تحقيقات - ملفات

هل يؤثّر انتخاب رئيسي على لبنان؟

مجد بو مجاهد – النهار

لم يكن استحقاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعيداً عن حسابات بعض القراءات والتحليلات السياسية اللبنانية التي كانت أدرجت هذا المعطى قبل أشهر في إطار العوامل المؤثّرة والمرتبطة بالاستحقاق اللبنانيّ المنتظر لجهة ولادة حكومة بعد أشهر من المراوحة الكاملة، لكن الأيام التي لحقت إعلان فوز رجل الدين المتشدد #إبراهيم رئيسي في انتخابات رئاسة إيران، لم تنذر بملامح تأثير أو تبدّل في المقاربة العامّة للسياسة الخارجية الإيرانية عموماً، وفق ما يستقرئ خبراء في الشؤون الدولية، باعتبار أن من يمسك مفاتيح السياسة الخارجية في إيران هو المرشد الأعلى علي خامنئي وليس رئيس الجمهورية. ولا يمكن الحديث عن دور خاص لرئيسي في السياسة الخارجية، إلا في حال تحوّل إلى مشروع خلافة لخامنئي كمرشد أعلى في مرحلة لاحقة، وهذا ما لا يزال من المبكر مقاربته أو توقّعه أو الحديث عنه في المدى القريب. ولا تزال الأهداف المرسومة على طريق السياسة الخارجية الإيرانية واضحة، استناداً إلى ما يؤكّده المسؤولون في كلّ من واشنطن وطهران، لجهة أن المرشد الإيراني علي خامنئي يريد استعادة الاتفاق النووي مع الغرب، وذلك من أجل رفع العقوبات الصارمة التي أبقت النفط الإيراني خارج السوق العالمية.

تُختضر الصورة التي تحيط مشهد انتخاب رئيسي بالقلق الذي تعبّر عنه دول العالم لناحية وصول أكثر الاسماء المتشددة في إيران إلى سدّة الرئاسة. وترتبط الهواجس خصوصاً بالمخاوف على حقوق الانسان في ايران. وارتبط اسم رئيسي فور إعلان انتخابه بتورطه في إعدامات جماعية بحق معارضين في ثمانينيات القرن الماضي، وفق منظمات حقوقية ومعارضة إيرانية. وكان مجلس صيانة الدستور قد أقصى عدداً من المرشحين الإصلاحيين الأقوياء، مثل رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، الأمر الذي أفضى إلى مقاطعة واسعة للانتخابات. وقد أشار متحدث باسم الخارجية الأمريكية، في بيان، إلى أن الإيرانيين حُرموا من حقهم في اختيار قادتهم في عملية انتخابية حرّة ونزيهة. وأعربت فرنسا عن قلقها حيال واقع حقوق الإنسان في إيران، مؤكدة حشد كل جهودها الديبلوماسية لإنقاذ الاتفاق المبرم حول النووي الإيراني، بعد انتخاب المحافظ المتشدد رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية. ورأت إسرائيل أن انتخاب رئيسي، حريّ بأن يثير قلقاً بالغاً لدى المجتمع الدولي، مشيرة الى أنه الأشد تطرفًا بين رؤساء إيران حتى الآن، ومحذّرة من أن يكثّف أنشطة بلاده النووية.

في ما يتعلّق بالموضوع اللبناني، ثمّة من يستقرئ أن يرتبط هذا الملف بالمرحلة الثانية من المفاوضات على الاتفاق النووي الإيراني. ويعتقد الخبير في الشؤون الدولية وسفير لبنان سابقاً في واشنطن رياض طبارة أن “الاتفاق النووي سيكون طويل الأمد. وتتمثل المرحلة الأولى في العودة إلى الاتفاق ونزع بعض العقوبات قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية. وتسعى ايران إلى نزع عدد من العقوبات الموجعة المتمثلة بالعقوبات على البنك المركزي وعلى النفط الإيراني”. ويعتبر طبارة في حديث لـ”النهار” أنّ “إصرار واشنطن على إبقاء عدد من العقوبات، يرتبط ببحث قضايا متعلقة بالصواريخ البالستية والميليشيات المتحالفة مع إيران في المنطقة”. ويشير إلى أن “المفاوضات كانت استغرقت في مرحلة سابقة سبع سنوات، وتالياً فإنه إذا كان ثمة من ينتظر الاتفاق النووي في لبنان، فإن المسألة قد تستغرق سنوات”. ويرى أن “المشكلة الحكومية في لبنان مرتبطة باعتبارات داخلية في الوقت الحاضر ومنها الإصلاحات التي لا بدّ من تطبيقها من خلال اختيار شخصيات لبنانية مستقلّة باستطاعتها فتح ملفات مغارة علي بابا. ولا تأتي عدم الرغبة في تأليف حكومة من عدم رغبة الطبقة السياسية اللبنانية بقطع باب الرزق والتنازل عن المكتسبات فحسب، بل تخشى من المحاسبة”. ويخلص طبارة إلى أن “المجتمع الدولي، من أميركا إلى أوروبا وروسيا، لا يريد سقوط لبنان أو انهياره، من دون أن يعني ذلك أنه يعتزم إعادته إلى سويسرا الشرق. وتنتج عدم الرغبة في الانهيار عن اعتبارات ومصالح المجتمع الدولي، فيما عدم الانهيار يعني ضرورة تنفيذ الإصلاحات”.

وبدوره، يرى القارئ في الشؤون الدولية والسفير اللبناني السابق بواشنطن عبدالله بو حبيب أن “المراوحة الحكومية مرتبطة بسببين على الأقل. ويكمن السبب الأول بأنه اذا قامت الطبقة السياسية اللبنانية بإصلاحات، سيكون ذلك مؤلماً على الصعيد الداخلي وينعكس على نتائج الانتخابات. وإذا لم تقم الحكومة بإصلاحات، ستشكَّل حكومة فاشلة بما ينعكس ذلك أيضاً على وضع الأحزاب في الانتخابات. الأحزاب الداخلية خائفة من تشكيل حكومة، فيما ولادة حكومة مستقلة تعني تنفيذ الاصلاحات والاشراف على الانتخابات ونزع دور الطبقة التقليدية”. ويستبعد بو حبيب عبر “النهار” أن “يؤثر انتخاب رئيس إيراني جديد في الوقت الحاضر على لبنان، في غياب ولادة حكومة لها سياستها الداخلية والخارجية والدفاعية”. ويرى أن “المجتمع الدولي، من أميركا إلى أوروبا، يريد تشكيل حكومة ولا مصلحة له في الانهيار. وهو مستعد للمساعدة، إذا كان لبنان مستعداً لمساعدة نفسه. وحتى ايران لا مصلحة لها في الانهيار. ويتوجب على اللبنانيين تأليف حكومة وطلب المساعدة، والمساعدة تأتي”. وينقل بو حبيب، في خلاصة حديثه، مقاربة ديبلوماسي أميركي التقاه حديثاً في لبنان، والذي أكّد ضرورة تشكيل حكومة تنفّذ الاصلاحات سريعاً، متسائلا: “كيف يمكن أن نساعد حتى تتشكل الحكومة؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى