بهدوء وبالتدريج، تُواصل سلطات الاحتلال على مدار سنوات ارتكاب جرائم جماعية ضدّ الفلسطينيين في القدس المحتلّة، والهدف إبعادهم عن المسجد الأقصى عبر مخطّطات لعزل وهدم أحيائهم الملاصقة للحرم القدسي من الناحية الشرقية، وهو ما يتزايد حالياً في حيَّي البستان والشيخ جرّاح. خلال العقود الماضية، تعرّض الحَيّان لمحاولات تهويد بدأها عدد من الحركات اليهودية بشراء البيوت العربية عبر وسطاء بعضهم فلسطينيون أو عملاء، ليتبعها إعلان بلدية الاحتلال مخطّطات تنظيمية لتلك المناطق، الأمر الذي فتح نار جهنم على المرابطين في هذه الأحياء لحماية الأقصى.
ومع استمرار بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، واعتراف الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة للاحتلال، تكثّفت الهجمة ضدّ الأحياء الفلسطينية التي تعرّضت لانتهاكات كثيرة، بحيث باتت إشعارات الهدم في سلوان والشيخ جرّاح تصل سكّانهما بصورة شبه يومية. وحيّ سلوان يقع على بعد 300 متر جنوب الأقصى، وهو مُقام على مساحة 70 دونماً، ويسكنه قرابة 2000 نسمة، ويضمّ 100 وحدة سكنية باتت مهدّدة كلها، إذ أعلنت بلدية الاحتلال أنها ستزيل الحيّ بالكامل لإقامة حديقة توراتية ونصب تذكاري لجيش العدو مكانه. وسلّمت سلطات العدو أوّل إخطار إزالة للحيّ في 2005، ليبدأ مسلسل التضييق بهدم عشر وحدات سكنية دفعة واحدة في ذلك العام.
عملياً، تعرّض رجال سلوان كافة للاعتقال، بالإضافة إلى 70% من نسائه، كما فَصل الاحتلال العشرات من أعمالهم، علماً أن سكّان الحيّ مجبورون على دفع أكثر من 58 ألف شيكل (18 ألف دولار) شهرياً هي غرامات يفرضها الاحتلال بذريعة «البناء من دون ترخيص». وتقول مصادر مقدسية إنها تتوقّع ارتكاب حكومة العدو «مجزرة» بتنفيذ عمليات هدم جماعية من شأنها أن تطاول عشرات المنازل بسبب ضغوط كبيرة تمارسها الأحزاب اليمينية المتطرّفة، وهو ما دفع أهالي الحيّ إلى إعلان الاستنفار واتخاذ قرار بالمواجهة، الأمر الذي يزيد من إمكانية تفجُّر الأوضاع في المدينة المحتلّة.

وضمن خطّة تطويق البلدة القديمة، يحاول الاحتلال إقامة حزام استيطاني يعزل الحرم القدسي عن أماكن الفلسطينيين، لكن حيّ الشيخ جراح (شرقاً) يمثّل حجر عثرة أمام ذلك، ولذا يعمل العدو على تهجير سكّانه منه بحجّة عدم امتلاكهم أوراقاً تثبت ملكيّتهم للأرض (راجع العدد 4300 في السبت 20 آذار). وترجع قصة الحيّ الذي يسكنه 500 فلسطيني إلى عام 1956، عندما اتفقت الحكومة الأردنية مع «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) على إسكان 28 عائلة من لاجئي النكبة فوق أرض تُسمّى «كرم الجاعوني». ووفق الاتفاقية، تُسجّل ملكية البيوت والأرض، بعد ثلاث سنوات من إقامة اللاجئين في بيوتهم الجديدة، بأسماء العائلات في الطابو الأردنيّ. لكن بعد احتلال القدس عام 1967 مباشرةً، بدأ مسلسل السيطرة على الحيّ بالاستيلاء على عدد من المنازل فيه، ثمّ إخطار السكان بالرحيل. والجديد في القضية أنه بعد ضغط العائلات الفلسطينية، أعلن الأسبوع الماضي المتحدّث باسم الخارجية الأردنية، ضيف الله الفايز، أن عمّان سلّمت في 2019 السفارة الفلسطينية مراسلات وعقود إيجار لوحدات سكنية تعود إلى أهالي الشيخ جرّاح، مؤكداً أنه تمّ تسليم سجلات المملكة الرسمية، والعائدة إلى وزارة الإنشاء والتعمير سابقاً، وكلّها تُبيّن بعد البحث الدقيق والمطوّل إبرام عقود تأجير لعدد من الأهالي تمّ نشرها في الصحف الأردنية.
وتُخطّط سلطات الاحتلال لبناء 200 وحدة استيطانية فوق أراضي الشيخ جرّاح وبيوته، بما فيها نصب تذكاري لأحد ألوية الجيش، على أن يخدم هذا المخطّط رؤية العدو في تطويق البلدة القديمة، بتحقيق امتداد جغرافي استيطانيّ، وخنق الأحياء الفلسطينية وقطع تواصلها. وخلال مطلع العام الجاري، طُرحت على طاولة حكومة الاحتلال ثلاثة مشاريع تهويدية للقدس، تقوم على مصادرة أحياء فلسطينية كاملة وتشريد سكانها. ومن تلك المشاريع مصادرة نحو 40% من أراضي الشيخ جرّاح، وطرد 500 مقدسي منه خلال شهرين. وبالفعل، صدر قرار ضدّ سبع عائلات بإخلاء منازلها قبل الشهر المقبل، وأخرى قبل آب/ أغسطس المقبل، وذلك لعجزها عن إثبات ملكيّتها نتيجة تلكّؤ الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية في هذا الملف.