تحقيقات - ملفات

هل صراعنا مع إسرائيل دينى أم قومى أم وطنى؟

عماد الدين حسين-الشروق

عقب توقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والقدس فجر الجمعة قبل الماضى، تحدث إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس ومن بين ما قاله: «الآن ندخل مرحلة جديدة فى تاريخ صراع الأمة الإسلامية، الذى يتمحور حول القدس والمسجد الأقصى».
لم أكن قد شاهدت ما قاله هنية، حتى لفت صديق عزيز نظرى إلى خطورة أن يحصر هنية، وحركة حماس الصراع فى الجانب الدينى فقط.
الصديق، ليس مسيحيا، أو حتى علمانيا، بل مسلم وسطى عاقل ومستنير وغيور على دينه جدا، لكنه يرى أن مثل هذا الخطاب مضر جدا بالقضية الفلسطينية وبالإسلام عموما.
بحثت عما قاله هنية من مقر إقامته فى الدوحة فأدركت سر قلق الصديق، وسر قلق أى عربى عاقل من خطورة مثل هذا النوع من الخطابات.
تقديرى أن صراعنا مع العدو الإسرائيلى شامل ومتعدد وله العديد من الجوانب الدينية والقومية والوطنية، أحد هذه الجوانب هو الدين، الذى كان له أثر مهم فى العديد من جولات هذا الصراع، منذ بدايته وحتى الآن. لكن أن يتم حصر هذا الصراع ليصبح دينيا فقط، فتلك مشكلة كبيرة، لا يستفيد منها إلا الإسرائيليون الذين يريدون من العالم الاعتراف بدولتهم، باعتبارها دولة لليهود فقط، وهو الأمر الذى أيده الرئيس الأمريكى جو بايدن قبل أيام، مطالبا العرب بالاعتراف بإسرائيل كدولة@ يهودية، حتى يتم البحث فى تسوية نهائية.
خطورة تغليب الجانب الدينى فقط على هذا الصراع المعقد، لن تستفيد منه إلا إسرائيل، ولن يدفع ثمنه إلا العرب والفلسطينيون.
يقول هنية فى أحد خطاباته بعد نهاية العدوان: «أن ما تحقق كان نصرا إلهيا»، والسؤال الذى قد يسأله أى شخص غير عربى وغير مسلم هو: «وهل بنفس القياس فإن الهزائم العربية الكثيرة أمام إسرائيل فى الحقب السابقة، كانت إلهية؟!! استغفر الله.
الله ــ سبحانه وتعالى ــ أعطانا عقولا لنفكر بها، ونعمر بها الدنيا، وليس فقط للتواكل وتعليق عجزنا وفشلنا وخيبتنا على شماعات متعددة.
مثلا فى العدوان الأخير، فإن العديد من المسيحيين تضامنوا مع الفلسطينين، ليس لأنهم مسلمون، بل لأنهم بشر يتعرضون للعدوان والظلم. وهناك يهود داخل إسرائيل وخارجها لهم مواقف أكثر من محترمة ضد السياسات الإسرائيلية. فإذا أصر هنية وقادة حماس وكل من يفكر بطريقتهم، على هذا المنطق، فماذا سنفعل مع المسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين والملحدين، الذين يريدون أن يتضامنوا معنا، فى حين أننا نصر على أنها معركة بين الإسلام وبقية خلق الله.
المفارقة أن هناك مسلمين متضامنين مع إسرائيل، وتمنوا أن تنتصر على المقاومة، بل أن لجنة القدس لم تجتمع لنصرة الحق الفلسطينى!!
يقول هنية إن «النصر تنزل علينا بفضل الله وتأييده»، هذا كلام صحيح فى عمومياته، فكل شىء من عند الله، العالم بكل شىء، لكن الله جعل لكل شىء سببا، والدليل أننا كمسلمين انهزمنا فى جولات سابقة.
ظنى الشخصى أنه فى المعارك، وسائر مجالات الحياة، بما فيها منافسات الرياضة، فإن الانتصار أو الهزيمة، جميعها من عند الله لكنها خاضعة للقوانين الحياتية والسببية، التى لا تتصادم مع المشيئة الإلهية، بمعنى أنك حينما تؤدى ما عليك من واجبات، فإنك تنجح، سواء كنت مسلما أو ملحدا، أما الحساب على الإيمان فموعده عند الله يوم القيامة.
هناك قوى ودول وأشخاص غير مسلمين يتعاطفون مع الفلسطينيين فى صراعهم مع الاحتلال. والسؤال للسيد هنية وأنصاره: ماذا سيكون رد فعل هؤلاء جميعا، حينما تقول لهم إن الموضوع بأكمله، صراع الأمة الإسلامية ضد غيرها، بما فيها أنتم يها المتضامنون معنا؟!
ظنى أيضا أن الصراع يتمحور حول تحرير وطن محتل من عدو غاشم، سواء كان هذا الوطن مسلما أو مسيحيا، وسواء كان المحتل يهوديا أو ينتمى لأى دين.
نعم المسجد الأقصى له رمزية مهمة جدا فى الصراع، لكن هناك بلدا بأكمله محتل اسمه فلسطين، فهل لو عاد المسجد فقط، واستمرت بقية البلاد محتلة، ينتهى الأمر؟!!.
ظنى أخيرا أن هذا الخطاب الذى تصر عليه حماس، وكل من يفكر بنفس عقليتها، يهدر كل النجاحات، وكل حملات التضامن مع الفلسطينيين، ولا يستفيد منه إلا المتطرفون الصهاينة، الذين ثبت أنهم وحماس، لا يستطيعان الاستغناء عن بعضهما البعض، وغياب أحدهما يعنى بالضرورة اختفاء الآخر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى