تحقيقات - ملفات

مقاومة لبنان وحصاد عقدين من الانتصارات

 

الأخبار- ابراهيم الأمين

تحتفل المقاومة في لبنان اليوم بذكرى التحرير، لكنها تحتفل فعلياً بانتصار فلسطين. كل الكلام العشوائي عن طبيعة الانتصار ومحاولات التوظيف من قبل الدول الحليفة للاحتلال، لن تمنع المقاومة في لبنان، ومن خلفها سوريا وإيران، من الاحتفال بنصر هم شركاء فعليون فيه. والشراكة، هنا، لا تتصل بالتعاون العسكري المتبادل طيلة ربع قرن بين قوى المقاومة كافة، بل تقع أساساً في البعد السياسي والمعطى الجديد الذي أنتجته الحرب الأخيرة في فلسطين. ومن المفترض أن تشرح قيادة حزب الله هذه الأبعاد في مناسبات كثيرة في القابل من الايام. لكن التقييم الاساسي حصل، وثمة شعور لدى قيادة المقاومة في لبنان، كما لدى المعنيين في إيران، وخصوصاً قوة القدس في الحرس الثوري، ولدى القيادة السورية أيضاً، بأن ما حصل في فلسطين أكد صوابية الخيار بتوسيع قدرات المقاومة، سواء في فلسطين أم أي منطقة أخرى من العالم العربي. وهو أمر يوحي بأننا مقبلون على مرحلة جديدة، سيتعامل معها محور المقاومة بطريقة مختلفة عن السابق مع فصائل المقاومة في فلسطين.

هذه السنة، لا يحصل التطابق الزمني بين احتفال لبنان وما أنجزته المقاومة في فلسطين، بل يحصل التطابق الذي يقودنا الى استنتاجات ستكون محط تداول أكبر في المرحلة المقبلة، حول استراتيجيات جديدة تتبعها قوى المقاومة، إن لجهة التنسيق في ما بينها، أو لجهة توسيع الثغرات في الجدار السياسي والنفسي الذي بنته إسرائيل طوال سبعة عقود، سواء داخل فلسطين أم في العالم العربي. والأكيد، أن أي تباينات ذات طابع سياسي بين قوى المقاومة، لن تخرج نهائياً عن الطاولة، لكن مسؤولية قوى المقاومة، بطي فعلي لصفحة الخلافات التي قامت خلال العقد الأخير، أو معالجتها بصورة جذرية، وإن كان الخيار الثاني يتطلب جهوداً استثنائية، قد لا تثمر نتائج كاملة سريعاً.
في جانب الفهم لآثار ما أنجزته مقاومة فلسطين، ستكون مقاومة لبنان من الجهات الأولى في حصاده، سواء لجهة نوعية الردع القائم مع العدو، وكبح جماح قياداته العسكرية والأمنية والسياسية الراغبة في حرب مدمرة مع لبنان، أم لناحية تعزيز قدرات الردع في جبهتي فلسطين وسوريا. وتقف المقاومة في فلسطين أمام استحقاق جديد، لا يتوقف عند ربط غزة بالقدس وبقية فلسطين، بل في جعل قدرات المقاومة التي تصل بضررها الى قلب إسرائيل، عنصراً مركزياً في ردع العدو عن مزيد من المغامرات. وسنسمع قريباً من قادة المقاومة في فلسطين كلاماً واضحاً عن أنه لن يكون مسموحاً بعد اليوم للعدو بالقيام بعمليات قصف واغتيال من دون عقاب لن يكون سقفه أقل من قصف تل أبيب. وعندها ستكون إسرائيل أمام مواجهة من نوع مختلف مع غزة. وليس معلوماً إن كان لديها 320 طائرة لا 160 لترسلها في عملية قصف القطاع الصغير في لحظة واحدة، كما فعلت خلال أيام الحرب الأخيرة.الأمر الآخر يتعلق بالعمل على الساحة السورية، حيث النقاش داخل محور المقاومة يقترب من لحظة القرار بالرد على كل عمليات القصف التي تقوم بها إسرائيل ضد أهداف عسكرية سورية أو غير سورية على أرض سوريا، إضافة الى العمليات الأمنية التي تقوم بها قوات الاحتلال مباشرة أو من خلال عملائها ضد مقرات للمقاومة أو ضد ناشطين فيها على الأرض السورية. ومع أن هذا القرار ستكون له تداعياته الكبيرة، لكن الواضح أن واحدة من نتائج الحرب الأخيرة في فلسطين، هي القدرة على كي الوعي لدى قيادة العدو وليس لدى شعبه فقط. وهو تحد كبير، خصوصاً أن الجميع يعرف، بما في ذلك قوى المقاومة، بأن العدو باشر العمل على وضع خطط للانتقام من المقاومة الفلسطينية على ما فعلته خلال 11 يوماً. وستكون ساحات فلسطين كافة، من غزة الى الضفة والقدس الى أراضي الـ48، ساحة لعملية «تصفية حساب» واسعة تقوم بها قوات الاحتلال، في محاولة لمحو آثار المعركة الأخيرة. وبالتالي، فإن رد المقاومة على كل هذه المحاولات يتطلب أشكالاً مختلفة من المواجهة، ومحور المقاومة معني أيضاً بهذه المواجهات.
وليس بعيداً عن هذه الجوانب الميدانية وحتى العسكرية واللوجستية، فإن التحديات التي تواجه المقاومة في لبنان اليوم، ليست في المزيد من العمل على تعاظم قدراتها العسكرية النوعية، بل في خلق مساحات تعاون أوسع مع كل فصائل المحور، سواء في فلسطين أم في سوريا والعراق واليمن أيضاً. وهو ما تخشاه إسرائيل التي تنظر الى حزب الله في لبنان على أنه مركز الثقل في جبهة المقاومة الواسعة. وهي محقة في أن تتصرف على أساس أن الحزب وضع نفسه خارج أي حسابات سياسية من النوع الذي يدفعه الى تسويات أو تنازلات بما خص قضية المقاومة. وهذا يوجب نظرة مختلفة الى مشاركة جهات جديدة، على الصعيد السياسي والشعبي وربما الميداني، في مرحلة الاستعداد للمواجهة المقبلة. وهو يتطلب حوارات من نوع مختلف مع كل القوى الفلسطينية والعراقية والعربية المعنية، وسينتظر جمهور المقاومة في فلسطين كما في لبنان والمنطقة، نتائج الاتصالات الجديدة التي ستقوم بين قوى أساسية في جبهة المقاومة، ولا سيما حركة حماس، وبين مراكز ثقل في محور المقاومة، ولا سيما سوريا، وخصوصاً أن دمشق، رغم كل الحنق الموجود لدى قيادتها وجمهورها تجاه «كل الإخوان المسلمين»، وجدت في الحرب الأخيرة مناسبة لكسر جدار الصمت والقلق والخوف. وكان الرئيس بشار الأسد شديد المباشرة والصراحة عندما قال للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زيادة النخالة قبل أيام: «سلّم لي على جميع المقاومين، وعلى مقاومي حماس، وقل لهم إن فلسطين فوق كل الخلافات، وإن سوريا كانت وستبقى الى جانب المقاومة، وستوفر لها كل ما تحتاج إليه وتقدم لها كل ما تقدر عليه».
يأتي عيد التحرير هذه السنة، وسط مناخات من نوع مختلف، فرضتها الحرب الأخيرة في فلسطين، وليس أكثر بهجة من دهشة الجميع من القدرات الهائلة للمقاومين الفلسطينيين الذين ألقوا الحجة على كل من ينادي بتحرير فلسطين، وقالوا للجميع إن طريق القدس تستقيم باستقامة خيار المقاومة، وليس أي شيء آخر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى