمعطيات الاقليمية، تعتقد الاوساط الفرنسية ان الكرة ما تزال في ملعب افرقاء لبنانيين ثلاثة (رئيس الجمهورية وباسيل؛ الحريري؛ الثنائي الشيعي). فمعركة كسب الوقت خاسرة سلفاً، كما ان الاختباء وراء الشعارات والتهرب من المسؤوليات والاحتماء وراء المحاور لن يحمي هذا الثلاثي، فإن سقط الهيكل اللبناني، وهو على وشك السقوط، ما من رأس سيسلم من تداعياته، وعليهم جميعا، كل من موقعه، المبادرة لأجل تحمل مسؤولياته الانقاذية.

وتنهي هذه الاوساط قراءتها بلغة لا تخلو من الحزم وبلهجة تحذيرية ممزوجة بشيء من المرارة:”اذا لم يتحمل اللبنانيون مسؤولياتهم، نحن من جهتنا، سنتحملها”!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى