صنعاء وصل وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، مساء أمس، إلى العاصمة السعودية الرياض، حاملاً رسالة خطّية من السلطان هيثم بن طارق، إلى الملك سلمان. رسالة يبدو واضحاً أنها ذات صلة بالمباحثات التي أجراها الوفد السلطاني العُماني في صنعاء على مدار خمسة أيام، والتي ظلّت مؤشّراتها، حتى الساعات الأخيرة، توحي بتحقيق اختراق “مهمّ” في الملفّ الإنساني، ربّما يمهّد للانتقال إلى الملفّات الأخرى. وعلى رغم أن الأجواء لدى “أنصار الله” تنبئ بتحقُّق شروط الحركة في الملفّ المذكور، إلا أن الأمر يبقى محاطاً بالشكوك، خصوصاً في ظلّ استمرار المراوغة الأميركية، والتي اتّخذت أخيراً صورة محاولة لإخراج ملفّ التواجد الأجنبي في اليمن من دائرة التفاوض

توازياً مع مواصلة الوفد العماني مباحثاته في صنعاء لليوم الخامس على التوالي، برزت محاولات أميركية حثيثة للدفع في اتّجاه شرعنة تواجد القوات الأجنبية في الأراضي والمياه اليمنية، وتأجيل الحديث عن هذا التواجد إلى أجل غير مسمّى، وهو شرط جديد أغضب صنعاء وأحرج العُمانيين. إذ إن سعي الولايات المتحدة الأميركية والسعودية إلى حصر المباحثات في إطار حدود سيطرة حركة «أنصار الله»، بوصف الأخيرة طرفاً من أطراف متعدّدة منخرطة في الحرب، يتعارض كلّياً مع مبادئ الحركة التي ترى أن الخوض في أيّ مساعٍ دولية تتجاوز سقف الاستقلال والسيادة اليمنيَّين أمر غير مقبول، إن لم يكن مستحيلاً. وهو ما أكده «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، خلال اجتماعه الدوري أمس، حيث شدّد على أن «رفع الحصار، ووقف العدوان جوّاً وبرّاً وبحراً، وإنهاء الاحتلال، وخروج القوات الأجنبية، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لليمن، مبادئ أساسية لا يمكن الحياد عنها في أيّ نقاشات قادمة». وأشار المجلس إلى أن «اليمن اليوم يقف مع السلام المشرّف الذي يلبّي طموحات الشعب»، مضيفاً أن «الاستمرار في معركة الدفاع عن السيادة والاستقلال هو الخيار البديل لغياب السلام العادل».
ووفقاً لأكثر من مصدر سياسي، فإن المباحثات التي أجراها الوفد العماني مع قيادة صنعاء حقّقت «تقدُّماً كبيراً» في ما يتعلّق بفتح مطار صنعاء ورفع القيود عن ميناء الحديدة. وأشارت المصادر إلى أنه تمّ التعاطي بـ»إيجابية» مع تلك الأفكار والمقترحات التي «لا تمسّ السيادة اليمنية ولا تنتزع أيّ حقوق مشروعة للشعب اليمني»، كاشفة أنه «تمّ الاتفاق على آلية لتنفيذ التفاهمات المتعلّقة بالمطار والميناء، كخطوة أولى لبناء الثقة، قد تُمهّد للانتقال إلى الملفّات الأخرى». لكن حالة من الغموض لا تزال تكتنف المباحثات المتعلّقة بالملفّ العسكري، وذلك تحديداً بسبب اشتراط الجانب الأميركي أن لا تتجاوز المناقشات حدود سيطرة الجيش اليمني و»اللجان الشعبية»، وهو ما يعتبره مراقبون مناورة جديدة يحاول الأميركيون تمريرها عبر مسقط التي تربطها علاقات وطيدة مع صنعاء، و»محاولة مفضوحة لشرعنة وجود القوات الأجنبية في المياه والأراضي اليمنية»، بذريعة أن المحافظات الجنوبية والسواحل الشرقية والغربية والجزر خاضعة لسيطرة حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، المعترَف بها دولياً، علماً أن الأخيرة لا تواجُد حقيقياً لها على الأرض، التي تتقاسم السيطرة عليها فعلياً السعودية والإمارات، بشكل علني منذ سنوات.

السياسي اليمني، ومستشار وفد صنعاء في مباحثات استكهولم، جمال عامر، تحدث عن تعرّض صنعاء لضغوط عبر «أصدقاء مدفوعين بالإحراج لتقديم تنازلات»، أو «أعداء يتقمّصون دور وسطاء». وأشار عامر إلى أن « سلطنة عمان تتفانى، وبحرص، في محاولة منها لخلق مقاربات تفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار»، لكنه قلّل من التفاؤل بإمكانية حسم هذا الملفّ «في ظلّ غياب الرؤية المتكاملة والعادلة لحلّ شامل ودائم في اليمن». ولفت إلى أن «دول تحالف العدوان السعودي – الإماراتي تسعى لشرعنة ما تمّ احتلاله من محافظات ومناطق استراتيجية يمنية، وهذا لا يمكن ضمانه إلّا إذا كان البلد ممزّقاً وضعيفاً ومحترباً، أو كانت على رأس سلطته الأدوات الممتهنة».
وعلى رغم التقدّم الذي حقّقه الوفد العماني، الذي يحرص على أن يعود إلى مسقط بنتائج إيجابية لا تقتصر على ملفَّي مطار صنعاء وميناء الحديدة، بل تتعدّاهما إلى تفاهمات أوّلية حول الانتقال إلى وقف إطلاق النار بشكل كلّي في مختلف الجبهات، كخطوة ثانية في مسار تهدئة الأوضاع والترتيب لجولة مفاوضات سياسية حول الحلّ الشامل، إلا أن الإشارات الصادرة عن حكومة هادي، ومِن خَلفها الرياض، لا تنبئ بأيّ تغيّر جدّي في مواقفهما. إذ جدّدت تلك الحكومة، على لسان وزير خارجيتها أحمد بن مبارك، رفضها أيّ مفاوضات تتجاوز «المرجعيات الدولية المُمثَّلة بالمبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الشامل، وقرارات مجلس الأمن، ومن أبرزها القرار 2216»، وهي اشتراطات لم تشملها المبادرة الأممية للحلّ الشامل، فضلاً عن أن المرجعيات الثلاث المذكورة تجاوَزها الواقع العسكري والسياسي خلال السنوات الماضية.
وينبئ موقف حكومة هادي بأن الوساطة العُمانية تحاول المضيّ في اتّجاه لا يروق «التحالف» والقوى الموالية له، خصوصاً في ما يتعلّق بوقف تقدّم قوات صنعاء في مأرب، والذي تفيد مصادر مطّلعة بأن الوفد العماني تجنّب الخوض فيه وفي غيره من القضايا الجزئية، وسعى إلى التركيز على وضع إطار لوقف إطلاق النار الشامل في مختلف الجبهات، والذي من المتوقّع أن يأتي كمرحلة ثانية، في حال نجاح المساعي العمانية في تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه مع صنعاء والأطراف الأخرى حول فتح المطار المغلق أمام الرحلات المدنية منذ 9 آب 2016 (باستثناء رحلات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها)، ورفع القيود على سفن الوقود القادمة إلى ميناء الحديدة.