الحدث

كتب ابراهيم شير: العودة السعودية الى سورية.. نحن من سوف يعوضنا؟

ابراهيم شير

خلال الساعات الثمانية والاربعين الماضية لم يتبقى وسيلة إعلام سوريّة إلّا ونقلت خبر نيّة السعودية إعادة العلاقات مع دمشق وفتح سفارتها فيها، الأغلبية كانوا فرحين بالخبر وكأنهم سنويًا يقضون صيفهم في جدة وشهر الربيع في ينبع والصيف في الرياض وهم طوال الوقت في طواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، وهؤلاء الفرحون بخبر السعودية هم أنفسهم كانوا قبل أشهر يشتمون بالعرب والدول العربية ويرفضون المحيط العربي لسورية.

الخبر فيه شيء من الصحة والمباحثات بين دمشق والرياض لم تتوقف منذ وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وبحسب ما لدي من معلومات فإن اول زيارة للواء علي مملوك إلى جدة كانت في عام 2015 وبحسب المعلومات التي أعرفها فإنه التقى هناك بمحمد بن سلمان الذي كان ولي ولي العهد في ذلك الوقت، والاتصالات بين الجانبين لم تنقطع رغم حالة المد والجزر التي شابتها التي كان آخرها مقابلة رئيس المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان مع قناة العربية وصحيفة اندبندنت العربية وهجومه على الدولة السورية وتلفيق الأكاذيب على الرئيس بشار الأسد.

الآن سوف أفرض أنّ الخبر صحيح مئة بالمئة وبعد عيد الفطر سوف تقوم السعودية بفتح سفارتها في سورية وتعيد العلاقات إلى ما كانت عليه في السابق، هل يجب علينا كشعب أن ننسى كل شيء؟ وكلّ ما حدث معنا؟ هل يجب أن ننسى السعودي عبد الله المحيسني الذي قاد عملية توحيد الجماعات الإرهابية في الشمال السوري تحت اسم “جيش الفتح” وقاد عملية احتلال محافظة ادلب وأجزاء من محافظتي حلب وحماة؟ هل يجب أن ننسى آلاف السعوديين الذين تم إرسالهم إلى سورية من أجل القتال بصفوف الارهابيين؟ هل يجب أن ننسى فتوى الشيخ السعودي الشهير محمد العريفي بوجوب “الجهاد” في سورية؟ هل يجب أن ننسى كلمات العريفي بأنه عندما ذهب إلى جبهات القتال في سورية وجد “الملائكة” تقاتل إلى صفوف من أسماهم بالـ”مجاهدين”؟ هل يجب أن ننسى قناة صفا والإرهابي السوري عدنان العرعور الذي كان يحرض فيها على القتال في سورية وكانت تبث من الرياض؟

أنا عشت في السعودية لمدة 20 عامًا مع أسرتي بحكم أن والدي كان يعمل هناك، وفي رمضان عام 2011 كانت منابر المساجد في كل أنحاء السعودية بعد صلاة التراويح تصدح بالدعاء على الدولة السورية والرئيس الاسد والجيش السوري وفي الحرم نفسه تم الدعاء والتحريض على الجيش السوري والرئيس الأسد هل يجب أن أنسى كل هذا؟ هل يجب أن أنسى قيام السعوديين بسجن والدي وسجني عام 2013 فقط لأننا مؤيدين للدولة السورية ومن ثم طردنا ومصادرة أموالنا؟ هل يجب ان ننسى ان سجون الترحيل في الرياض وجدة والدمام وسجن اكاديمية نايف العسكرية كانت مليئة بالسوريين المؤيدين لدولتهم وتم ترحيلهم فيما بعد؟

بعد أن تم حبسنا وطردنا ومصادرة أموالنا من السعودية سافرنا إلى دولة أخرى وهناك قابلت السفير السوري في هذه الدولة التي لن أذكرها حتى لا أجرح شعور هذا الدبلوماسي، وعندما قلت له وضعنا قال لي حرفيا “العين لا تقاوم المخرز لماذا قلتم أنكم مؤيدون للدولة؟ لماذا لم تظهروا معارضتكم؟”. هذه الجملة التي قالها سعادة السفير هل سوف نسمعها من الدولة السورية في يوم من الايام بعد أن تفتح السعودية سفارتها لديها؟ هل سوف يقال لنا أنتم من تعرضتم للطرد والحبس ومصادرة الأموال عوضكم على الله ولن نطالب السعودية بشيء ومن طلب منكم أن تقولوا أنكم مؤيدون للدولة؟ بصراحة لو وجهت هذه الجملة لي سوف أقول بكل سهولة هذا السؤال يجب ان يوجه للكادر الدبلوماسي السوري الذي كان في الرياض، هو الذي طلب منا أن نظهر التأييد للدولة السورية وأن نقول أننا معها بهدف أن تظهر الصورة لدى السعوديين أن الشارع السوري المغترب ليس جميعه ضد دولته.

منذ عام 2014 وحتى عام 2019 تم طرد عشرات الآلاف من السوريين العاملين في السعودية فقط لأنهم مؤيدون للدولة السورية والجميع تمت مصادرة أمواله وتعرض للاعتقال لأشهر، فمن وجهة نظري يجب على وزارة الخارجية السورية أن تفتح هذا الملف بصورة صريحة وواضحة مع الرياض وتطالب بحقوق السوريين وتعويضهم، وإلا سنكون مثل الذي انتحر من أجل عشيقته التي تزوجت ابن عمها بعد وفاته.

لست ضد إعادة العلاقات بين دمشق والرياض أو بين دمشق وأي دولة عربية، ولكن يجب أن تعود هذه العلاقات على مبدأ المساواة والتعويض لمن تضرر في الداخل او الخارج، ولن يعيد أحد علاقاته مع دمشق إلا لأنه مستفيد من هذا الأمر. والسعودية مستفيدة لأنها تريد جذب سورية لصفها، ثم استخدام الجيش السوري كسلاح بوجه تركيا التي تحتل شمال البلاد وتريد الرياض مواجهتها بجيش آخر وأن تكون الحرب على أرض غير أرضها، ذلك بدلًا من أن تضغط على أميركا سياسيًا لدفعها لإجبار الأتراك على الانسحاب من سورية وأن تنسحب الولايات المتحدة نفسها أيضا.

أنا أعلم أن السياسة ليس فيها عدو إلى الأبد ولا صديق أيضًا، ولكن يجب أن يكون فيها هامش إنساني ووطني وهذه القضية قضية وطنية لأننا وقفنا إلى جانب وطننا ولسنا ضده وانسانية ايضا، والحوار يجب أن يكون على مبدأ الند للند وإلا سنكون كمن انتحر فعليا.

كاتب واعلامي سوري

المصدر: ابراهيم شير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى