واحدة من أهم التداعيات السلبية على إسرائيل في نتيجة محققة للمواجهة العسكرية مع غزة هو تموضع فلسطينيي 1948 إلى جانب القدس والقطاع، تموضع لم يقتصر على التظهير الكلامي للتأييد والاصطفاف بل شمل ما أمكن من احتجاج واسع النطاق أدى إلى فرار الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية، ابتداء من عدد من المدن المختلطة داخل فلسطين المحتلة، بما يشبه التطهير من الاحتلال. إنها نتيجة لا تقتصر تداعياتها ودلالاتها على ذاتها، بل تشير إلى فشل استراتيجيات العدو في تقسيم الفلسطينيين وقضاياهم وفقاً لتموضعهم الجغرافي، بين الشتات كل وفق الدولة المستضيفة للاجئين، وبين قطاع غزة المحاصر حيث قضيته الرئيسية فك الحصار أو التخفيف والمطالبة بما تيسر من معونة اقتصادية مقابل انكفائه عن استخدام سلاحه، فيما توجه السلطة بالوكالة في الضفة المحتلة للتموضع خارج الاصطفاف المقاوم وبشكل معادٍ للمقاومة مع امتهان التسول السياسي والاقتصادي مقابل عملها الحازم على قمع المقاومين والتآمر عليهم إلى جانب الاحتلال.
وضعت استراتيجيات التقسيم الإسرائيلية فلسطينيي 1948 في مشروع الأسرلة التي تقضي بأن يتخلى من في الداخل عن فلسطينيتهم وقضاياهم الوطنية، وأن يعملوا جاهدين كي يكونوا إسرائيليين، فيما إسرائيل بدورها التي ترحب بأي إبعاد لهم عن هويتهم ترفض ــ إن سعوا إلى المواطنة التي يملكون هويتها على الورق ــ أن يكونوا إسرائيليين مساوين، وعليهم أن يكتفوا بالمواطنة من درجة ثالثة لا أكثر. هكذا، ظهّرت احتجاجات الداخل، نتيجة وتبعاً للاعتداء على المقدسيين، وكذلك لاحقاً تأييداً لغزة في مواجهة الاحتلال عسكرياً، فشل استراتيجية الفصل، وأن الداخل كما المقدسيين وكما الضفة والقطاع، وكذلك الشتات في الخارج، موحدون وقضيتهم الرئيسية لا تتجزأ.

الاحتجاج في الداخل لم يأتِ كما ذكر عبر التأييد الكلامي بل عبر الميدان إلى الحد الذي عجز الاحتلال معه عن «معالجة» الاحتجاجات التي باتت بدورها جزءاً لا يتجزأ من الوسائل القتالية لدى الفلسطينيين، وعامل ضغط باتجاه دفع الإسرائيلي إلى الانكفاء عن اعتدائه على غزة والقدس، تماماً كما هو سلاح غزة، في المقابل، في مساندة وحماية قضايا القدس والمقدسيين، وفلسطينيي الداخل. هذه النتيجة تضغط على الاحتلال ولا يُقدر لها أن تنتهي، بمعنى التداعيات اللاحقة لها، مع انتهاء المواجهة العسكرية ضد غزة. وهي نتيجة سلبية جداً قد تصل في تداعياتها إلى حد وصفها بالتهديد الاستراتيجي بل الوجودي على الكيان الإسرائيلي، خاصة أن معظم، إن لم يكن كل المحتجين من فلسطينيي 1948، هم من الجيل الجديد الذي لم يعاصر النكبة ولم يتلمس أذيتها المباشرة، وهو الجيل الذي كان يراهن الاحتلال أن بإمكانه تطويعه بعيداً عن هويته الفلسطينية.
الاصطفاف بين مكونات الشعب الفلسطيني، والمساندة والمؤازرة المتبادلة بين الفلسطينيين رغم تموضعهم الجغرافي المقسوم على نفسه نتيجة الاحتلال، هو أهم سلاح في معادلة القوة الفلسطينية في مواجهة المحتل، بل دون مبالغة أهم من أي وسيلة قتالية يملكها الفلسطينيون، ومن أي سلاح مهما بلغ وصفه بالكاسر أو المهشم للتوازن. كما يمكن الوقوف طويلاً أمام الواقع الحالي، بعد أيام على المواجهات في أراضي 1948، فرغم الجهود الأمنية والعسكرية والتهديدات ضد المحتج الفلسطيني، تسبب التحرك في الميدان بهلع ورعب غير مسبوقين لدى المحتل، وهو تهديد يشير إلى انكشاف إسرائيل على تهديدات كانت تظن أنها باتت وراءها.
ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية، كما نقل موقع «والا» العبري، صدرت تعليمات إلى قادة كبار في القيادة الجنوبية والشمالية بالسماح للجنود في الخدمة النظامية الذين يتوجهون إلى القواعد العسكرية بأن يذهبوا بلباس مدني وليس بالزي العسكري خوفاً من الاعتداء عليهم من الشبان العرب (فلسطينيي 1948)، في يافا أو أماكن أخرى في الداخل. والحدث الأخير هو نتيجة صعبة جداً على الاحتلال، والأصعب منها اضطراره إلى إعلانها كضرورة من ضرورات طمأنة الجنود ومنعهم من الانكفاء عن الالتحاق بمراكزهم وثكناتهم العسكرية في طول الكيان وعرضه.