بانوراما

حلفاء أمريكا في المنطقة: لإعادة التموضع في منطقة الشرق الأوسط

تشهد منطقة غرب آسيا في الآونة الأخيرة حراكًا سياسيًا، وعلى الرغم من سخونة المشهد في مختلف المناطق إلا أن بعض الدول تسعى لإعادة تمركزها في منطقة الشرق الأوسط، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ومصر وتركيا والامارات وغيرها.

وفي هذا الإطار، تعددت الأساليب والوسائل التي اعتمدتها هذه الدول، ففرنسا على سبيل المثال استخدمت الوسيلة العسكرية للتقرب من قيادة الجيش اللبناني بعد فشل المبادرة التي أطلقتها الإدارة الفرنسية من أجل تشكيل الحكومة. وفي فلسطين، تسعى كل من مصر وقطر وتركيا إلى تثبيت نفوذها الاقتصادية في قطاع غزة وذلك من خلال اللجوء إلى حيلة إعادة الاعمار بعد معركة “سيف القدس”.

وفي إيران، تحاول الدول العربية الحليفة لأمريكا و”إسرائيل” تسييس الانتخابات الرئاسية الإيرانية بغية شيطنة صورتها أمام حلفائها في محور المقاومة. أما أمريكا، فتحاول جاهدة الإدارة السياسية الجديدة فيها أن تمسك بزمام الأمور في المنطقة بدءًا من العراق وسوريا وصولًا إلى اليمن والكيان الإسرائيلي. ويمكن تلخيص هذه الأحداث على النحو التالي:

لبنان:

زيارة قائد الجيش اللبناني إلى فرنسا التي جاءت بدعوة من قائد الجيوش الفرنسية، كانت أيضًا تلبية لرغبة المطبخ السياسي الفرنسي في الإليزيه بالتعرف عن كثب على شخصية قائد الجيش وتوجهاته ومهاراته القيادية، وعلم أن الجهات العسكرية الفرنسية المختصة وافقت على برنامج تدريبي تخصصي مدته ثلاث سنوات قابلة للتجديد لرفع مهارات ضباط الجيش اللبناني من مستوى الأركان إلى مستوى السرايا في مجال الحرب الالكترونية والسايبر، ما يشير الى تنامي النشاط الفرنسي في لبنان.

فلسطين:

رغم اختلاف المواقف المصرية والقطرية والتركية في ملفات عديدة في المنطقة، تتقاطع الدول الثلاث على ضرورة حصر العمل الاغاثي المباشر وإعادة الاعمار في غزة بمصر وتركيا، ويبدو أن السبب الرئيسي لهذا التقاطع هو الدور الذي تلعبه الامارات مع الحكومة الإسرائيلية والذي يهمش مصالح وأدوار الدول الثلاث في شرقي المتوسط وخصوصًا الدور المصري، وثمة إشارات مصرية أن القاهرة باتت تقبل بالتعامل مع حماس بوصفها حكومة في غزة وسترضى بدور صوري لحكومة رام الله في السنتين القادمتين التي يتوقع فيهما أن تثبت مصر وجودها ونفوذها الاقتصادي في غزة.

إيران:

توجه الحلف الثلاثي المصري السعودي الاماراتي لشيطنة صورة إيران من جديد بعد ارتفاع أسهم الجمهورية الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي نتيجة لما أبرزنه معركة سيف القدس من دعم واحتضان إيراني للمقاومة الفلسطينية مما تسبب بتساقط جهد عقدين من التحريض على إيران. ويتجه الحلف الثلاثي الى استخدام أدوات الحرب الناعمة من جديد واغتنام فرصة الانتخابات الإيرانية لتزخيم حملة التشويه التي ستطال المجال المذهبي والعرقي والجنائي.

سوريا:

– بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تحضيراتها لإعادة إثارة تثبيت ما تسميه “الممر الإنساني” لنقل المساعدات إلى المناطق غير الخاضعة للحكومة السورية وذلك عن طريق إحياء معبر “باب الهوى” كمعبر دائم للمساعدات. وتأتي خطورة زيارة السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة الى تركيا ومعاينتها للحدود التركية السورية في هذا المجال ويأتي في نفس الإطار إعادة احياء منظمات المجتمع المدني السورية المعارضة وعلى رأسها “الخوذ البيضاء” وتأسيس منظمات جديدة لتواكب هذه العملية في المناطق التي تحتلها تركيا والولايات المتحدة في الشمال السوري.

– ثمة تحول كبير في تعامل جماعة “قسد” مع الحكومة السورية تجلى في الأسبوعين الماضيين باعتقال ضباط وموظفين رسميين سوريين فضلًا عن اغلاق مصالح ومؤسسات حكومية خدمية سورية في محافظتي الحسكة ودير الزور وهناك مؤشرات إلى أن قسد التي تضع يدها على البترول وغلال الحبوب السورية تتجه للبدء في تصديرها الى خارج البلاد.

العراق:

– يبدو أن قيادة المهام المشتركة التابعة للتحالف الدولي لمحاربة داعش التي يرأسها الأمريكيون قد دمجت المسرحين السوري والعراقي ضمن عملياتها بحيث تتبع الإمرة في البلدين لقيادة واحدة تعمل من المدينة الخضراء في بغداد.

– ستتولى قوة خاصة في الجيش العراقي تابعة بشكل مباشر لإمرة رئيس الوزراء العراقي عملية تأمين المنطقة الخضراء وجعلها محرمة على كل الأطياف العراقية.

– نفذ البنك المركزي العراقي سلسلة من الإجراءات الجديدة، في عدد من أقاسمه الداخلية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تضمنت وضع قيود وفرض حظر على شخصيات وجهات مالية وتجارية، تماشيًا مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والنظام السوري، والعقوبات المفروضة على شخصيات سياسية عراقية وأخرى من الحشد الشعبي.

اليمن:

يعمل المبعوثين الأمريكي والاممي لاندركين وغريفيث على خطة جديدة لتجزئة الملف اليمني الى ثلاثة أجزاء هي (الأمني والعسكري، السياسي، الإنساني) وتسعى واشنطن والأمم المتحدة الى الدفع دوليًا لتقديم الملف الإنساني على سائر الملفات الأخرى وقد تولى الموفدان الأمريكي والاممي الاتصال بسلطنة عمان والأردن بعد اتصال بالسويد لاعتمادها لإدارة خطة العملية الإنسانية المقترحة التي ستتولى الديبلوماسية الامريكية ترويجها لدى الدول الداعمة واستصدار قرار من مجلس الامن الدولي ينحصر فقط بالمجال الإنساني. الأصل في تجزئة الملف هو الاستفادة من الورقة الإنسانية لتجميد الملفات الأخرى وفرض أمر واقع على الأطراف اليمنية المعنية بحجة إنجاح العمل الإنساني.

– تتجه الولايات المتحدة الامريكية بشكل حاسم الى اغلاق الجبهة اليمنية وانهاء الحرب.

الكيان الإسرائيلي:

– توصيات أمريكية رفعت لحكومة الاحتلال الإسرائيلية الجديدة بأنه يجب عليها أن تفهم وتدرس مصالح الولايات المتحدة واحتياجات الإدارة، من أجل تقليل المفاجآت وتجنب الفجوات بين مواقف البلدين، وأنه من الأفضل لكيان الاحتلال أن يجري حوارًا استراتيجيًا متواصلًا وسريًا، مما سيتيح فهمًا أفضل للمصالح الأمريكية وقدرة “إسرائيل” المحتملة على التأثير. في هذا السياق، وعلى افتراض أن مطالب الولايات المتحدة تتماشى مع المصالح الإسرائيلية، يوصى بأن يتبنى الكيان نهجًا يعكس استعدادًا للاصطفاف مع الإدارة الامريكية قدر الإمكان، وبالتأكيد عدم مواجهتها علنًا. على هذا النحو، ستكون “إسرائيل” قادرة على مساعدة الإدارة في التعامل مع المشاعر المعادية لها في الرأي العام الأمريكي، والتي يصعب على الاحتلال معالجتها بشكل مباشر.

– تجربة الحرب الأخيرة أظهرت تغيرًا ملحوظًا في المناخ الشعبي الأمريكي وبالتالي توجهات الكتل الانتخابية الديمقراطية اللاتينية والآسيوية والافريقية والمرحلة القادمة أصبحت تنطوي على مخاطر وسم “إسرائيل” بدولة فصل عنصري. اللوبيات اليهودية الامريكية الداعمة للحزب الديمقراطي باتت تصرح علنًا بأن “الانجراف نحو اليمين والدور المتنامي للأحزاب المتطرفة في السياسة الإسرائيلية أديا إلى إلحاق المزيد من الضرر بصورة إسرائيل، بما في ذلك بين العديد من اليهود الأمريكيين”.

– تبدو بصمات الإدارة الأمريكية واضحة في عملية الإطاحة بنتنياهو وتفعيل التحالف الحكومي الإسرائيلي الجديد وتأتي زيارة بيني غانتس الخصم الأكبر لنتنياهو إلى واشنطن بدعوة منها في هذا السياق حيث يرجح أن يكون غانتس حاكم الظل في الحكومة القادمة ويظهر من خلال مروحة الاتصالات واللقاءات الواسعة التي اجراها في الولايات المتحدة الأمريكية أن الإدارة الامريكية تعده ليكون البديل الفعلي لنتنياهو بعد أشهر وذلك بعد ضمان نجاح حكومة الاحتلال الجديدة بتجاوز قطوع محاكمة وسجن نتنياهو وتصفية رجاله في الإدارة.

المصدر: الخنادق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى