دياب موافق على التعديل… وتريّثه في عقد جلسة إستثنائية سببه الخشية من تعويمها

دوللي بشعلاني-الديار

لم يتوصّل لبنان بعد الى إقرار تعديل المرسوم 6433 بعد أن أصبحت الكرة في ملعب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب الذي وافق بطبيعة الحال على التوقيع، لكنّه لم يُبدِ أي حماسة لعقد جلسة إستثنائية لمجلس الوزراء لإقراره مجتمعاً كونه يخشى من تعويم حكومته المستقيلة وهو لا يريد ذلك. ولهذا بقيت مسألة كيفية التوقيع على المرسوم خلال الأيام الأخيرة موضع بحث وتفاوض ونقاش من قبل المعنيين ليتمّ إرسال المرسوم بعد إقراره الى الأمم المتحدة قبل بدء العدو الإسرائيلي أعمال التنقيب والشفط في أوائل حزيران المقبل. فهل سيُشكّل هذا الأمر عقدة جديدة تُبرز الخلافات الداخلية وتُضعف موقف لبنان في الخارج؟

مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أنقذ الموقف من جوانب عدّة، وحفظ حقّ لبنان «دولياً» في السيادة والحقوق والمصالح اللبنانية. فموقف عون الأخير الذي أُعلن في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بعد لقائه السفير هيل أوضح «أهمية استمرار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية واستكمال الدور الأميركي من موقع الوسيط النزيه والعادل». وقد طالب عون باستقدام خبراء دوليين لمساعدة لبنان على ترسيم الخط الحدودي الفاصل بين لبنان والعدوالإسرائيلي، الأمر الذي من شأنه حسم الأمر وإنهاء النزاع حول الخطوط المقترحة من هذا الجانب أو ذلك، وتدعيم موقف لبنان بشكل قانوني دولي.

وإذ أشار عون الى أنّه «يحقّ للبنان أن يُطوّر موقفه وفقاً لمصلحته وبما يتناسب مع القانون الدولي والأصول الدستورية»، بعد أن أبدى هيل استعداده لتسهيل المفاوضات على الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي على الأسس التي «بدأناها»، كما قال، مع إمكانية استقدام خبراء دوليين للمساعدة، اشترط عون التزام العدو بعدم القيام بأعمال نفطيّة أو غازيّة، وعدم البدء بأي أعمال تنقيب في حقل «كاريش» وفي المياه المُحاذية مؤكّداً على أنّه لن يُفرّط بالسيادة والحقوق والمصالح اللبنانية.. وهذا يعني بأنّه من حقّ لبنان العمل على ترسيم حدوده بمساعدة دولية، ولمرّة نهائية دون التقيّد بمسألة التوقيت والتسرّع في تعديل المرسوم من دون الضمان الفعلي لحقّ لبنان وتحديد منطقته الإقتصادية الخالصة دوليّاً. وقالت المصادر بأنّ تشديد عون على أن يكون ترسيم الحدود موضع توافق بين اللبنانيين، هو أمر بالغ الأهمية كون الموقف الوطني الموحّد يقوّي موقف لبنان ولا يُضعفه أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

وبهذا يكون الرئيس عون، قد أنقذ لبنان وموقفه «المترنّح» من تعديل المرسوم 6433، وضمن حقّه في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة له، شرط ألاّ يأتي خبراء دوليون من المنحازين الى العدو الإسرائيلي، على غرار الموفد الأميركي السفير فريديرك هوف الذي قسّم المثلث البحري، وجعله منطقة نزاع رغم معرفته أنّه من حقّ لبنان بالكامل. علماً بأنّ الخط الذي رسمه ويُعرف بـ «خط هوف» يقسم هذا المثلث بين النقطة 1 و23 مقترحاً إعطاء نسبة 55 % الى لبنان و45 % الى العدو الإسرائيلي.. وقد رفضه لبنان، كما أنّ «اتفاق الإطار» الأخير للمفاوضات غير المباشرة على ترسيم الحدود البحرية مع العدو ألغى وجوده إذ لم يذكره، فيما وافق العدو الإسرائيلي على المفاوضات غير المباشرة بهدف الحصول على هذه النسبة في مثلث النزاع، وقد فوجىء بمطالبة لبنان بتوسيع منطقة النزاع الى مساحة إضافية تبلغ 1430 كلم2. فهل ينجح لبنان هذه المرّة بالحصول على أكبر مساحة ممكنة من منطقة النزاع التي باتت تُشكّل 2290 كلم2، من خلال استقدام خبراء دوليين لترسيم الخط الحدودي، أم أنّه قد يعود الى اعتماد ما توصّل اليه الخبراء المحليين إستناداً الى التقرير البريطاني الذي قامت به مؤسسة «هيدروغرافيك سنتر» وتتحفّظ على نشره؟!

وتقول المصادر بأنّ خطوة عون هذه قد علّقت البتّ بأمر تعديل المرسوم 6433 الذي كان البعض يُطالب بإقراره قبل أن يبدأ العدو الإسرائيلي بأعمال الحفر والشفط في أوائل حزيران المقبل. وأشارت، في الوقت نفسه، الى أنّ اعتراض الرئيس دياب على عقد جلسة إستثنائية لمجلس الوزراء لإقرار تعديل المرسوم المذكور، بحسب توصية «هيئة التشريع والاستشارات»، يستند بالدرجة الأولى الى أنّه منذ استقالة حكومته وحتى اليوم جرى التوقيع على 220 مرسوماً بموافقة إستثنائية من دون العودة الى مجلس الوزراء مجتمعاً، فلماذا نُعقّد الأمر بهذا المرسوم؟ غير أنّ الرئيس عون، عندما أعاد مشروع المرسوم الى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء اتخذ موقفاً دستوريّاً وقانونيّاً، بحسب رأيها، سيما وأنّ المرسوم المعدّل ينصّ على عبارة «بعد موافقة مجلس الوزراء»… ولهذا لا يُمكن أن يحصل على موافقة إستثنائية. من هنا، فإذا أصرّ دياب على عدم عقد جلسة لحكومته المستقيلة، فعليه تغيير النصّ وحذف هذه العبارة على الأقلّ ليُصار بعد ذلك الى الموافقة على التعديل. علماً بأنّ هيئة التشريع والإستشارات هي التي اتخذت هذا القرار فيما يتعلّق بتعديل المرسوم، وليس الرئيس عون، وذلك بهدف أن يتمّ إرسال مرسوم بهذه الأهمية الى الأمم المتحدة يكون خالياً من أي شوائب قانونية ودستورية.

وعن خشية الرئيس دياب من الدعوة الى عقد جلسة إستثنائية لمجلس الوزراء لأنّها قد تكون انطلاقة لتعويم حكومته المستقيلة، وهذا ما لا يريده، تقول المصادر بأنّ لا علاقة لهذه الجلسة بتعويم الحكومة. فقد سبق لحكومات مستقيلة عدّة أن اجتمعت لتمرير قرارات أقلّ أهمية من تعديل مرسوم يتعلّق بحفظ حقّ سيادي للبنان. ومن بين هذه الحكومات على مدى تاريخ لبنان الحديث، حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة والتي كان دياب نفسه وزيراً للتربية فيها.

من هنا، لفتت المصادر الى أنّ ثمّة احتمالات عدّة للتعديل جرت دراستها، إن عبر موافقة مجلس الوزراء مجتمعاً، أو عن طريق الموافقة الإستثنائية من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة، على أن يتمّ حذف عبارة «بعد موافقة مجلس الوزراء»من مرسوم التعديل، ومن ثمّ يُصار لاحقاً الى التسوية في مجلس الوزراء الجديد. ولضمان حصول هذه التسوية، على الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة أن يضمن للمسؤولين الحاليين أنّه سيقوم بهذه التسوية بعد تأليف حكومته. فضلاً عن أنّه بالإمكان أيضاً اعتماد «المراسيم الجوّالة»، أو اللجوء الى مجلس النوّاب لتحويل مشروع المرسوم الى قانون صادر عن المجلس النيابي.

فاقتراحات تعديل المرسوم كثيرة، واقتراح عون باعتماد خبراء دوليين لترسيم الخط الحدودي قد علّق مسألة تعديل المرسوم في الوقت الحالي، على ما أوضحت المصادر، الى أن يُصار الى تحديد الإحداثيات الحدودية البحرية من جديد. وقالت بأنّ الجميع مع حفظ حقّ لبنان وإن كانت الإختلافات التي تطفو على السطح تتعلّق بآلية تعديل المرسوم وليس بعدم الموافقة على التعديل نفسه. علماً بأنّ هناك موقفا آخر يخشى من أن يجعل تمسّك لبنان بالخط 29 الذي كان أحد «خيارات» التقرير البريطاني للحدود البحرية اللبنانية، واعتمده لبنان كالحدّ الأقصى ممّا يحقّ له في المنطقة الإقتصادية اللبنانية، لا سيما في حال لم يتمكّن من الحصول على مساحة الـ 1430 كلم2 المضافة بكاملها، أن تبدأ عملية التخوين، بأنّ لبنان قد تخلّى عن جزء من حقوقه البحرية لصالح العدو الإسرائيلي. والحقيقة أنّها قد لا تكون حقّه الفعلي بل هي أحد الإقتراحات عن حقّه المفترض في المنطقة المذكورة. ولهذا فإنّ طلب عون باستقدام خبراء دوليين يدخل ضمن موقفه الثابت بعدم التفريط بحقوق ومصالح لبنان.

في الوقت نفسه، ثمّة آراء داخلية متناقضة حول «حسنات» تعديل المرسوم 6433 فيما يتعلّق بحفظ لبنان لحقّه في المساحة الموسّعة بحسب الإحداثيات الجديدة التي رسمها الجيش اللبناني مستنداً الى أحد مقترحات التقرير البريطاني. فثمّة من يؤكّد من الخبراء والباحثين في قضايا المياه والبحار بأنّ تعديل المرسوم المذكور يُصحّح أخطاء ارتكبها بعض المسؤولين في الماضي، ومن شأنه إعادة العدو الإسرائيلي الى طاولة المفاوضات كونه يريد إنهاء هذا النزاع قبل لبنان لأنّه أصبح في مرحلة «شفط الغاز»، فيما لم يبدأ لبنان بأعمال الحفر والتنقيب بعد في البلوك 9 الذي يُلامس مثلث النزاع. الى جانب حفظ حقّ لبنان كاملاً فيما يُسمّى «حقل قانا»، والتفاوض على نسبة من حقوق لبنان في حقل «كاريش» الذي يدخل في الجزء الأكبر منه في المساحة الجديدة المُضافة والمفترضة للنزاع. فضلاً عن أنّ توسيع منطقة النزاع لتشمل حقل «كاريش» والبلوك 72 من العدو الإسرائيلي يجعل شركة «إنرجين» اليونانية التي يُفترض أن تبدأ أعمالها في أول حزيران المقبل، تتراجع، وليس فقط «توتال» الفرنسية التي أجّلت البدء بأعمال الحفر في البلوك 9، وذلك لانّ المنطقة باتت منطقة نزاع وهي تخشى على أمنها في حال دخولها في الوسط قبل التوصّل الى حلّ نهائي للمفاوضات غير المباشرة التي انطلقت بين لبنان والعدو الإسرائيلي برعاية واستضافة الأمم المتحدة وبوساطة اميركية في 14 تشرين الأول وعُلّقت في 11 تشرين الثاني الماضيين.

في حين أنّ ثمّة رأي آخر يرى بأنّ تأكيد لبنان على أنّ حقّه هو الخط 29 وليس 23 والتفاوض عليه من دون العودة الى رأي خبراء دوليين حياديين وغير منحازين الى العدو، على ما أضافت المصادر، سيُبقي موقف لبنان آحادي الجانب وغير مدعّم بالتقارير والخرائط والوثائق الدولية، ولهذا قد لا تأخذ به الأمم المتحدة، سيما وأنّ العدو الإسرائيلي تحدّث عن أنّه سيقوم بخطوة مماثلة، أي أنّه سيقدّم ربما مذكّرة الى الأمم المتحدة يتحدّث فيها عمّا يعتقد أنّه يدخل ضمن ما يُسمّيه منطقته الإقتصادية الخالصة. كما أنّ تعديل المرسوم من قبل الجانب اللبناني من غير المؤكّد أنّه سيُعيد العدو الى طاولة المفاوضات، خصوصاً وأنّ مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل قد ألمح خلال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين الى أنّه سيسعى لاستئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، ولكن من الأفضل أن تبدأ من حيث توقّفت، أي من النزاع على المثلث البحري الذي تبلغ مساحته 850 كلم2، وليس على المساحة المُضافة إليه. وهذا الأمر، في حال حصوله، يجعل العدو الإسرائيلي يُتابع عمله في شفط الغاز في حقل «كاريش» كونه يبعد عن هذه المساحة المتنازع عليها.