القاهرة | استعادت القاهرة حيوية دورها الإقليمي في ما يتّصل بالملفّ الفلسطيني، بصورةٍ لم تتحقَّق منذ سنوات. فما شهدته العاصمة المصرية من حراك، معطوفاً على الاتصالات التي أجراها المسؤولون المصريون مع الأطراف الدوليين، يمثِّل نشاطاً دبلوماسياً غير مسبوق، انتهى بزيارة خاطفة قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للقاهرة، كان قد استبقها بزيارة الأراضي المحتلّة. وسبق الوزير الأميركي إلى العاصمة المصرية، بيومٍ واحد، نظيرُه القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، تزامنت هي الأخرى مع اتّصال مطوّل بين الرئيسين الأميركي جو بايدن، والمصري عبد الفتاح السيسي، هو الثاني في غضون أربعة أيّام.

هكذا، منح العدوان الإسرائيلي على غزة، النظام المصري أوكسيجين الحياة في التعامل مع الإدارة الأميركية، خاصّة في ظلّ تغاضي واشنطن، جزئياً، عن ملفّ حقوق الإنسان، وبدئها بالبحث عن مشتركات أعمق وأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي، أي ملفّ التهدئة في الأراضي الفلسطينية، ووقف أيّ تصعيد عسكري، يعطِّل الأولويات التي ترغب الإدارة الأميركية في التركيز عليها راهناً. ويلقى التصوُّر المصري قبولاً لدى الإدارة الأميركية، كونه يعتمد على العودة إلى المسار التفاوضي السابق، عبر عقد لقاءات وجلسات تهدف إلى الاتفاق على بنود جديدة للتواصل، تسمح، بدورها، بالعمل على استئناف «عملية السلام»، في موازاة السعي إلى هدنة تستمرّ لمدّة خمس سنوات على الأقلّ. ولا تهدف المساعي المصرية إلى ضمان هدنة في غزة فحسب، بل هي مرتبطة أيضاً بعملية إعادة الإعمار التي يُتوقع أن تلعب فيها القاهرة دوراً كبيراً مع الدوحة، ولا سيما عبر تحويل معبر رفح ليكون المنفذ الرئيس لإدخال المساعدات.

السيناريو الأقرب، في الوقت الحالي، والذي تُوافق عليه قطر، مرتبط بالعمل على دعم إنشاء هيئة مؤسسية تكون مسؤولة عن ملف إعادة الإعمار، ويتمّ عبرها تنظيم عملية ضخّ الأموال، شريطة عدم تسليم حركة «حماس» أيّ أموال نقداً، إرضاءً للأميركيين والأوروبيين، على أن يكون الدور الأكبر للشركات المصرية، مع إتاحة الفرصة لشركات أخرى عربية ودولية للمشاركة في العملية التي ستشهد إعادة تخطيط لبعض المناطق في غزة. وفي هذا الإطار، كُلّفت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي سيكون لها الدور الرئيس في عملية إعادة الإعمار، بوضع تصوّرات مبدئية تستند إلى البيانات والمعلومات عن الخسائر والمناطق المدمّرة. وبحلول نهاية الأسبوع المقبل على أقصى تقدير، ستكون هناك رؤية مبدئية لِمَا يتطلّبه القطاع من أولويات للعمل. لكنّ القاهرة لا ترغب في الخوض في تفاصيل إعادة الإعمار من دون التوصُّل إلى اتفاق هدنة، خاصة في ظلّ الانتقادات التي يتعرّض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الداخل العبري، ومخاوف مصر من عودة الاشتباكات، ولا سيما في ظلّ استمرار حالة التوتّر في القدس.
حسمت مصر عدّة نقاط مع الإدارة الأميركية، ليس في ما يتعلّق بلعب دور الوسيط مع «حماس» خلال الفترة المقبلة فقط، ولكن أيضاً في شرح وتبنّي وجهة نظر الحركة بإدخال القدس ضمن معادلة التهدئة وتوحيد القضية الفلسطينية مجدداً، وعدم الفصل بين ما يحدث في غزة وما يحدث في القدس أو الضفة، مع التشديد على ضرورة تحقيق التواصل بين السلطة وواشنطن، باعتبارها مفوضاً شرعياً عن الشعب الفلسطيني.
وفي غضون ذلك، أبدى وزير الخارجية الأميركي، خلال زيارته القاهرة، رغبة بلاده في تهدئة الأوضاع خلال الفترة المقبلة، وهو ما تعهّد به الرئيس المصري، مؤكداً أن مصر تسعى إلى التهدئة، لأن استمرار التوتُّر وعدم الاستقرار يضرّ بجميع الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة، فيما ظهر واضحاً، خلال زيارة بلينكن، الاهتمام الكبير بالدور المصري، حتّى على حساب الأردن.